لا شك أن أحدى الواجهات المهمة التي تجعل تنظيم داعش يستقطب الشباب المسلم في الدول الاوربية، ويجعلهم يتركون البلاد الأوربية ورخائها ويفضلون عليها الجهاد في العراق وسوريا، هي الحملات الإعلامية الأمريكية والأوربية المستمرة ضد الإسلام ومحاولات تشويهه والإساءة الى رموزه تحت يافطة حرية الرأي والتعبير، دون الأخذ بنظر الإعتبار جرح مشاعر أكثر من مليار مسلم لا علاقة لهم بقلة من المتطرفين حُسبوا عليهم ظلما وتعسفا. ومع هذا لا تزال إدارة البيت الأبيض والدول الأوربية تنهج ذات النهج المنحرف قدما! مع إنها تعرف تماما بأن ردة الفعل بسبب سياستها المنحرفة هذه، من شأنها أن تفاقم الوضع وتزيده سوءا.
من الصعب فهم الغرض من تعزيز رافد الكراهية والتطرف عند المسلمين بصورة عامة من قبل الولايات المتحدة وأوربا؟ إنهم يدعمون التطرف الإسلامي بسياستهم الهوجاء من جهة، وهم يدعون بمحاربته من جهة أخرى؟ تبدو إزدواجية المعايير سياسة متعمدة الغرض منها خلط الأوراق. فقد صرح مساعد وزير خارجية الأمريكية الأسبق ( ريتشارد شيفر) بقوله” إن الإسلام يمثل تهديداً كبيراً للاستقرار العالمي”. لاحظ الخلط فهو يتحدث عن الدين بصورة عامة وليس عن قلة من المتطرفين الموجودين في جميع الديانات بلا إستثناء. ويضيف الكاتب الأمريكي بيتر رومان” نحن لا نظلم الإسلام عندما نعتبره عدونا الجديد الذي يحل محل الشيوعية” . (مجلة ذي ناشونال ريفيو). وهذا فصل من فصول صناعة العدو لصرف الرأي العام من القضايا الرئيسة إلى قضايا جانبية، وتحفيز مصانع الأسلحة والذخيرة على إستمرارية الإنتاج وتصريفه في السوق العربية والإسلامية ليقتلوا بعضهم البعض. كما ذكر المبشر( المسيحي تاكي) ” لابد من إستخدامنا القرآن كسلاح حاد ضد الإسلام والمسلمين”. هنا القرآن دخل طرفا في الحرب كسلاح! ويضيف” يجب ان نثبت للمسلمين بأن ما صح في القرآن ليس بجديد. وما إستجد فيه ليس صحيا”. ويذكر صموئيل زويمر” توجد ميزتان لحركة التبشير اولهما الهدم أي نزع المسلم عن دينه ورقيعه بالإلحاد. والأخرى البناء أي تنصير المسلم وجذبه للحضارة الغربية وجعله مقاتل ضد قومه”. ويقول ( ك. سميث) ” عبر الأنظمة الدكتاتورية في العالم الإسلامي يمكن عزل المسلين عن دينهم لأن الحرية والديمقراطية تعزز قوتهم”. لذلك هم لا يعترضوا على الطغاة من الزعماء العرب ممن يقفون إلى جانبهم ولا يمثلون تهديدا لمصالحهم العليا.
يذكر جلاستون” لا يمكن لأوربا أن تفرض سلطتا على العالم الإسلامي ولا تؤمن على نفسها منهم في ظل وجود القرآن”، وهذا يفسر الحملات المستمرة في اوربا لحرق نسخ من القرآن الكريم آخرها في مدينة مالمو السوية بحماية الشرطة السويدية لمن حرقها، علما ان المدينة تعج بالعرب والمسلمين، ولذلك تم اختيارها. ويقول (لورنس براون)” فرقة المسلين قوة للعالم المسيحي، ووحدتهم لعنة وخطرا ماحقا تصب على رؤوسنا”. ويذكر برتراند رسل” من حسن حظنا إستغراق المسلمين في نومهم! ومع هذا لا بد ان نحتسب لحساب يقظتهم”. وكذلك المستشرق غولدتسيهر يقول” لا يمك الإستخلاص من القرآن عقيدة موحدة ومتجانسة بدون تناقضات. فهو يضم بين دفتيه آثارا عامة وتعاليم متعارضة مع بعضها البعض” لأنه يجهل الناسخ والمنسوخ في القرآن فبنى نظريته على هذا الجهل والإستحمار. هناك المئات من هذه التصريحات المسيئة للإسلام ورموزه من قبل السياسيين والأساقفة والكتاب. بطبيعة الحال هذه الحملات العدائية للقرآن والإسلام والمسلمين ليست بالأمر الجديد، وإنما هي حملة إمتدت وجرت على قدم وساق منذ الحروب الصليبية ولحد الآن.
وفي تصرف يصعب تفسيره إنهم يشجعون كل من يسيء للإسلام ويعظمونه مثل (سلمان رشدي) الذي قام الرئيس الامريكي كلينتون- بطل فضيحة مونيكا- بإستضافته في البيت الأبيض من منطلق كيدي لاغير! كما منحته الملكة الشمطاء اليزابيث عام 2007 لقب (الفارس) دون أن تقرأ الرواية كيدا للمسلمين لأنه لا يوجد تفسير آخر. وحاول بعض الزعماء المسلمين ثنيها عن قرارها السخيف فلم تستجب- ربما للشيخوخة والزهايمر نصيبه الأكبر من عقلية الملكة- مما حدا بمجلس العلماء في الباكستان على منح لقب (سيف الله) للشيخ أسامة بن لادن، كيدا بالعجوز الخرفة! فالعين بالعين والباديء أظلم! وإستذكروا دائما قول الرئيس بوش كلمة ( crusade ) في حربه على العراق وهي الحرب الصليبية (الحرب المقدسة).
إن جميع هذه الإساءات للقرآن الكريم والنبي محمد (ص) وبقية الرموز الإسلامية تؤجج نار التطرف وبالنتيجة تسقط ثمارها في سلة داعش، وتزيد من جاذبيتها وتغري الشباب والمتدينين بالإنحناء أمامها والتضحية من أجلها بإعتبارها الجهة الوحيدة التي تثأر لهم من المسيئيين الأجانب.
يتساءل الباحث الإسرائيليّ (رؤوفين باز) في دراسته التي نشرها على موقع مركز أبحاث الأمن القوميّ، التابع لجامعة تل أبيب” من غير المعقول فهم سهولة الطريق للمجاهدين من الدول الأوروبيّة بالوصول إلى سوريّة والعراق للجهاد في صفوف تنظيم الدولة الإسلاميّة، إنّه من الصعب تفسير لماذا يقوم الآلاف من الشباب المسلم بالسفر والانضمام إلى تنظيم الدولة الاسلامية في حين أنّهم في البلاد الأوروبيّة التي وصلوا إليها، تمكّنوا من الانخراط في المجتمع وحصلوا على أعمال وامتيازات، الغريب غب الأمر أن عملية تجندهم باتت سريعةً جدًا، لا تستغرق إلّا بضعة أشهر”. تساؤل يستحق التوقف عنده!
الحقيقة إن هذا العجب يزول بمعرفة أسبابه. إنها ردة فعل عن الإساءات المستمرة الى الإسلام، ربما ليس هذا السبب فقط، لكن نجزم بأنهت احد أهم الأسباب.
إنهم يعيبون على الإسلام بأنه يكفر جميع المذاهب والأديان ويحرض على محاربتهم، دون أن يفهموا موضوع النسخ في القرآن الكريم أو الظروف التي نزلت فيها الآيات وإن الآيات تخص الكفار وليس أهل الكتاب. ولكنهم في نفس الوقت يتغاضون عن الكراهية والحقد الواردة في العهدين القديم والجديد! لنرجع إلى التوراة سنجد هذه الوصية لليهود” إن الأرض التي تدخلون لتمتلكونها هي أرض متنجسة بنجاسة شعوب الأراضي برجاساتهم التي ملأوها بها من جهة إلى جهة بنجاستهم”، ويوصي الكتاب” فلا تعطوا بناتكم لبنيهم ولا تأخذوا بناتهم لبنيكم ولا تطلبوا سلامتهم وخيرهم إلى الأبد”. إنهم يتشدوق بأن ديانتهم مبنية على التسامح مع إن تأريخ الولايات المتحدة وأوربا مليء بالدماء، ويروجون قول السيد المسيح” إذا ضربك احد على خدك الأيمن فقد له خدك الأيسر”. في حين يحرض الاسلام على الإنتقام، حسبما ورد في سورة المائدة/45(( وكتبنا عليهم فيها إن النفس بالنفس والعين بالعين)). في حين نقرأ في الكتاب المقدس- سفر الخروج/21-23-25 هذا النص” إن فعلت أذية تعطي نفسا بنفس، وعينا بعين وسنا بسن”. وفي سفر التثنية /19-21 ورد” لا تشفق عينيك، نفس بنفس، وسن بسن، وعين بعين، ويد بيد، ورجل برجل”.
إن الهجمة على العالم الإسلامي تفضح حقيقة نوايا الغرب وأكذوبة ما يسمى بحوار الأديان، لأن الذي يحاور يفترض أن لا يسيء للطرف الآخر! أما الحوارات التي تجري على المستويين الرسمي والشعبي مع العالم الإسلامي فهي ليست سوى ذرً الرماد في العيون. فهي حوارات ولدت ميته نتائجها لا تتجاوز الفرق في المساحة بين فوهة القدح وقعره. فهي ليست حوارات جدية بين أطراف متكافئة مينية على مبدأ المساواة واحترام الآخر. فالولايات المتحدة وأوربا تحاور العالم الإسلامي بعد أن تكمم فمه وتملي عليه أرادتها وشروطها القاسية وفق صيغة دونية ظالمة كالتي تجري بين المنتصر والمهزوم وبين القوي والضعيف وبين المتطور والمتخلف.
أليس من العجب أن تصدر الأمم المتحدة وبرلمانات أوربا قرارا يعتبر عدم الاعتراف بالهولوكوست جريمة كبرى؟ وان اهانة السامية تعتبر جريمة لا تغتفر؟ و لا تعتبر أهانة الرموز الإسلامية جريمة ولو صغرى؟
لماذا لا تتبنى دول أوربا دعوة الأمين العام للأمم المتحدة عام 2004 لمعالجة ظاهرة الإسائة للأديان والحد من انتشارها؟ أليست هذه الإساءات من شأنها تقوية نزعة التطرف عند المتشددين، وإن تفقس ألف داعش وداعش.
الغرب يستنكر أفعال داعش ضد المسيحيين وبقية الأقليات ويفتح ذراعه لإستقبالهم كلاجئين، ولكنه يتجاهل بأنه يقف وراء تنامي ظاهرة الكراهية ضدهم بسبب الإساءات المستمرة للإسلام ورموزه. ولو وضع حدا لهذه الإساءات لكان المسيحيون بمنأى عن هذا العنف الذي طالهم بجريرة مسيحيي الغرب وقساوستهم المتطرفين، والذين لا يعكسون أفكار سماحة بابا الفاتيكان، بل ضدها.
لاشك إن الأنظمة العربية الحاكمة تتحمل وزرا كبيرا من المأساة بسبب سكوتها عن التجاوزات الأمريكية والأوربية للإسلام، وبنفس الوقت تتحمل المرجعيات الدينية الدور الثاني في هذا الأمر، فلم يكن للأزهر الشريف ومرجعيات الشيعة وما يسمى بمنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية وغيرها دورا مهما في صد الهجمة على الإسلام، بل إنهم إتخذوا مواقفا تثير العجب والإستغراب. عندما ظهرت داعش على مسرح الأحداث إنشعلوا جميعا وبلا هوادة بإدانة داعش فقط، تلبية لرغبة الولايات المتحدة ليس إلا! وكل منهم يريد أن يظهر تبعيته المطلقة وولائه التام للرئيس السابق أوباما بلا حياء ولا ضمير. مع ان الميليشيات الشيعية لا تقل إرهابا عن داعش، ولكنهم سكتوا عنهم لأن أوباما وقبله بوش لم يدينوها! بل الأعجب إنهم يشيدون بها! كما جاء على لسان سفيرهم الأهبل في العراق (ستيوارت جونز) بقوله لوكالة أسيوشيتدبريس “الميليشيات الشيعية في العراق، أو قوات الحشد الشعبي، لعبت دورا محوريا في تلك الانتصارات”. ولا نعرف عن إي إنتصارات يتحدث وداعش كانت تتمدد وبقوتها تتشبث!
إن الهجمة على الإسلام لم تقتصر على العالم المسيحي واليهودي والبوذي بل إن الهيئات والمرجعيات الدينية ساهمت في إذكاء التطرف الإسلامي سواء بالتحريض المبطن أو المكشوف، وهذا ما عبر عنه رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني قوله” لقد حذرنا القرآن الكريم ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، لكننا لم نَعِر ذلك أي اهتمام وتمسكنا بالخلافات السنية الشيعية وبشتم الصحابة والاحتفال بيوم مقتل عمر، حتى باتت هذه الأعمال عادية للكثيرين واعتبر البعض أداءها جزءاً من العبادة، نتيجة كل ذلك أنها قادتنا إلى نشوء القاعدة و الدولة الاسلامية وطالبان وأمثالها”. وهذا حال بقية المرجعيات الدينية، مثلا الدكتور رمضان عبد الرازق، عضو المركز الإعلامى بمشيخة الأزهر، يبدو إنه كان نائما مع أهل الكهف طوال فترة الغزو الامريكي للعراق والأعمال الإرهابية التي مارستها إدارة الغزو والميليشيات الشيعية ليستفيق على كابوس داعش بقوله ” إن ظهور ما يسمى بتنظيم داعش وأعمال القتل التي يقومون بها، من علامات الساعة! إن النبي (ص) أخبرنا من خلال حديث شريف، أن انتشار عمليات القتل بين المسلمين كما يفعل تنظيم داعش في العراق وسوريا، إلى جانب قتل المسلم أخيه المسلم، للخلاف حول المسائل المالية أو مسائل أخرى، جميعها من علامات الساعة”! (لقاء في برنامج المسلمون يتساءلون على قناة المحور). لاحظ منذ ألف سنة يتحدثون عن قيام الساعة ولم تقم! صدق من قال” إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”. لو أكرمنا الشيخ بسكوته فقط! ويشاطر الشيخ الغافي أستاذ غافي مثله هو محمد الحلو استاذ الحوزة العلمية في النجف بقوله” ان سقوط مدينة الموصل بيد داعش وحلفائه من علامات ظهور الامام المهدي”. (محاضرة بعنوان المعطيات الانسانية لروايات علامات الظهور). الأمة العربية والإسلامية على حافة الهاوية! فهل الموصل وحدها ستظهره؟ أي تلاعب في عقول البسطاء هذا؟ في المحصلة سقطت الموصل وتشرد ابنائها ودمرت المدينة على بكرة أبيها ولم يخرج مهدي محمد الحلو، فهل كانت علامة الظهور غير واضحة او مشوشة؟
في الختام نقول، طالما إن الولايات المتحدة والغرب متمسكان في حملات الطعن بالإسلام والإساءة إلى رموزه، علاوة على التشجيع المادي والمعنوي على تكثيف هذه الحملات، فهذا يعني إنهما يشجعان على ولادة الحركات الإسلامية المتطرفة، وبالتالي تسقط ذريعتهم بمحاربة الإرهاب، فليس من المنطق محاربة الإرهاب من جهة، وتعزيز روافده من جهة أخرى.
إتركوا الإسلام بسلام ولا تحملوه وزر المتشددين لأن النتيجة ستفاقم الوضع سوءا وسوف تنعكس على الجميع عاجلا أم آجلا. لن تكونوا بمنأى عن الإرهاب لو سكنتم السحاب، طالما تسيئون للمسلمين ورموزهم.
وأعرفوا الحقيقة التي لا يجرأ الحكام العرب على مكاشفتكم بها: إن الإرهاب هو نتيجة الفساد والفقر والجوع والتخلف والجهل والظلم. ولو رجعتم للخلف قليلا وقرأتم تأريخكم القريب وعلاقتكم بالدول العربية والإسلامية ستجدون أنفسكم المتهم الأول، والسبب الرئيس لكل هذا السوس الذي ينخر في بنيانا الإجتماعي والثقافي والسياسي. مع هذا لم يحمل المسلمون المسيحية واليهودية وزر إستعماركم لهم!
طالما لا نحمل المسيحية واليهودية سبب بلائنا، فلا تحملوا الإسلام سبب بلاءكم! علما بأن المسلمين ـ وليس المسيحيون واليهود ـ هم من يدفعوا الثمن الباهض لداعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة.