وبخصوص وجود علاقة بين الحركة الكردية بقيادة ملا مصطفى البارزاني واسرائيل، يذكر السيد عزيز شريف في مذكراته، ما نصه:” لست بصدد نفي قيام علائق بين القيادة الكردية وإسرائيل. فقد كنت أُلاحظ الادلة على هذه العلائق منذ الستينات. فبإتصالي الطويل بالحركة القومية الكردية بقيادة البارزاني كنت أُلاحظ بما تيسر الرؤية لي إلى الحقائق من محاولة الإسهام في التصحيح ولم يكن يخفى علي أن السبب الاساسي لهذا الخطأ إنما كان موقف الحكومات العراقية التي تلجئ الجانب الكردي إلى مخرج من الحصار. وفي الوقت ذاته لم أكن ارتضي للحركة الكردية وقائدها البارزاني ذي التأريخ الطويل في النضال أن يلجأ إلى ما لجأ إليه وبالدرجة التي بلغتها، وقد سبقت لي خلافات مع البارزاني في موضوع صلات قيادته بالقوى الخارجية. ينظر: عزيز شريف، مذكرات عزيز شريف، 2010، ص429.
وبشأن محاولة عزيز شريف دحض تصريح مناحيم بيغن(=1913-1992م) رئيس الحكومة الاسرائيلية الاسبق، يقول بالنص:” كانت إفتراءات بيغن بخصوص دعم إسرائيل للثورة الكردية على درجة كبيرة من الخطورة. ففي 29/9/1980م نشرت نيويورك تايمس تصريح لبيغن بأن إسرائيل زودت البارزاني بالاسلحة والمعدات والمدربين وقامت بتدريب قواته من سنة 1965 حتى سنة 1970، وأن تلك المساعدات بدأت في عهد ليفي أشكول ثم في عهد غولدا مائير وإستمرت في عهده. وذكرت صحيفة يديعوت احرونوت الصادرة في إسرائيل في 30/9/1980م ما يلي:” كشف رئيس الحكومة مناحيم بيغن في لقاء مع هيئة التدريس في مدرسة الجنود في جفعات اولغا في 19/9/1980م أن المعونة المكثفة التي قدمتها إسرائيل للأكراد في العراق قد إستمرت عشرة سنوات بين 1965 إلى 1975 وتضمنت المال والسلاح والتدريب. وفي أثناء حرب الايام الستة في سنة 1967(= حرب حزيران) لم يخيب الاكراد الامل الذي قاموا به ضد الجيش العراقي لإشغال قوات عسكرية في منطقة كردستان، وكان من شأنها أن تتحرك عن طريق الاردن للإنضمام آنذاك للحرب ضد إسرائيل .” ينظر: عزيز شريف، مذكرات عزيز شريف، المرجع السابق، ص430.
والصحيح أن قيادة الحركة الكردية لم تهاجم مواقع الجيش خلال حرب اكتوبر/ تشرين الاول عام1973 بناءً على ما ذكره ( مناحيم بيغن) رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق، رغم أن السيد عزيز شريف لم ينفها مباشرةً، وإنما أشار إليها في موضع آخر من مذكراته بخصوص الصراع الذي جرى بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني والحزب الشيوعي العراقي، إثر دخول الاخير الجبهة الوطنية مع حزب البعث العربي الاشتراكي، وتزويد الحكومة العراقية الشيوعيين العراقيين ببعض الاسلحة بحجة الدفاع عن أنفسهم، وهو ما أعتبرته الحركة الكردية بمثابة طعنة في الظهر، للك بدأت منظمات البارتي بمحاربة التنظيمات الشيوعية في كردستان، وهو ما أفضى الى حدوث اشتباكات في العديد من المناطق لاشك أن جبل القوش جنوب مدينة كان من أكثرها وقعاً وتأثيراً في العلاقة بين الجانبين. ينظر: مذكرات عزيز شريف، المرجع السابق، ص415.
يقول السيد عزيز شريف حول مجريات ما حدث بالقول:” بعد قيام الجبهة تم تسليم بعض القوات الشيوعية في كردستان أسلحة من سلطة البعث. وبعد تسلم هذه الاسلحة أنذر البارزاني ممثلي الحزب الشيوعي بنزع اسلحتهم . فوافقوا حيث يكون الدفاع عن مراكزهم متعذرًا مثل برسيرني وسرجاوه. ورفضوا في مناطق أُخرى مثال القوش ودربنديخان. وهنا إنسحب الشيوعيون بأسلحتهم إلى قرب رانية. بناء على طلبي تم لي لقاء في مقر الحزب الشيوعي في بغداد حضره بعض اعضاء المكتب السياسي وعدد من اعضاء اللجنة المركزية وكانت خلاصة رأيي: هو ان كلا من الحكومة والقيادة الكردية يتهيأ للمجابهة العسكرية. وكان واضحًا ان هذه الحرب إن وقعت ستكون اقسى من جميع سابقاتها. فإذا ما تسلح الحزب الشيوعي من أي من الجانبين فسيتحتم عليه أراد ام لم يرد أن يقف في الحرب إلى الجانب الذي قدم له السلاح . فليس في صالح الحزب الشيوعي وليس من مبادئه ان يكون طرفًا فيها. بل ليس من صالح العراق والحكومة العراقية ذاتها وضع أي خطوة على الطريق إلى هذه الحرب. فكان جواب القادة الشيوعيين هو: إن البعثيين مسلحون والقيادة الكردية مسلحة ونحن الحزب الوحيد بدون سلاح. وإننا نحتاج إلى السلاح للدفاع عن الذات. وقد إنفض الإجتماع عن غير قناعة مني، لأن الدفاع عن الذات بالنسبة إلى الشيوعيين في نظري، إنما يكون في موقف مستقل وبمستوى ما دون الحرب بين جيشي الجانبين، وفي حدود الدفاع عن الذات، على ان لا يكون التسلح من مصادر يفيدها الإشتباك في حرب كالحرب المتوقع. ولم يكن من ريب ان السلطة لا تسلح الشيوعيين إلا بهدف زجهم في الحرب إلى جانبها. ثم طوق البيشمركه قوة الحزب الشيوعي على مشارف القوش. وبينما كان الصدام العسكري جاريًا جرى بتوسطي لقاء بين ممثلي الحزب الشيوعي والبارزاني في مقره. وقد مثل الحزب الشيوعي حنا شير (ابو حكمت)، وأحمد الجبوري وكانت خلاصة الحوار كما يلي: أكد البارزاني: “إننا لا نتحمل وجود قوة مسلحة في منطقة الثورة”، وأكد ممثلوا الحزب الشيوعي “إننا لا نبغي سوى الدفاع عن انفسنا”. وبينت أن هناك واقع التوجه نحو حوادث مأساوية نحو الحرب لاتخدم غيرأعداء العراق والحزب الشيوعي والقومية الكردية، ولا تستثنى الحكومة العراقية، فليس في صالح احد ان يجري خلاف حتى المجابهة بين أي من الطرفين. ينظر: عزيز شريف، المرجع السابق، ص416.
ولكن هذه النقاشات والاجتماعات التي جرت بين البارتي والشيوعي بوساطة السيد عزيز شريف صديق الجانبين لم تؤتي أُكُلَها:” وبعد نقاش طويل إتفق الجانبان على الحيلولة دون الصدامات المسلحة، وأبرق المكتب السياسي للحزب الديموقراطي الكردستاني إلى منطقة القوش للكف عن الضغط على الانصار الشيوعيين، غير ان المعركة إستمرت وتم التضييق على الفصيل الشيوعي فإستنجد بالقوات الحكومية، فقصفت هذه مواقع القوات القومية الكردية. وفي الصباح الباكر باغت الفصيل الشيوعي القوات الكردية وهزمها بعد أن تكبدت عددا من القتلى والجرحى، ويعزى إلى حسو مير خان (= آمر هيز الشيخان) القول: ” لقد خسرنا الثورة على يد قوات توما توماس قائد القوة الشيوعية.” المرجع نفسه، ص416.
وتوما توماس[ ولد في بلدة ألقوش شمال محافظة نينوى في سنة 1924م وهو مسيحي كلداني(= كاثوليكي)، بعد إكماله الدراسة الابتدائية ذهب إلى الموصل وأكمل دراسته الثانوية ثم ذهب إلى كركوك وعمل في شركة نفط، وهناك انضم الى الحزب الشيوعي العراقي سنة 1950م، قاد فصائل الانصار الشيوعية ضد السلطات العراقية في سنوات الستينيات، وأصبح عضواً في اللجنة المركزية بعد المؤتمر الثالث للحزب عام1976م، وهرب الى سوريا عام1980م، وتوفي في دمشق عام1996م] .
وتجدر الاشارة إليه أنه صدر في أربيل في عام2017م عن موقع الناس الالكتروني كتاب جديد بعنوان (اوراق توما توماس)، ضم مذكرات دوّنها القائد الشيوعي الانصاري توما توماس، كان قد كتبها في الفترة ما بين 1990 – 1996م وطبع في مطبعة ازادي للحزب الشيوعي الكردستاني في أربيل، والكتاب يقع في 424 صفحة، وضم أربعة فصول، وعدد من الملاحق. ويذكر توما توماس مسؤول لجنة محلية الموصل للحزب الشيوعي العراقي في أوراقه (= مذكراته) في الحقبة موضوعة البحث ما يلي:”… وقد وقفت قيادة الحركة والحزب الديمقراطي الكردستاني موقفا سلبيا من مساهمة حزبنا في الحوار الذي كان جاريا بينهم وبين السلطة مما أضعف من دورهم وتأثيرهم في التفاوض . وسرعان ما ترجم ذلك الموقف الى ممارسات على ارض الواقع . ففي مناطق نفوذه بالذات، قام پيشمرگة حدك بملاحقة رفاقنا واغتيال عدد منهم . فقد استشهد احد عشر رفيقا من الشباب العائدين من الدراسة في الاتحاد السوفيتي ( وبلغاريا)، اذ جرى اعتقالهم بعد عبورهم الحدود من سوريا واعدامهم بأوامر من عيسى سوار” . ينظر: من اوراق توما توماس، موقع الناس، الحلقة (15).
ويضيف توما توماس حول الصراع الذي جرى بين حزبه والحركة القومية الكردية متمثلةً في الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني بالقول : ” رغم استمرار العلاقة الرسمية بين حزبنا والحركة المسلحة الكردية، إلا أن الاعتداءات على رفاقنا لم تنقطع حتى اواخر عام 1973، حيث تم اغتيال الكادر الشيوعي طه ملا أحمد في ريف زاخو بتوجيهات مباشرة من عيسى سوار(= آمر هيز زاخو) الذي شن حملة تصفية لمنظمتنا الحزبية في زاخو، وتوج عيسى سوار حملته تلك بأبشع جريمة اقترفها ضد الحزب بأصداره الأوامر لمسؤول فيشخابور ( سيد حميد ) بأعتقال أحد عشر رفيقا قدموا من الاتحاد السوفيتي، ثم سلموا الى محمود حمري الذي أعدمهم قرب قرية ( بي بزن ) على سفح الجبل الابيض(= غرب مضيق زاخو)، وتمكن احدهم وكان جريحا من الهرب إلا أن احد الفلاحين قبض عليه وسلمه الى عيسى سوار فأمر بأعدامه ايضا ” . ينظر: أوراق توما توماس، موقع الناس، الحلقة (15).
وعلى السياق نفسه يذكر السيد عبدالرزاق كرمافي آمر هيز دهوك وكالةً ما بين عامي 1974-1975م، ما نصه:” في نهاية شهر ايلول/ سبتمبر وبعيد التحالف الذي جرى بين حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي العراقي فيما سمي بالجبهة الوطنية والقومية التقدمية في شهر تموز/ يوليو عام1973م، سيطرت فصائل الانصار التابعة للحزب الشيوعي العراقي بقيادة توما توماس على جبل القوش، فتشكلت غرفة عمليات من هيز(= لواء) الشيخان بقيادة حسو ميرخان لطرد الشيوعيين من الجبل، وقام هيز(= لواء) دهوك بقيادة علي خليل خوشبي بنصب مدفعيته في بداية الامر على جبل زاوه المقابل لجبل القوش، ثم حدد موقع آخر بالقرب من قرية (شينك) الكوجرية لقصف جبل القوش باعتباره الاقرب جغرافياً، وكانت الخطة تنص على أن يقوم هيز الشيخان بالهجوم على جبل القوش حسب العائدية، باعتباره واقعاً ضمن عمليات الهيز؛ ولكن الهيز لم يشارك في الهجوك وبقي الجبل بيد الشيوعيين. ينظر: فرست مرعي، كورنولوجية دهوك نبذة من الاحداث التاريخية لمدينة دهوك وأطرافها، مديرية الاعلام والطباعة والنشر- دهوك، 2017م، ص111.