18 ديسمبر، 2024 10:50 م

حُب مخيّر في مجتمع مسيّر في المانيا شاب عراقي يكتُب رواية ويلعب دور البطولة

حُب مخيّر في مجتمع مسيّر في المانيا شاب عراقي يكتُب رواية ويلعب دور البطولة

في شباط من هذا العام وبدعوة من رئيس منتدى بغداد للثقافة والفنون في برلين، قدم الشاب العراقي غيث عدنان روايته الموسومة “حُب مخيّر في مجتمع مسيّر” أمام نخبة من المثقفين العرب الذين آثار عنوان الرواية اهتمامهم، وهي كما يبدو في إطارها العام من ناحية المضمون والأسلوب، وأيضا طريقة السرد الروائي، مؤلفه التجريبي الأول أن صح التعبير. ولا أريد في هذا السياق أن استعرض الرواية من ناحية “النص الأدبي” وضوابط الإيقاع الروائي، بقدر تناول حصيلة هذا لإنجاز المتواضع، الذي يشكل في رأيي، معالجة اجتماعية جديرة بالاهتمام واستخلاص النتائج، لشاب عراقي طموح وثبور، يعمل ويدرس دون كلل ليرفع من شان وطنه، تاريخه، ثقافاته وحضاراته بين الأمم.

الرواية صادرة عن دار ومكتبة أولد بوك Old Book في بغداد نهاية عام 2018، وبالحجم الأكثر شيوعاً وعدد صفحات دون الغلاف والتعريف والمقدمة والفهرس 89 صفحة بحروف من حجم متوسط مريح للقراءة، تحتوي على سبعة عشر جزءاً “قصة”، اختار لها المؤلف عناوين تشير إلى أحداث وأزمان مختلفة، بطريقة تدوينية كالمذكرات اليومية. الجزء الأول يحمل عنوان “تعرف ريان على ساندرا” صفحتين. والجزء الثاني “تعلق ريان وساندرا ببعضهما” صفحة ونصف . ثم يليه “الحب العظيم بين ساندرا وريان” وصولاً للجزء الثاني عشر بعنوان “الاتفاق الجديد بين ساندرا وأبيها” ومن ثم “نار العشق ولهيب الشوق” خمس صفحات. انتهاءً بـ الجزء الأخير بعنوان “حياة ريان بفراق ساندرا” من سبع صفحات، لم يعطيه الكاتب رقماً كباقي الأجزاء. ولا أعرف إن كان متعمدا لهذا التمييز، أم متمرداً، لا يريد لروايته خاتمة دراماتيكية، دون نهاية أسطورية سعيدة، كما هو سائد في الأفلام الرومانسية.

ولكن بصرف النظر عن القيمة الترفيه واستهداف القضايا الأخلاقية من الناحية الفلسفية، فالرواية وما تحتويه من نماذج قصصية قصيرة، هي ليست أحداثاً كبيرة، انما سرد دون مقدمات، ولكن الدخول المباشر. بحيث يتمكن القارئ من التعرف على القصة تلو الاخرى بسهولة قبل التعرف على الأبطال دون تفاصيل. أحداث وصراع ومواضيع تغطي فترات زمنية قصيرة فقط. تحتوي على مونولوج داخلي دقيق وحاد غير مرئي يكشف عن أفكار وأحاسيس شخصياتها الرئيسية.. الخاتمة، وهذا ليس من باب التحليل كما يشاء أن يكون التفسير باليونانية، يتعلق بإجراء تحقيق دقيق يتم فيه تقسيم شيء ما إلى مكوناته وفحصه وتقييمه: تتمتع الرواية بنهاية مفتوحة للحفاظ على دلالاتها الاجتماعية ودفع القارئ للتفكير. لكن ما احتواه منجز الكاتب غيث عدنان من قصص، يبدو لي ليس بمحض إرادته، إنما في ظل ظروف، تم العثور عليها وتقديمها وتداولها، لنسج قصص مُؤَلَّفه نظرا لتمييز النصوص وما تتضمنه من أنماط وهياكل سردية تم دمجها عند الكتابة.

وللحديث بإسهاب عن مفاصل الرواية القصصية، أود الاستعاضة بما عرج إليه الصديق الكاتب السوداني حامد فضل الله في مداخلته بعنوان “عتبات النص في رواية الكاتب غيث عدنان” بالقول: عنوان الرواية حب مخير في مجتمع مسير . عنوان واضح لا لبس فيه، على عكس، ما تحتفي به أحيانا عناوين بعض الكتب، بتعابير أو بصور مجازية.. نشاهد في أسفل الغلاف صورة مظللة لشاب وشابة، وفي أعلى الغلاف، نور ساطع وثلاثة عيون أو أعين مفتوحة. الصورة المظللة إشارة إلى أن هناك ما يدور في الخفاء . يريد الكاتب أن يعبر عن التنازع بين الفرد والمجتمع في المجتمعات العربية المحافظة. فالفرد هنا يسيره المجتمع وكل أفراد المجتمع تسيرهم الأعراف المجتمعية والدينية والعشائرية والقبلية. الفرد يريد أن يختار ويحقق حريته ورغباته الفردية ويمارس حريته مع من يختاره حبيبا، لكن عيون المجتمع له بالمرصاد. إن عادات وتقاليد المجتمع (مجتمع مسير) هي التي تسير العاشقين، أي أن كل المجتمع تسيره العادات والتقاليد. أريد أن أُشير هنا أيضاً، كون رواية الشاب غيث، هي الوليد الأول له، إلى ما هو بديهي، أي إمكانية الاختلاف المطلق في قراءة النص باختلاف القارئ نفسه.

بعد دعوته من بعض الجمعيات الثقافية في ألمانيا للحديث حول روايته القصصية “حُب مخيّر في مجتمع مسيّر” وانتشارها بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وجهت إحدى مؤسسات الإنتاج السينمائي في ألمانيا، دعوة للكاتب غيث عدنان للتشاور معه حول فكرة تحويل روايته إلى مسلسل تلفزيوني. وبعد لقاءات تشاورية، تمخضت عن نتائج إيجابية أدت إلى إجراء اختبارات تصويرية أولية لاختيار الممثلين من بين عشرات المدعوين، عراقيين وعرب مقيمون في ألمانيا، رشح مبدئياً لدور البطولة وفقاً للمواصفات المطلوبة، فتاة عراقية ومؤلف الرواية. وسيبدأ التصوير في العام القادم لحساب إحدى القنوات التلفزيونية الألمانية، حيث سيتم تأهيل النصوص للألمانية وتحويلها إلى سيناريو لإنتاج مسلسل من 45 حلقة. والجدير بالذكر: أن الشاب العراقي غيث عدنان من عائلة بغدادية تسكن محافظة كركوك، ترعرع وشب في مدينة التآخي في شمال العراق، وأنه يعشق الفن والحضارة والتراث الخاص ببلده العراق كثيرا. مجسدا ذلك بأسلوبه وأخلاقه والفن الذي يقدمه سواء كان غناء، شعرا أو عمل أدبي، دائما ما كان ينظر، كما يقول، نظرة الهائم المعجب بتفاصيل وطنه المخطوطة بدماء أجداده العراقيين الذين سبقوا زمانه، كما ويسعى دائما لتقديم وطنه بشكل حضاري وثقافي هادف. وليس هذا فقط بل كما ويحاول معالجة مايراه سلبا في بلده. فليس غريبا أن يرتق إلى هذا المستوى من الإبداع الذي يشكل بالنهاية، محط إعتزاز العراقيين به والاحتفاء بمنجزه.