18 ديسمبر، 2024 11:38 م

قرن كامل بين المس بيل والرئيس ماكرون حول الشيعة

قرن كامل بين المس بيل والرئيس ماكرون حول الشيعة

المجاملة عُرْفٌ دبلوماسي وتقليد إجتماعي مطلوب، أما التملق والمراءة والخداع فهي أمور قبيحة ومستهجنة في كل المجتمعات. وقد إبتلت المجتمعات العربية والإسلامية بهذه الأمراض الإجتماعية، فغدت الأغلبية تمارسها هذا النفاق الاجتماعي، إما خوفاً أو مراعاة لمصالحها. وهذا لا يعني عن الغرب لا يمارسها، بل إنه يمارسها فقط عندما تقتضي مصلحته سواء العامة أو الخاصة منها. فالرئيس الأميركي أوباما إستقبل نوري المالكي عندما كان رئيساً لوزراء العراق، وهو في الحقيقة لا يطيقه، ولا يعتبره شخصاً محترماً، ولكن مصلحة أمريكا وأوباما إقتضت ذلك، بينما رفض الرئيس ترامب إستقبال عادل عبد المهدي لأكثر من سنة حتى تاريخ إستقالة عبد المهدي. وهذا يدل على إن الغرب وفي مقدمته أمريكا وبريطانيا تعمدوا تسليم السلطة للأحزاب والجماعات الدينية الإسلامي بشقيها (السُنية والشيعية) والتغاضي عن تغلغلها في مؤسسة الدولة، لعلمهم يقيناً إن هذه الجماعات هي أفضل من يخرب الدول بعد أن يهدم حدودها ويضيع سيادتها.
ومنذ أكثر من 17 عاماً والعراق يشهد تدهوراً في كل مجالات الحياة، ومع ذلك، فالقلة القليلة من سياسيي الغرب من أبدى قول صدقٍ بصدد ذلك. ولم يكن أحد منهم يرغب أن يشخِّص المرض أولاً، ويصف الدواء تالياً. وإستمر هذا الوضع الشاذ حتى مجيء الرئيس الأمريكي ترامب الذي يمتاز بصراحته المتناهية فكشف العديد من هذه العورات بكل وضوح، في الوقت الذي كان فيه الجميع كان يعرف إن الداء الذي أبتليت به دول عربية عديدة كالعراق وسوريا ولبنان واليمن، وبدت أعراضه على دولٍ أخرى البحرين والكويت وغيرها، إنما يكمن في الولاء الأجنبي لدولة أخرى، وهو في السابق كان يُعَد جريمة كبرى تمس أمن الدولة في قوانين عقوبات هذه الدول تحت مسمّى (جريمة الخيانة والتعامل مع دولة أجنبية)، ولكن بعد عام 2003، أصبحت هذه الجريمة مصدر فخر ومباهاة للكثيرين فيها، فإختل التوازن في ميزان الحياة، وفقد النظام فيها، وضاع الصراط المستقيم. وكانت إيران في مقدمة الدول التي يقدم لها هذا الولاء، حتى جاء إنفجار مرفأ بيروت الرهيب في الرابع من آب 2020، لينتبه العالم وفي مقدمته فرنسا إلى حقيقة خطورة السكوت على الخطأ، والمجاملة على حساب الحق، ومداهنة الباطل، والقبول بالفساد ونتائجه الخطيرة.
وهكذا، ففي زيارته بتاريخ 6 آب المنصرم، قال الرئيس الفرنسي ماكرون لممثل حزب الله محمد عيد: أريد العمل معكم لتغيير لبنان، لكن أثبتوا أنكم لبنانيون، فكلنا يعلم إن لكم أجندة إيرانية. نعرف تاريخكم جيداً، ونعرف هويتكم الخاصة، ولكن هل أنتم لبنانيون، نعم أم لا؟ هل أنت لبناني أم إيراني؟ أجبني بنعم أو لا؟ أنا اعرف تاريخك المهني وسيرتك الذاتية كاملة، فارجعوا من سوريا واليمن، ولتكن مهمتكم هنا لبناء الدولة، لأن الدولة الجديدة ستكون لصالح أبنائكم، فاعملوا لمستقبل أطفالكم.
نفس هذا القول وبمعاناة أكبر قالته المس بيل السكرتيرة الشرقية للمندوب السامي البريطاني في العراق لعدد من الشيعة عام ١٩٢٠، أي قبل قرن كامل بالضبط، عندما أرادوا مناصب في الدولة العراقية، فقالت: هل أنتم عراقيين أم إيرانيين؟ فأجابوها: نحن من رعايا إيران. وفي رسالتها بتاريخ 2 تشرين الثاني 1920 تقول بيل “فالشيعة يشكون من إنهم غير ممثلين تمثيلاً كافياً في المجلس (التأسيسي) وهم بهذا يتغاضون بالكليّة عن إن قادتهم كلهم تقريباً رعايا إيرانيون، وعليهم أن يغيروا جنسيتهم قبل أن يتبوءوا المناصب في الدولة العراقية. إنهم أصعب العناصر إنقياداً في البلاد، وهم كلهم متذمرون مستاؤون تقريباً، ولا يبالون بالمصلحة العامة بالمرة.”
وفي رسالة ثالثة بتاريخ 7 تشرين الثاني 1920، كتبت تقول: “والشيعة، كما بيّنت في مناسبات عديدة من قبل، يكوّنون مشكلة من أعظم المشاكل … إن رجالهم المتقدمين في المجتمع من العلماء وأسرهم كلهم من رعايا إيران. وقد وجدت إن أحسن حجّة أتذرع بها، عندما يأتي إليّ بعض الناس شاكين من إن فلاناً أو فلاناً لم يدخل أسمه في قائمة الوزراء، هي أن أسألهم قائلة “أفندم. هل يمكنني أن أسأل عما إذا كان المؤما إليه من رعايا الدولة العراقية أم لا”، فيكون الجواب “أفندم، كلا إنه من رعايا إيران” وعند ذاك أذكر لهم إنه في هذه الحالة لا يمكنه أن يشغل منصباً في الحكومة العراقية”.
وقد إختصرت المس بيل رأيها في فيهم قائلة: “ويجب أن أعتبر سيطرة الشيعة كارثة لا يمكن تصورها”. فهل صدقت نبوءتها بعد أكثر من 80 عاماً؟ إن نظرة واحدة إلى عراق اليوم تبين ذلك بجلاء.