المقدمة :
هوى الموروث الأسلامي بطروحاته في حراك ، ليس له القوة من حجج وأسانيد وروايات في الدفاع عن وجهة نظره ، وأقل ما يقال عنه ، أنه خسر مصداقيته ، حيث أنه لم يستطيع أن يؤكد أو أن يثبت ما رمى أليه ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، تضاددت مراميه مع بعضا من نصوصه التي تؤكد على مصداقية هذين الكتابين / التوراة والأنجيل ، في هذا البحث المختصر ساطرح وجهتي النظر ، مع قراأتي الخاصة .. ومن ثم خاتمة .
الموضوع :
سأسرد بادئ ذي بدأ ، بعضا مما جاء في الموروث الأسلامي حول تحريف التوراة والأنجيل / وهي أوردتها على سبيل المثال وليس الحصر :
1 . جاء في موقع / الأسلام سؤال وجواب ، حول التحريف في التوراة والأنجيل ، التالي – أنقله بتصرف (( تشتمل نسخ التوراة والإنجيل على شيء من الحق ، الذي وصفته الآيات الكريمة بأنه ( حكم الله ) ، ودعا القرآن الكريم اليهود والنصارى إلى إقامة هذا الحق واتباعه ، وجعله حجة عليهم في باطلهم . في هذين الكتابين كلام من كلام البشر ، نُسب إلى الله كذبا وزورا . ووقع في هذين الكتابين نقص ظاهر عن الكتب المنزلة على الأنبياء ، وذلك بسبب كتمان بعض الأحبار والرهبان شيئا مما استحفظهم الله عليه . تضمن تحريف الكتب السابقة أمرين : التحريف اللفظي ، بزيادة أو نقصان عما كان فيه ، والتحريف المعنوي ، بصرف الحق الباقي في هذه الكتب بلفظه ، إلى معاني باطلة ، تناقض ما أراده الله لعباده .. )) .
2 . وقد جاء في موقع / مركز الفتوى ، التالي حول التحريف أيضا ، أنقله بتصرف (( فإن تحريف أهل الكتاب اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل ثابت بالأدلة القطعية من الآيات القرآنية والأحاديث الصريحة ، أما الدليل من القرآن فهو قوله تعالى ( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ) [المائدة: 13] . وقوله تعالى : ( ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم ءاخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه ) [المائدة : 41] )) .
3 . أما في الأحديث النبوية ، فقد جاء بنفس الصدد ، التالي : (( فما رواه الإمام أحمد والبزار واللفظ له عن جابر قال : نسخ عمر كتابا من التوراة بالعربية فجاء به إلى النبي فجعل يقرأ ، ووجه يتغير ، فقال له رجل من الأنصار : ويحك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله ، فقال رسول الله : ” لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ، وإنكم إما أن تكذبوا بحق ، أو تصدقو بباطل . ” )) / نقل من نفس المصدر السابق .
4 . ومن طروحات علماء وفقهاء الأسلام ، أنقل التالي ، يقول ” ابن حزم ” ( 994 – 1064 ميلادي/ يعد من أكبر علماء الأندلس ، ومن أكبر علماء الإسلام تصنيفًا وتأليفًا بعد الطبري ، وهو إمام حافظ و فقيه ظاهري .. ) : إن كفار بني إسرائيل بدلوا التوراة والزبور فزادوا ونقصوا ، وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) ، ( لا معقب لحكمه ) ، وبدل كفار النصارى الإنجيل كذلك فزادوا ونقصوا ، وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) .
5 . ويقول أيضا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ( ولد ببني هاشم 618 م وتوفى 687 م ، صحابي جليل ، وابن عم محمد ، حبر الأمة وفقيهها وإمام التفسير ، وترجمان القرآن .. ) عن موضوعة التحريف ، التالي : ” يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ ، كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الكِتَابِ ، وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ أَحْدَثُ الأَخْبَارِ ، أَفَلاَ يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ العِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ ، وَلاَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ “اللَّهِ ، تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ ، وَقَدْ حَدَّثَكُمُ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمُ الكِتَابَ ، فَقَالُوا : هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا . / نقل بتصرف من موقع / ملتقى أهل الحديث .
القراءة : أولا – أن التعلم يقود الى الوعي ، والوعي يوصل الى فهم أفضل ، والفهم يجعل من الحكم على الأشياء أقوم ، والفهم يقود للمعرفة ، فكيف من رسول أمي / هذا أذا سلمنا جدلا من أن الرسول حقا أمي ، أن يحكم من أن هذا الكتاب حق والثاني باطل والأخر محرف !! ، أقرأ بذاته هذه الكتب حتى يحكم بصحتها من بطلانها !!! .. هذا مجرد تمهيد أولي لقراأتي الخاصة .
ثانيا – ولو سلمنا جدلا من أن هذه الكتب محرفة / التوراة والأنجيل ، أين الكتب التامة الكاملة ، الكتب الحق ! ، وما هي النصوص المحرفة ، وأين النصوص الأصلية ! ، أما ما ورد في التفاسير ، من قبل بعض مفسري الأسلام ، فهو كلام مرسل لا يغني عن شي ، ولا يوصل الى حقيقة ما ! والذي يقول بباطل أمر ما ، عليه أن يبين الأمر الحق ، وأن يظهره للأخرين كقرينة دامغة .
ثالثا – والمفسرين أنفسهم غير مستقري الرأي ، وليسوا على منهج واحد ! ، فقد جاء في موقع الأسلام سؤال وجواب ، أنقله بتصرف التالي (( تحدث القرآن في العديد من المواضع عن التوراة والإنجيل ، فهما من وحي الله عز وجل لاثنين من أولي العزم من الرسل ، وكانا كتاب نور وهداية للبشرية في زمانهما ، والقرآن الكريم نفسه جاء مصدقا لهما ، ومؤمنا بهما ، ومهيمنا عليهما ، كما قال سبحانه : ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ . مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ) آل عمران/3-4 .. وقال عز وجل : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) المائدة/48 )) ، نستنتج من هذا الموقع أنه يبين عكس ما قاله المفسرين من رأي في التوراة والأنجيل .
رابعا – والأمر المثير للعجب والدهشة ، كيف لله العليم الحكيم ، أن ينزل نصوص متضاددة متناقضة ! ، فمن جهة يقول بتحريف الكتب ، كقوله : ( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ) [المائدة: 13]. وقوله : ( ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم ءاخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه ) [المائدة : 41] )) ، ومن جهة أخرى ، يناقض ويخالف ما قال ، كقوله ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ … ) آل عمران/3-4 .. وقال : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) المائدة / 48 )) ، أيعقل أن الله لم يعلم بأن أهل الكتاب سيحرفون ما لديهم من الكلم ، فكان الأولى بالله ، بأن يؤكد / أي في القرأن ، على نصوص التحريف فقط !! ، دون غيرها !! .
خامسا – وبما أن المسيح هو كلمة الله ، وفق المعتقد المسيحي ( فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ / أنجيل يوحنا 1: 1 ) / وهذا أيضا معترف به أسلاميا بقوله ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ/ 171 سورة النساء ) ، فأن المسيح يؤكد بعدم تحريف هذه الكتب ، ويقول (( ويقدم المسيح وعدا بأن كلمة الله لا تتغير فهو يقول في الموعظة على الجبل : ” إلى أن تزول السماء والأرض .. لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس ” . هذا التأكيد تجده في الإنجيل كما رواه متى ، كما يقول المسيح أيضا : ” السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول “. وهذا الوعد أيضا نجده في الإنجيل كما رواه متى أيضا . ويؤكد المسيح أيضا ” لا يمكن أن يُـنقض المكتوب ” ، وجاء ذلك في السفر الرابع من العهد الجديد ” إنجيل يوحنا ” الأصحاح العاشر – الآية رقم 35 / نقل بتصرف من موقع – الخدمة العربية للكرازة بالأنجيل )) .
سادسا – أن الأدعاء بتحريف الكتب السماوية ، هو تمهيد لأسلمة العالم ، لأجله أن النص القرآني أختصر الأمر بأية واضحة جلية مباشرة وهي ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون / 29سورة التوبة ) ، وأن كل الذي ذكر من تفاسير وأحاديث ، فأنه يصب في أن الأسلام كدين هو الحق ، ملغيا كل ما قبله وما بعده من أديان ومن معتقدات ! وأن أزمة التحريف هي أزمة مفتعلة الغاية منها هو ” الأسلمة ” .
خاتمة :
أيعقل من أن كل الكتب السماوية محرفة ألا القرأن !! ، وأن كان الأمر كذلك / وهذا غير منطقي البتة ، فأن الأمر يصب في مصلحة غايات محددة ، وهو من أجل تأكيد النص القرآني القائل ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ / 19 سورة آل عمران ) ، وعملية التحريف ، هي أطروحات دعائية دينية غير مسندة بحجج ، وبنفس الوقت هي تصدير فكرة الدين الأوحد للمتلقي ، وأن الأسلام ، وبنفس الوقت وضع حد التشكيك على كل دين ظهر قبله ، ونهى عن أي معتقد أو فكر بعده ، على أعتبار أن الأسلام هو الدين عند الله ! ، ومن ثم نهج الموروث الأسلامي من أن الرسول هو خاتم الأنبياء ” مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُم وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَليماً “/40 سورة الأحزاب ” .. أرى ختاما أنه من الصعوبة بمكان أن يقف الأسلام منتصبا أمام قامات دينية سبقته بقرون ، خاصة وأن الأسلام مخضبا حتى قدميه بالدم من خلال الأرهاب التي تصدره نصوصه للعالم ! .