صحيح ان المجتمع العراقي تنتشر بين صفوفه حب القراءة والثقافة ومعارض بيع الكتب تزدحم بالقراء ، لكن معظم العراقيين يقرؤون الكتب ويتعاطون مع الثقافة والأحداث والأفكار والسياسة وعموم الحياة من زاوية بدائية بعيدة عن المنطق الصحيح وضرورات الحياة وبناء المجتمع والأوطان !
العقل العراقي ينحدر من جذور بدوية همجية ممزوجة بمؤثرات دينية ظلامية ، وفكر أيديولوجي عدواني ، زائدا تضخم فظيع في العشوائية والمجانية وغياب إحترام الذات في التعامل مع الأشياء والناس وإطلاق الأحكام والتحليلات ، وضعف دور المنطق في قيادة الذات وترك المجال للعواطف الهوجاء تمسك زمام الامور .. والأهم من كل هذا الأصل البيولوجي لهذا العقل حسب نظرية التطور و مستوياته المتدنية والضعيفة التي ثبتت بالتجربة الواقعية التي جسدتها المستويات المتخلفة حضاريا و عقليا وسلوكيا الجالية العراقية في أوروبا وأميركا وكندا رغم التعليم الجيد والبيئة المتحضرة !
حتى على صعيد مايسمى ( النخب المثقفة ) تلاحظ بروز ملامح العقل البدائي المتخلف حيث يتجلى في الحياة السياسية على سبيل المثال: في النظرة إلى أعمال الشغب التي إنطلقت 1920 بتحريض من رجال الدين الإيرانيين وشيوخ عشائر قطاع طرق .. حيث النظرة الى تلك الأحداث على أنها ( ثورة العشرين ) بينما هي عمل تخريبي بدون اهداف وطنية ، وكان العراق قد خرج توا من الإستعمار العثماني الذي إستمر اكثر من 400 عاما وكنا بحاجة للخبرات الانكليزية لبناء بلدنا ، وكذلك في تأييد إنقلاب 14 تموز الذي نفذته مجموعة من الضباط شبه الأميين يفتقرون الى الشعور بالمسؤولية نحو بلدهم وكان همهم السيطرة على السلطة وتدمير مؤسسات الدولة والتأسيس للإنقلابات الدموية ، وأيضا تجد مايسمى ( النخب المثقفة ) تنظر إلى الحضارة الغربية – أوروبا الغربية وأميركا – وتختزلها بمفاهيم عدوانية أيديولوجية وتصف هذه الحضارة بالإستعمارية والرأسمالية التي تنهب خيرات الشعوب وتحذر من الإنفتاح عليها وإقامة علاقات معها … وتتجاهل الإختراعات العلمية ، والنتاج الفكري والأدبي ، والفكر الإنساني والدعوة الى الحريات العامة والديمقراطية وعموم حقوق الإنسان … كل هذه الصورة المشرقة انطلقت من الحضارة – الأوروبية – الأميركية – لايراها العقل البدائي العراقي والعربي والشرقي عموما.
إذا كانت رؤية ( النخب المثقفة ) العراقية في معظمها بهذه الصورة البدائية المتخلفة ، فكيف الحال مع المؤسسة الدينية ورجالها ، والأحزاب السياسية الأيديولوجية ، وبقية قطاعات المجتمع الذي تربى في أحضان الشعارات الغوغائية الصادرة عن العقل البدائي الجمعي ، في العراق والبلدان العربية حيث يوجد ( إسطبل ) موحد للرأي العام سجن القطيع البشري نفسه في داخله ، ولم تنتج هذه المجتمعات الفكر المغاير الحر المتمرد على سجون الدين والقومية والفكراليساري والاعراف السائدة ، تصوروا الكارثة الحضارية في العراق منذ حوال أكثر من 60 عاما إنهار الفكر الليبرالي المدني أثر انقلاب سنة 1958 ولم ينهض بعدها المجتمع وينتج فكر وتيار ليبرالي ، بل الأكثر مأساوية بعد تغيير النظام سنة 2003 صُدمنا بغياب نشوء تيار ليبرالي ، وتراجع المجتمع وتصاعد دور المؤسسة الدينية والعشائر ، والمصيبة الأتعس شاهدنا تحالف الحزب الشيوعي الذي يدعي العلمانية والمدنية مع الجماعات الدينية الظلامية الإرهابية في خيانة واضحة لمباديء العلمانية التي يرفعها !
التخلف البنيوي الأصيل في الشخصية العراقية وتحكم العقل البدائي بها .. يجعل شعارات ومشاريع الإصلاح السياسي مجرد أحلام وأوهام غير قابلة للتطبيق ، لأن العقل الذي يطالب بالإصلاح هو أصلا يعيش داخل سجن محدداته البنيوية البدائية الكامنة فيه وغير قادر على تنقية الذات وتحرريها من سجونها .. وروح التفاؤل في المستقبل هي خيانة للواقع والحقيقة !!!