مرض خطير مزمن متوطن في مجتمعاتنا يتفوق على أي داء , ويفعل بواقعنا ويمعن في صناعة المآسي والويلات , ولا نمتلك دواءً له ولا لقاحا ضده , إنه سرطان وجودنا الذي يتآكل ويخيب.
فهل وجدتم مَن غادر الكرسي بعزة وكرامة ووطنية ومشاعر إنسانية نبيلة , ذات قيمة تربوية وسلوكية تنفع الأجيال؟
الرئيس الوحيد في تأريخنا المعاصر الذي إحتقر الكرسي وتمسكَ بعهده هو رئيس السودان أبو سوار الذهب , لكن هذا المَثل لم يُحتذَ , ولم تُسلط عليه الأضواء كما يجب , لأنه لا يتوافق وسيكولوجية التفاعل مع الكرسي عندنا.
أتحدث عن هذا المرض الفاجع الفاعل فينا , وأنا أقرأ خبر إستقالة رئيس وزراء اليابان لأسباب صحية تتصل بإصابته بإضطرابات القولون أو غيرها من أمراض القولون , ولو قرأتم عن أمراض الجالسين على كراسي التسلط على مصائر شعوبنا , لهالتكم أمراضهم النفسية والعقلية والبدنية , لكنهم ما أن يضعوا مؤخرتهم على الكرسي حتى يتمسكون به للنهاية , فيتحول إلى تابوت لهم.
رئيس مصاب بأمراض خطيرة وما حدّث نفسه بالتنحي عن منصبه , حتى يموت فجأة , وآخر يبلغ من العمر عتيا وما فكر بالإستقالة والإقرار بأنه لا يمتلك القدرة على الحكم , والأمثلة كثيرة وقائمتها طويلة , وعندما نوغل بالتأريخ يتبين لنا أن العشرات من أصحاب الكراسي كانوا من المرضى المعللوين , وبسبب عللهم الشديدة كانوا ينتقمون من البشر!!
لماذا إستقال رئيس وزراء اليابان؟
والجواب , لأن الوطن والشعب أولا , والمنصب وظيفة , ويؤمن بأن هناك العشرات من أبناء وطنه مَن لديهم الكفاءة والقدرة على إدارة البلاد أفضل منه , فما تصور بأنه الأفضل والأوحد والأعلم والأقدر.
فالمنصب عندهم وظيفة لا غير , وعندنا غاية تبرر ألف وسيلة ووسيلة , وما أن تكون فيه تصاب بإضطرابات الزور (الشكوك) , وتتأسد وتستبد , وتسعى لتكون الأوحد , فتقتل مَن تشك بهم , وتدوس القانون والدستور , وتتبختر على أنّك فوق العباد , وغنيمتك البلاد وما فيها وعليها.
فالفرق سلوكي أخلاقي قيمي , فواقعنا يشير إلى إصابتنا بأمراض مزمنة تتصل بالكرسي , تنسف القيم والمعايير والأخلاق والمعتقدات , وتحولنا إلى مخلوقات غابية , تتعبّد في محاريب النفوس الدونية الأمّارة بأسوء من السوء.
وما وجدنا رئيس قومٍ خادمهم , وتلك علتنا التي هي أمُّ العلل ومنبعها المتدفق بالويلات!!
فهل من وطن فوق الكرسي؟!!