هناك مروية شعبية تتحدث عن شخص كان يشعر بعدم الاهتمام من اهل قريته فما كان منه الا ان قضي حاجته في عين الماء التي يشرب منها جميع اهل القرية ليصبح حديث الناس ومثار انتباههم .
وكما نجح هذا المسكين في ان يجذب اهتمام الناس اليه بهذا الفعل القميء , فقد نجح قيس الخزعلي في جعلي اكتب عنه هذه الاسطر بعد كلمته يوم امس حينما خاض في موضوعة البيشمركة , وقد تسائل فيه ان كان سلاح قوات البيشمركة سلاحا شرعيا للدولة , وان كانوا يأخذون اوامرهم من المؤسسة العسكرية العراقية , مبديا استغرابه من التركيز فقط على مليشيات شيعية في موضوع السلاح المنفلت …
وهكذا حاولت الزرازير مقارنة نفسها بالشواهين من جديد .
هناك العديد من المفارقات في حديث قيس ومطبات اوقع نفسه فيها دون ان يدري , فكان مثل الذي على راسه “بطحة” ويتحسسها , فاولها اعترافه الضمني بانه يمثل اللادولة والسلاح المنفلت . فلغاية اليوم لم يحدد رسميا في العراق من يمثل السلاح المنفلت كما لم يتم تحديد الطرف الثالث الذي كان يقتل المتظاهرين السلميين , لكن عندما ياتي قيس ويدفع التهمة عن نفسه وبهذا الشكل , فهذا يمثل اعترافا صريحا وواضحا منه بانه يمثل السلاح المنفلت بجدارة , وهو مطب اوقع الخزعلي نفسه فيه دون ان يدري …ودعونا الان نفصل بعض الشيء النقاط التي تدعم وتعزز اعتراف قيس الضمني هذا :-
1-ان الظروف التي رافقت تاسيس العصائب والجهة الاقليمية التي دعمتها , تشير الى انها تشكلت بعيدا عن اية ارادة شعبية اوحكوميه , فقد انشطرت العصائب من مليشا جيش المهدي وبتشجيع خارجي اقليمي , فكانت وليدة سلالة مليشياوية كابرا عن كابر , واي حديث عن شرعنتها هو حديث عن تنسيب وليد مليشياوي الى مؤسسات دولة سفاحا .
2-ان كان لبعض الفصائل المسلحة الحق في الانضمام الى اجهزة الدولة خاصة تلك التي تشكلت بناءا على فتوى المرجعية , فان الذي يشذ عن هذه القاعدة ولا يحق له هذا الادعاء هي مليشيا عصائب اهل الحق , فقد تشكلت قبل فتوى الجهاد الكفائي , وبارادة غير عراقية , دون ان يكون لتشكيلها اية علاقة بمحاربة داعش وانما لضمان مصالح تلك الجهة الاقليمية في العراق .
3-تعريف سلاح الدولة هو ان يكون هذا السلاح طوع امر الدولة , توجهه حيثما كانت المصلحة الوطنية , او كاضعف الايمان لا يتحرك بالضد من توجهات الدولة , فهل كان قيس يمثل توجه الحكومة العراقية عندما زار الحدود الاسرائيلية اللبنانية , والتقط صورا هناك بملابسه العسكرية دون علم حكومة العراق او حتى الحكومة اللبنانية ؟ لم يختلف هذا التحرك عن تحركات اعضاء القاعدة وداعش الذين لا يؤمنون بحدود دول او قوانين واعراف دولية في تحركاتهم . فهل يمكن لهكذا تصرفات ان تنتمي لدولة او حتى شبه دولة ؟
وكيف يمكن لقيس تفسير ما ذكره وهو في حالة هستيرية عندما اخذ على نفسه عهدا بالثار من قتلة احد عناصر مليشياته ؟ هل ان السلاح “المنضبط” يمكّن اي سياسي من الحديث عن الثأر من مواطنين ؟ ام انه حمّى السلاح المنفلت الذي لا يبقي اي مجال لقضاء محترم في ان يقول كلمته في هكذا حالات ؟
4- كيف لجماعة مسلحة تطلق على نفسها العصائب ان تطمح في ان تكون ضمن اجهزة الدولة وان يكون سلاحها منسوبا للدولة ؟ ف” فخامة” الاسم تكفي لتعطي صورة واضحة عن ان هذا الفصيل ما هو الا مجموعة عصابات اجتمعت لتشكل عصائب مسلحة يستحيل معها ان تتنظم الى اجهزة دولة طال الزمن او قصر , فالعصبة تبقى عصابة سواء ذيلت بتعبير (اهل الحق) او (اهل الباطل) .
لقد ارتقى قيس مرتقا صعبا حين تحدث عن مؤسسة عريقة كمؤسسة البيشمركة مقارنا مليشياته بها , فمؤسسة البيشمركة تشكلت قبل ان تتشكل الكثير من جيوش المنطقة , وبقرار شعبي لا بقرار دول استعمارية كما هو الحال في اغلب جيوش المنطقة . وان كانت جيوش العالم تمتلك شرعيه محلية واحدة تستند الى قوانين الكيان التابع له سواء كان اقليما او دولة , فان قوات البيشمركة تمتلك شرعيات اربعة وهي كالتالي : –
1-شرعية شعبية .. فقد تشكلت قوات البيشمركة في البداية بقرار شعبي , عندما اتخذ الكورد الكفاح المسلح طريقا لنيل حقوقهم .
2- شرعية قانونية محلية .. عندما شرعنت حكومة كوردستان وبرلمانه المنتخب في تسعينات القرن الماضي وجود البيشمركة كقوة مسلحة تحمي اقليم كوردستان , وتشكلت على اثرها وزارة البيشمركة واكاديميات عسكرية تخرج منها ضباط على قدر كبير من الانضباط والخبرة العسكرية .
3- شرعية عراقية .. عندما اعترف الدستور العراقي بقوات البيشمركة كقوات حماية الاقليم .
4- شرعية دولية .. عندما قاتلت داعش وهزمتها نيابة عن العالم وتعاملت جيوش قوات التحالف معها بشكل مباشر ونسقت معها مما يعتبر اعترافا دوليا بمؤسسة البيشمركة .
لذلك فمن المضحك ان يقارن قيس عصائبه بقوات البيشمركة وهي تفتقر للشرعية ليس فقط عند الدولة العراقية وانما حتى في المدينة و ” الدربونة ” التي يعيش فيها قيس .
اما فيما يخص نقطة ان البيشمركة لا تاخذ اوامرها من بغداد , فهذا امر طبيعي لانها تابعة لقيادة عسكرية في كوردستان , ومن المفترض ان تاخذ اوامرها من تلك القيادة الكوردستانية , ولا يعني ذلك ان قوات البيشمركة ليس تابعا للدولة العراقية او ان سلاحها غير منضبط , وهنا نجد انه من الضروري توضيح النقطتين التاليتين : –
الاولى … ان توجهات البيشمركة لا تتعارض مع توجهات المؤسسة العسكرية العراقية في خطوطها العريضة , وليست بالضد منها سواء على الجانب العسكري او الامني , وقد تجلى ذلك من خلال التنسيق الكبير بين الطرفين والذي لا يزال مستمرا لاستتاب الوضع الامني في كل العراق , بينما ورغم ادعاء المليشيات بانها ضمن المؤسسة العسكرية العراقية الا ان توجهاتها واهدافها مختلفة تماما عن اهداف المؤسسة العسكرية والدولة العراقية .
الثانية .. ان مؤسسة البيشمركة تاخذ اوامرها من القيادة العسكرية في كوردستان وهو قرار داخلي عراقي كون كوردستان هي جزء من العراق , بينما تلك الفصائل سواء العصائب او غيرها تاخذ اوامرها من اطراف اقليمية خارج العراق , وبذلك فان قرارها ليس عراقيا .
ان حالة اللادولة التي يعاني منها العراق منذ اكثر من عقد لا يمكن القضاء عليها طالما ان هناك سلاحا منفلتا يخضع لاهواء هذا وذاك …. وعلى الفصائل المسلحة الموجودة حاليا ان تفهم ان السلاح المنفلت والدولة نقيضان لا يلتقيان , وان لم يفهموا الجملة باللغة العربية فاقول لهم بفارسية ركيكة علهم يفهمون … ئاغا ده وله ت وسلاحي منفلت كجا مرحبا .