مع إقتراب الجهد العسكري الذي ستقوم به قوات حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية (1، 2)، تتوجه أنظار الناس عموماً و العراقيين خصوصاً بقلقٍ شديدٍ إلى هذا الأمر الخطير. فالعراقيون يعيشون الآن، و منذ بداية الغزو و الإحتلال الأمريكي ـ البريطاني للعراق في 9 نيسان 2003، حالة حرب أهلية شرسة طاحنة تتراوح بين درجة شديدة إلى متوسطة و لكنها مازالت ضمن حدود السيطرة العسكرية الأمريكية و القوات العراقية الحكومية الطائفية. و كما أثَّرت عقلية الغزو و الإحتلال الأمريكي ـ البريطاني، بجهود عملاء مؤتمر لندن (عام 2002)، على عموم العراقيين بمن فيهم المثقفين، و أرغمت معظمهم أن يتخذ موقفاً طائفياً مع أو ضد طائفة معينة فإنها أثَّرت عليهم أيضاً بإستقطاب الآراء و المواقف مع أو ضد الحكومة السورية لأسباب طائفية بحتة.
فالطائفي السُّني العراقي يؤيد بحماسٍ منقطع النظير الإنتفاضة الشعبية منذ سنتين التي تحوَّلت إلى ثورة في كل أنحاء سوريا، على أساس أن الرئيس بشار الأسد نصيري ـ علوي ـ شيعي و يضطهد السُّنَّة ببشاعة، و تسبّب حتى هذه الساعة في إزهاق أرواح أكثر من 100,000 سوري معظمهم من المدنيين العزّل (5)، و الآن حان موعد الإنتقام الشعبي لإزاحة النظام الشيعي السوري و إلى الأبد. و لهذا الغرض لا بأس أن يستعين الثوار بالقوات الأجنبية سواء من حلف الناتو أو من الولايات المتحدة الأمريكية أو تنظيم القاعدة بالإضافة إلى قَطَر و السعودية و تركيا.
أمَّا الطائفي الشِّيعي العراقي فإنه يؤيد بحماس منقطع النظير الحكومة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، و من قبله والده حافظ الأسد، على أساس أنه من الطائفة الشيعية العلوية و يحمي ضريح السيدة زينب عليها السلام، و يريد المحافظة على وحدة الشعب و التراب السوري من الحرب الأهلية و التقسيم و تدخل الدول الأجنبية و إسرائيل. و لهذا الغرض لا بأس من أن تستعين الحكومة السورية بالمساعدات الإيرانية، بشكل أسلحة و معدات و مقاتلين و معلومات إستخبارية و غيرها، بالإضافة إلى حزب الله اللبناني.
و عندما ظهر بشكل جليّ إستخدام السلاح الكيمياوي السام للأعصاب في إحدى ضواحي العاصمة دمشق، و هو غاز إسمه “سارين” (Sarin) الذي قتل عدداً كبيراً من المدنيين يتراوح بين 500 إلى 1300 ضحية أثناء النوم في ليلة 21 آب/أغسطس 2013 (3، 4، 5)، كذَّب الطائفيون الشيعة تلك الأخبار التي تعتبر الحكومة السورية هي المسؤولة عن ذلك، و إتَّهموا الثوار و القاعدة و ربما إسرائيل أيضاً بذلك. و حتى إذا ثبت قطعاً أن الحكومة السورية هي التي إستخدمت الأسلحة الكيمياوية ضد المواطنين بضمنهم الأطفال و النساء فهو أمر مقبول عند الطائفيين الشيعة و ذلك لردع المتمردين المخربين السُّنَّة الجبناء الذين يستخدمون المدنيين كدروع بشرية.
هل البديل لهذا الموقف الطائفي، آنف الذكر، عند بعض العراقيين هو اللامبالاة و التفرج و صرف الأنظار عن “موضوع سوريا”؟ في الواقع، لا يستطيع أيّ عراقي أن يغض النظر عن هذا الموضوع لأن الصدمة العنيفة التي يعاني منها كل عراقي هي معضلة مستمرة منذ عام 2003 حتى الآن، و كل عراقي يعلم أن التعصب و الطائفية و الحرب الأهلية دخلت مع قوات الإحتلال الأمريكي ـ البريطاني و عملاء مؤتمر لندن. كما أن ما تُسمّى “المعارضة السورية في الخارج” هي ليست أفضل بشئ من نظيرتها العراقية قبل الغزو. و عندما يتغير النظام السوري سوف تطلب “حصتها” في حكم سوريا و ثروة سوريا، و سوف تتضارب مصالحها الشخصية و الطائفية مع القيادات الثورية التي ظهرت داخل سوريا منذ سنتين.
سوف تدعم الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، فئةً على حساب أخرى. و سوف يؤدي تنافس فئات المعارضة على السلطة إلى حرب أهلية لا محالة. إن هذا الهاجس بحد ذاته سوف يقض مضجع العراقيين أيّاً كانت طوائفهم السياسية و القومية و الدينية. كما يعاني العراقيون من صدمة أخرى حدثت عام 1991 بعد وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها و بين العراق، و إندلاع الإنتفاضة الشعبية التي بدأت في البصرة و إمتدت بسرعة إلى شمال العراق، ثم تمكن النظام البائد من إخمادها بوحشية.
مع ذلك يمكن لمعظم العراقيين أن يتخذوا موقفاً واضحاً مما يجري في سوريا دون الإنزلاق في مستنقع الطائفية. فَمَنْ يُؤيِّد الحكومة السورية يمكنه القول أن الرئيس بشار الأسد إنسان سياسي، وطني، مخلص، شجاع، معتدل، حكيم، مثقف، متواضع، محب للبناء و الإعمار و التنمية البشرية و المادية برغم التحديات الإقليمية و الدولية الهائلة. و من يُعارض الحكومة السورية يمكنه القول أن الرئيس بشار الأسد طاغية، مستبد، مجرم، متآمر، خائن، عميل، مخرب، فاسد، جبان، متعطش للدماء و التخريب و الدمار، و أن سياسته الرعناء هي التي قادت البلاد بإتجاه الحرب الأهلية و التدخل الأجنبي، و لولاه لما وصلت سوريا إلى هذا الوضع المأساوي المزري.
نلاحظ أن القولَين السابقَين يَخْلُوَانِ تماماً من الإشارة إلى مسؤولية حزب البعث الحاكم في سوريا، أو إلى القومية العربية، أو المذهب الديني للرئيس بشار الأسد. أي أن القول أو الخطاب السياسي يخلو من أية إشارة طائفية ترجّح واحدة ضد أخرى و تدعو إلى إلغائها بالقوة. إن هذين القولين و الموقفين طبيعيان لعامة الناس في كل زمان و مكان. أما الأقوال السابقة لهما فهي غارقة بالتعصب و الطائفية و التحريض على الكراهية و العنف و القتل بشكل مباشر أو غير مباشر.
يُمكنك أن تُراهن على بقاء أو تغير النظام الحاكم في سوريا؛ على نجاح أو فشل الثورة الشعبية؛ على تغيير النظام السياسي من إستبدادي إلى شعبي (ديمقراطي) حرّ بطريقة متحضرة سلمية أو توسُّع الحرب الأهلية و إنتشار روح التقسيم و الإنفصال ـ كما هي الحال في العراق الآن. لكن في كل الأحوال، و مهما كانت آراء الناس مختلفة، فإنها مقبولة و متحضِّرة طالما خَلَتْ من التعصب و الطائفية و الإرهاب. و في كل الأحوال فإن مصلحة سوريا كلها شعباً و أرضاً هي الأولى بالإهتمام و الرعاية و المساعدة. و يجب تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين و الجرحى و المرضى.