تصريحات فريدمان السفير الأمريكي لدى اسرائيل، والتي دعا فيه الى استبدال الرّئيس محمود عباس بمحمد دحلان ليست عفويّة، ولا هفوة لسان، وليست رأيا شخصيّا له، تماما مثلما هو اختياره للسّكن في مستوطنة يهوديّة على أراضي الضّفّة الغربيّة،فالرّجل الذي تخطّى الأعراف الدّبلوماسيّة والقانون الدّولي باختياره الإقامة في مستوطنة، ليس لكونه يهوديّا، وإنّما بترتيب وتنسيق مع حكومته التي تعتبر الأراضي العربيّة المحتلة في حرب العام 1967 جزءا من “أرض اسرائيل”، حتّى قبل إعلانها رسميّا عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقبل الإعلان عن السّيادة الإسرائيليّة على مرتفعات الجولان السّوريّة المحتلّة، وقبل الإعلان عمّا يسمّى صفقة القرن، وما سكنه في مستوطنة سوى رسائل سياسيّة للسّلطة الفلسطينيّة وللدّول التي يتكلّم حكامها اللغة العربيّة، فالرّجل مجرّد ساعي بريد بين نتنياهو وترامب، وهو من حمل خطّة نتنياهو التي تبنّتها إدارة ترامب وسمّتها صفقة القرن.
وأمريكا التي تسيطر على المنطقة من خلال كنوزها الإستراتيجيّة الحاكمة في الوطن العربيّ، تتصرّف بمنطق الإمبراطوريّات التي تحافظ على مصالحها بالقوّة، ومن خلال وكلائها في المنطقة. لا تتورّع بالتّدخل مخابراتيّا ومن خلال وكلائها لتغيير أيّ نظام يخالفها الرّأي، أو لا يخضع لسياساتها، ومن لا تستطيع السّيطرة عليه فإنّها تفرض على بلاده عقوبات وكأنّها شرطيّ العالم. من هنا فإنّها فرضت عقوبات سياسيّة واقتصاديّة على السّلطة الفلسطينية، وشاركتها أنظمة عربيّة في ذلك حتى قبل الإعلان عن “فصعة القرن” لتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسعيّ، ولبسط الهيمنة الإسرائيليّة على المنطقة برمّتها، كون اسرائيل ذراع أمريكا العسكري المتقدّم في المنطقة.
وأمريكا التي تعرف خبايا أنظمة عربيّة أكثر من وزراء في حكومات تلك الأنظمة، والتي ضمنت عن معرفة ودراية تامّة أنّ هذه الأنظمة لا تملك سوى الموافقة على السّياسات الأمريكيّة، لن توافق على استمرار رفض قيادة منظّمة التّحرير والسّلطة الفلسطينيّة “لفصعة القرن”، فإنّها ستبحث عن بديل لهذه القيادات، وهذا ليس أمرا جديدا على أمريكا، فهي أعدّت وتعدّ البدائل منذ سنوات بعيدة، وتمّ رفد هذه البدائل بمليارات الدّولارات من أموال النّفط العربيّ، كما تمّ شراء ذمم كثيرة في الأراضي الفلسطينيّة، ولا أعتقد أنّ قيادة منظّمة التّحرير والسّلطة بغافلة عن ذلك أو تجهله. من هنا تأتي أهمّية الوحدة الوطنيّة واللحمة الدّاخليّة، وضرورة تلمّس هموم الشّعب وقضاياه كي يلتفّ حول قيادته، وأوّل هذه الإهتمامات هي إنهاء الإنقسام البغيض الذي لا يستفيد منه سوى الاحتلال، وأوّل ضحاياه هو الوطن والشّعب.