فِي مُحاورة لنا مع إبِنَتِنا (رِيمَانْ حَنّا) إبنةُ عَينْ زالة والعِراق التي إضطرتهم ظُروُف قَاهِرة لَم تَعد خَافية على الجَميع ، للهِجرة إلى أمريكا وللأمانة فقد هاجرت هذه العائِلة الكريمةِ بأجسادِهِم وستبقى نَبضاتِ قلوبهمِ تَخفِق بِعشِقِ أرض الرافِدين حيثُ آشور سِنحاريب وقصره المشيد ومجدهِ التليد آشور البطولة بِثورُها المُجَنَّح رمز القوة ؛ وعِشتار آلهة الحُبِ والحَرب والجمال ، وأور وقِيثارتها السومرية حيثُ أورنمو مُشّرَّع قوانينها وباني مجدها ، وإلى بابِل الكِلدانِ بابل العِز وعِنفوان الإباء يَذود عن حياضها أسدُ بابِل الذي أريد له الهوان لكن هيهات فها هو زهو الجمال بجنائنها المعلقة ، وهنا رمز عنفوانها نبوبلاصر ونبو خُذ نصّر …. هنا حمورابي ، ترنو النواظرُ الجميلةِ إلى الآلهة الأربعة التي تحرس أرض الأجداد في أربا إيلو”أربئيلّو” وقلعتها الشامخة …. ولنا أن نتسائل هل سَيُبَعَثُ أو توحيكال لِيبَدِد عُتمة الليالي ودياجيرها القاتمة … إبنتي رِيمَان سَتخضر أغصان الآس وتزهر ورود الإقحوان وتتوشح الأرض بزهور السُندس والياسمين والقرط ونفل وعِلكُ الغَزال وتعود أرض الآباء والإباء إلى سابقِ مجدها التليد وسنعود إلى ديارنا في أزقة الآثوريين وشوارع الميكانيك وبغداد الجديدة والغدير ، سنمشى عصراً في شوارعِ القوش وقرة قوش وكرمليس وبَرطلة وعين زالة و…. ستشَدو البلابل وسَتُقرعُ أجراسُ الكنائس في أديرة مار بهنام ومار يوسف وما كَوركَيس وكنيسة السَاعة “الآباء الدومنيكان” معانِقةً تكبيرات المآذِن في الحدباء والنبي شيت والنبي يونس “يونان” والنبي جرجيس وهي تشدو بتكبيرات العِيد ” اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبر … لا إله إلاّ الله … الله أكبر الله أكبرُ ولله الحمد …. وسنحتفل بعيد الفِصح وبأعياد الفِطر والأضحى وبعيد فاردافار و… وسنرش الماءِ على بعضنا بعضاً ؛ كما رَشَّ أجدادُنا الأوائلُ الماء على جيوش الملك نبو خذ نصر بعد عودتها منتصرةً عند وصولها إلى باب عشتار ، سنرش المياه كما رشَها أجدادنا يوم موت الإله تموز كي يعود ستة أشهرٍ أخرى للحياة حاملاً معه الخصب والرخاء ، سنرشُ الماء كما أمر ما يوحنا المعمدان وكما أمر الرسول توما ؛ سنرشُ الماء ليكون عيداً للأخاءِ والتعايش والإنتصار والخير والفرح ؛ سَنرشُ الماء على بعضنا لتتساقط منا الذنوب كما وُلدنا وسنبكي فرحاً يومذاك فلتشدو قيثارتنا أعذب الألحان ولترتدي عِشتارنا أبهى الحُلَل ولتُشرِق على دنيانا بعينيها الخضراوان الرائِعتان تبارك الخَلاق “حفظهما الله” لتُسحِر الأكوان ولتنثر الألوان وتزرع البسمات وتُسعِد القلوب ….
بُنَيتي رِيمان سِيطول الحديث حتماً ولكن عهداً نقطعه أن القادم سيكون أجمل ؛ وسَنَنْقُل الآن ما أوردتيه نقلاً عَنْ أحد المهندسين البُلغَار وهو يروي إنطباعاته عَن أهلنا في عَينْ زالة بمقالٍ يحمل عنوان ( شَاهدتُ أهلها فَشَعَرتُ بالرُعبْ) فإليكم التفاصيلَ كما كتبها مُهندِسْ البِترول البُلغَارِي الذي جاء إلى عَينْ زَالة ضمن الحملة التي رافقت إكتشاف النفط :
عِنْدَما دخلت عينْ زالَة أول مرةٍ شَعَرتُ بالرُعبِ والخَوفِ فأهلها لا يَمشونَ فُرَادى ولا يَجلِسونَ إلاّ مجموعات ويضعون على رؤوسِهم قِطعَةِ مِنْ القِماش وَيَضعُونَ فَوقَها حبلٌ أسود على شِكلِ دائِرةٍ يُقالُ له (العِقال / العكَال) تَرى الرجُل يَحمِلُ فأساً ويَضَعُ على خِصرِهِ مُسَدَسَاً وفي كتِفِه بارودة (بُندقية) ويَضَعُ في الجانِبِ الآخرَ سلاحٌ أبيض يقولون له (الخِنْجَر) ورُبَّما أيضاً تَجِدْ أنَّهُ يَحمِلُ بِيَدِهِ قِطعةً مَقصوصةً مِن الأشجار وَيَضَعُ في أحدِ أطرافِها قِطعَةً من الحديدِ الصُلب إسمُها (الجناة / المكَيار أو المكَوار) فهو مُدَجَجٌ بالإسلِحة ، تَشعُرْ وكأنهُ يتأهبُ لمعركةٍ في أيِّ لحظة ، فإذا وقفتَ أمامهُ يَنظُر إليكَ بِحِدَّةٍ وكأنه صَقر ؛ فَتَمُدُّ يَدَك للسَلامِ عليه فَيُراوِدُك شُعورٌ أنّهُ سوفَ يَقَطِّعُكَ بهذهِ الأسلِحة ؛ فَيُصافِحُك ويَقبِض على يَدِك ويَهُزُّ ذِراعُك فَيِهتَزُّ جِسمُك كُلهُ وكأنكَ تُصافِحُ مُصارِع ؛ ثُمَّ يَبتِسِمُ إبتِسامةً خفيفةً وهو يَنظُرُ إليكَ بِحِدَّة ثُمَّ يَتَكلَّم ولكنْ لا تَفهَم ماذا يقول :
لكن حينَ يُترجمُ لك الكلام ، تفهم أنّهُ يُرحبُ بك ويدعوك إلى بيته ، فتكتَشِف مع مُرور الوقت أنَّ خلف تلك الصُورة المخِيفة والمُرعِبة رجلٌ طيبٌ ونبيلٌ وكريمٌ يكادُ يُعطِيكَ كُل ما يَملِك فَيُخَيَلُ لك أنّه حُمَلٌ وديع ؛ لكِنّهُ إذا شَعَرَ بِالظُلمِ فإنهُ يُصبِحُ أسدٌ جائِعٌ فيجبُ عليكَ أن تتعَامل معهُ بحَذَرٍ وحِيطة ، فهو يَقْبَلُ الموت بسهولةٍ ولكنّه لا يَقبلُ الذُلَّ أبداً …
بعد أن نقلنا كلمات مهندس البترول البُلغارِي التي تُكتبُ بماءِ الذهبِ فقد كان لَمَّاحَاً ذكياً أميناً في نقله لِسمات الإنسان العَربِي بشكلٍ خاص والعِراقي بشكلٍ عام نُسلط الضوء على كيفية بِناء بيوت ومرافئ شركة عينْ زالة .
للحديث تتمة …