تطالع بعينيها الوجوه ,اغلبها باسم سعيد ,تمتد في مجال رؤيتها البصرية آفاق لذوائب الاشجار او السقوف او زوايا الجدران والابواب الحديدية .
زمور السيارة يملأ مسمعها ويتخلل الصوت عبارات متفرقة من افواه المجتمعين (هذه هي العروس ها قد وصلت)
ينبغي عليها ان تفرح فهي ليست غريبة عن هذا الذي جاؤوا له بعروسه اليوم انه اخوها الذي رضع اللبن الذي رضعته وترعرع في ذات البيت الذي ترعرت به فما بالها تمتد لها يد في كل لحظة لتمسح دمعة سكبت على غير ارادة منها من بين جفنين قريحين. اخرجها مما هي فيه صوت يعنيها(هللي يا اخت العريس)
زغردت رغما عنها ففي فؤادها المكلوم جرح سوف لا تبرءه الايام ونار مشبوبة اكلت نصف قلبها وبقي النصف الآخر خاويا حزينا مهزوما واقل حياة من حياة العجائز …آه كم تغبط العجائز وتتمنى ان تكون واحدة منهن ولكن ما تفعل في سنها الغض وشبابها النظر وعيون احبتها وبادلنها الحب بمليء جوانحها. واعادوا عليها النداء زغردي يا اخت العريس.
زغردت ثانية …نظرت الى عروس اخيها …بديلتها التي سلبتها حبها ببيعة بخسة وتمتمت مع نفسها (هذه الانثى ربما لم يضع منها حبيبا )لكنها هي التي داسوا حبها المقدس باعوا حبيبها الذي رفض ان يخون حبها وصبر سبع سنوات عجاف …يا للسماء كيف سترضين بهذا.
(علي)حبها الاول الذي ارادت ان يكون حبها الاول والاخير حتى لو مضى العمر ,حتى لو بلغت من العمر ما بلغت وعلا رأسها المشيب او يطرق ابوابها الموت وهي حرة ليس لها في الدنيا غير حبها الاول (علي) ولن يكون سواه شريكا لحياتها فهو من اخلص لها الوداد طوال سبع سنوات تقدم لطلب يدها لمرات عديدة وجاء بالكثير من الوجوه والجاهات لكن كلمة الاخ كانت الممانعة والرفض القاطع (علي )الذي خطب له اهله غيرها لكنه رفض الخطبة مما اضطرهم لتزويج اخيه الاخر بها تلافيا للحرج والاحراج .
لقد قال لها بانه سيكون لها وتكون له او يكون الموت وقالت له بانها ستكون له ويكون لها او يكون الموت واقسموا على ذلك .
ها هم قد قطعوا حبل حبهما ,قد اطبقوا بأصابعهم حول عنقها وضيقوا عليها الخناق فقد بيعت بصفقة اشبه ما تكون ببيع النعاج فقد اخذوا امرأة لأخيها وستكون هي الثمن بما يسمى زواج مقابل زواج .
فكرت ستفر الى (علي) وسيذهبان معا لعقد قرانهما وسيشهدان الله ورسوله على زواجهما .
ما بال هذه الدموع تسفح كميزاب في يوم مطر غزير…؟أين هو علي انه اسير فراشه اذ اصابته رصاصة وهو يؤدي واجبه في الدفاع عن الوطن آه لابد له يوما سينهض …لابد سيسألها ذات يوم …أين العهد…؟
ترى ماذا ستقول له …أية كلمة سترد عليه …ولو فرت اليه ماذا ستقول هذه الالسن التي حولها …لا…لا تستطيع ان تضيع شرف العائلة رغم انهم باعوها بيع النعاج …انها اكرم منهم رغم قسوتهم عليها.
ها هي العروس تهبط من السيارة وتدخل غرفة الزفاف وهؤلاء النسوة يحففن بها ,الوجوه الطافحة بالبشر والاخرى المتلونة ,الضحكات, والنيران المشبوبة في اعماق القلب وحولها على الارض.
نظرت الى السنة النيران التي تحيط بأحد القدور النحاسية ,ارتسم لها وجه علي ويده الجريحة بفعل الرصاص وقدمه التي لم يستطع بعد ان يسير عليها فهتفت في اعماقها (لن اضيع العهد …سترى)اجل لا يمكن ان اضيع عهد من اخلص لي .
امتدت يدها الى صفيحة وضعوا فيها كمية من البترول الابيض واستدارت متوارية في احد الاركان البعيدة عن الانظار وصبت ذلك السائل عليها فشعرت بأن نار فؤادها بدأت تهدأ قليلا قليلا وراحت تزحف قرب ذلك اللهب المشبوب حول ذلك القدر النحاسي وسرعان ما شعرت بنار تدفئها ثم يزداد لهبها شيئا فشيئا وهي مستسلمة للنيران كمن ينتظر البشارة او سنة من النوم تطبق اجفانه بعد ارق والم طويلين او يقظة من حلم مزعج رهيب بينما كانت الكلمات تتناهى الى سمعها وصرخات من مجموعة من الاصوات المختلطة والمختلفة …حريق …لقد احرقت الفتاة…هلموا لمساعدتها
ارتجفت …فهي لا تريد مساعدة لإعادتها للحياة …هي تريد الموت ,أجل الموت الذي يجعلها طاهرة نقية صادقة ابدا والا فحياة خائبة خاسرة ثم سرعان ما اغمضت عينيها واختلطت زفرات حزنها بزفرات المها ولم تستطع تلك الايدي ان توقف ذلك اللهب الذي في جسدها لانهم قبل ذلك لم يستطيعوا ان يطفئوا لهيب قلبها .
ها قد انتهى كل شيء وتحول العرس الذي ارادوه الى مأتم حزين كانت فيه روحها تعيش في افكار كل من عاش معها.