الإعتقادية تؤهل المعتقِد للعدوانية , فلكي تكون عدوانيا تحتاج للإعتقاد لأنه يفوض لك أمر العدوان , ويحررك من المسؤولية , إذ تتحول إلى جندي مطيع ومنفذ أمين لأوامر المعتَقد ومقتضياته , خصوصا عندما يحسب صاحبه بأنه قد إمتلك الحقيقة المطلقة , وهو على صواب وغيره على خطأ ومعادي لمعتقده , مما يستوجب العدوان عليه ومحقه.
وهذا ينطبق على كافة الكينونات الإعتقادية , دينية , مذهبية , طائفية , عنصرية , تحزبية , فئوية وغيرها العديد من التفاعلات السلبية القائمة بين البشر.
فلا جديد في الأمر , سوى أن أدوات التعبير ووسائل التواصل قد تسارعت وتعددت وأصبحت تأثيراتها جسيمة وفتاكة , ففي الماضي ما كانت تمتلك ما بحوزتها اليوم , من منتجات التدمير والخراب وسفك الدماء.
ولو تأملنا أية حكومة عقائدية معاصرة , سنجدها ذات عدوانية سافرة ونهج توسعي مقيت , فهي تريد أن تنشر عقيدتها وتجبر الناس على إعتناقها , ولا يعنيها سفك دمائهم وتخريب ديارهم , المهم أنهم قد أرغموا على التفاعل مع معتقدها الذي تريده أن ينتشر.
فالأحزاب العقائدية بأنواعها قد سلكت ذات السلوك في مجتمعات الدنيا المختلفة , وهذا ينطبق أيضا على المذاهب والجماعات بمسمياتها المتوالدة , فلا يمكن تبرئة أي حركة ذات عقيدة من العدوان على غيرها , لأن منهجها , طريقي أو لا طريق , أنت معي أو أنت عدوي.
وتزداد خطورتها عندما تتمكن من السلطة والحكم في أي مجتمع , فحينها تنطلق نوازعها الدفينة وتتأسد وتتأكد في الواقع الذي تتمكن فيه , وتمضي في توسعها وعدوانها على الآخرين من حولها.
وهذا واضح في الحكومات العقائدية القائمة من حولنا , والتي تنازع للتواصل في الحكم رغم أنها تتقاطع وإرادة القرن الحادي والعشرين الذي يأبى الرضوخ لأية عقيدة , ويحسب كل عقيدة وشأنها , ويتمسك بعقيدة الحياة والإنطلاق الإبداعي المديد.
ويبدو أن العقائديات في طريقها إلى الإنهيار والزوال , وقد بدأت مسيرة إنحدارها منذ بدايات العقد الأخير من القرن العشرين , بزوال الإتحاد السوفياتي وما تبعه من تداعيات.
ولن تتخطى معظم الأنظمة العقائدية النصف الأول من القرن الحادي والعشرين , لأن إرادة الحياة تفرض نفسها وتؤثر في تغيير المسارات وتعبيد طرقات جديدة للأجيال.
فهل ستستوعب هذه الأنظمة زمانها كما فعلت الصين , أم أنها إلى مصيرها الإندثاري المحتوم؟!!