قام القانون بتعريف العنف الاسري بشكل فضفاض يلغي تماماً أي سلطة فعلية للوالدين او من يقوم مقامهما لتوجيه الأولاد او قيادة الأسرة , مفترضاً مثالية تامة لعقل المراهق الشاب او الفتاة او حتى الزوجة , وهو ما ليس له مصداق سوى في الامام المعصوم قطعا .
ومن الغريب أن يقوم مثل هذا القانون بإعطاء تعريف شجري للأسرة بعد أن الغى وجودها عمليا , فجعلها لا تتعدى في دورها فندق البوفيه المفتوح لأفرادها . وهو ما سيجعل الآباء يفكرون جدياً في العائد الفعلي لتكوين اسرة لا يملكون توجيهها . وبالتأكيد سيقلل الرغبة في الزواج تدريجياً ويزيد من فرص الانحراف .
ويقوم على تسليم المراهقين والنساء بيد لجان حكومية اعتاد الشعب العراقي على فشلها في مختلف القطاعات منذ عقود , وعلى احتياج أعضائها الى تقويم وتوجيه مستمر وغير متوفر على الدوام , فكيف يمكن التسامح والمجازفة في تسليطها على الأسر الكريمة .
ولا نعرف من اعطى لمراكز إيواء يشرف عليها الغرباء عنوان ( آمنة ) في مجتمع نخره الفساد الحكومي والبيروقراطية والرشى والابتزاز حد النخاع الرسمي .
وهل قام المشرف على كتابة القانون بدراسات فعلية على أرض الواقع لمعرفة نسب العنف الأسري الحقيقية , وهل يمكن تعميم قانون خطير بإمكانه هدم المجتمع العراقي كله بسبب وجود حالات ربما تكون شاذة . بمعنى هل خضع المشرع لرؤية فنية واكاديمية .
وإذا كان بعض وزراء العمل والشؤون الاجتماعية السابقين قضوا مدة وزارتهم وهم لا يعلمون بوجود ايتام يتعرضون للإهمال وسوء الرعاية داخل مؤسسات الوزارة حتى تم فضحهم اعلامياً فكيف يمكن تسليطهم على شؤون الأسر العراقية كلها .
واذا كان الشعب العراقي قد خرج معلناً فساد السواد الأعظم من المدراء العامين وكذلك عدم تخصص الكثير منهم , فكيف يتم تسليطهم ايضاً على نظام الأسرة . الا كان ذلك عن قصد وتعمد .
اما منظمات المجتمع المدني فهي من أخطر ملفات استباحة العراق ويقوم أغلبها على التمويل الأجنبي , فمن الذي يضمن عدم تنفيذها لسياسات تخريبية في العراق , لاسيما مع قدرتها المالية على رشوة ( اللجنة العليا لمناهضة العنف الاسري ) لاختيار احداها وترك الأخريات الأقل قدرة مالية . كما حدث في كتابة مسودة القانون تحت إشراف ناشطة مدنية هي ( هناء ادور ) لا تؤمن بأي قيمة من قيم المجتمع العراقي صراحة .
ورغم ترك القانون الباب مفتوحاً للتدخل الأجنبي في رسم سياسات الاسرة في العراق , الا انه اهمل تماماً أي دور للدين او القبيلة , وهم اهم وجوه المجتمع العراقي الثقافية . وقد يقول قائل إن بإمكان هذه الفئات التدخل من خلال عنوان منظمات المجتمع المدني , الا اننا من خلال التجربة نعلم يقيناً ان المنظمات الوحيدة القادرة على الدخول داخل هذا الواقع الحكومي هي التابعة للسفارات الأجنبية او التي تدفع مقابل مادي كرشوة .
ومن مضار هذا القانون الواضحة نقل النساء والفتيات والمراهقين خارج كنف الأسرة وجعلهم تحت اشراف الغرباء . وهدم سقف القيمومة الأبوية التي تردع المراهقين عن ارتكاب السوء او مرافقة اصدقاء السوء , ومن ثم ستزداد الجريمة تدريجيا . وإعطاء النساء – اللواتي يتميزن بالعاطفة أكثر من العقلانية بحسب فطرتهن – الأفضلية في هيكلية المنظومة الجديدة , وبالتالي نتوقع قرارات وسياسات متسرعة واحادية الفكر .
ومن نصوص ديباجته وسبب تشريعه يتضح أنه اريد له إرضاء الغرب الذي هو ما يقصد به المجتمع الدولي عملياً وفق المعطيات المعاصرة والحالية .
وطرح القانون في هذا التوقيت متعمد لا شك , لانشغال الناس بهموم التغيير السياسي , وخلط الأوراق في معرفة المفسد من المصلح .
وهذا ما يذكرني بتمرير الاحتلال الأمريكي لقانون إدارة الدولة الذي هيمن على كتابة الدستور الدائم للعراق بعد اختلاق أحداث النجف مباشرة , حين تم استفزاز التيار الذي شارك في كتابة هذا القانون الغريب اليوم . وبتعاون خفي بين خصمي تلك الاحداث .
وقد تمت صناعة أجيال من الساذجين البليدين بدقة وصبر , من خلال الإعلام الممول والموجه . لإيجاد الأرضية المناسبة لطرح مثل هذا القانون , ومن ثم رؤية ثمرته التخريبية عمليا .
وفي عودة للتاريخ الظالم لا نجد المرجعيات الدينية الأكثر رسمية ومن يتحدث على المنابر الدينية المليونية اعلامياً او النخب الفكرية او زعماء القبائل يملكون رؤية تنويرية حول هذا المشروع الخطير . كما كان الامر في القرون العثمانية المظلمة التي خربت العراق في فكره واجتماعه . فالقانون مخالف للدستور في كثير من نصوصه , ومخالف للثوابت الدينية , ومخالف للقيم القبلية , ومتعارض مع الفلسفة الشرقية لتنشئة الأسرة . ويلغي عملياً النص الدستوري الذي يتيح للوالدين حق تربية أبنائهم . ويتيح للمراهقين فرص كبيرة للانحراف والابتعاد عن الرقابة الابوية ومن ثم الالتحاق – بعد نبذ الأسرة والأقرباء – بالعصابات لضمان الحماية والقوة . ويترك البنات فريسة سهلة لضعاف النفوس في مراكز الشرطة ومراكز الإيواء الحكومي . ويمكّن الأبناء من ممارسة علاقات شاذة علنية غير مسبوقة في مجتمعنا , لا تعطي فرصة للأهل سوى التبرؤ من أولادهم او صنع ما هو اخطر بهم لتجنب العار والإساءة الاجتماعية امام قانون لم يأخذ تأثير هذا العنف المعنوي في المجتمع على الابوين والاخوة والاقارب .
والقانون – بصورة غريبة – لم يرد سوى انتزاع الابن والبنت من حضن الاسرة وتركهما للمجهول , دون وجود توصيف لما بعد هذا الإجراء . مستغلاً لغة عصرية تريد التلاعب بأفكار الشباب الصغار , ومن ثم اخراجهم من الرعاية الابوية الى غياهب الدخول في المجهول . دون أن يمتلك القانون أي توصيف لحمايتهم من الانحراف لاحقا . لذلك هو لم يكلف نفسه توصيف جرائم العنف الأسري بصورة تفصيلية لتمييزها عن مظاهر التربية .
واذا كان المجتمع العراقي المتدين والقبلي قد وبنسبة ضئيلة يتسامح في إيواء الذكور في تلك المراكز الحكومية المقترحة , فكيف يمكنه قبول انتزاع الإناث اليها . الأمر الذي يعني عملياً قتلهن او قتل موظفي تلك المراكز , أو على الأقل التبري منهن , كما تحدثنا تجارب الواقع . وإذا كانت اليوم الأقسام الداخلية للطلبة والطالبات تتسبب في انحراف الكثيرين , وهي جزء من الحرم العلمي , فكيف هي الحال المتوقعة في مراكز تشرف عليها دوائر تتعامل مع الإجرام .
ولماذا تم الاقتراح اصلاً اذا كانت القوانين الجنائية العراقية متكفلة بكل اعتداء على أي مواطن بغض النظر عن جنسه وكينونته . الا اذا اريد فقط من القانون الجديد تفكيك الاسرة . لاسيما مع منح الحق لاي طرف غريب عن الاسرة ان يتقدم بدعوى ضدها تحت عنوان وجود عنف اسري , الامر الذي يدخلها في فوضى الابتزاز .
ان فكرة القانون قائمة على تفكيك واحدة من أهم قلاع الصمود العراقية وهي الاسرة . من خلال استغلال التيار المقتدائي الباحث عن النفوذ والمال , والذي وافق بلا تدبر كما هو معهود . اذ كانت رئيسة اللجنة البرلمانية حينها من التيار ( لمى الحلفي ) , والتي هي مصداق تام لمن خاطبهم السيد مقتدى الصدر من على منبر الجمعة في الكوفة بأنهم ( جهلة جهلة جهلة ) , فهي صاحبة مقولة ( ان القرآن لا يناسب عصر الفيسبوك ) . وقد شاركت في كتابة مسودة القانون المقترح تحت اشراف ( هناء أدور ) , التي هي بدورها تلميذة – من خلال مؤسسة الأمل في ألمانيا – للشيوعية ( نزيهة الدليمي ) التي كتبت قانون الأحوال الشخصية العراقي الذي تجاوز حينها كل القيم الثقافية المحلية العراقية . لذلك يمكن عد وجود التيار من اهم الفرص التي تسنت للسياسة الأمريكية في العراق . فلا غرابة ان نجد حالياً البلد تحت ادارتهم هم والسفارة الامريكية من خلال شراكة نفعية آنية للتيار تقوم على سلب المال العام وإقصاء المنافسين , ونفعية بعيدة المدى للأمريكان من خلال أدواتهم ودماهم المحلية كمصطفى الكاظمي – الذي كان يزود البريطانيين بوثائق مهمة عن العراق بحسب تصريحات السفير البريطاني في باريس – وغيره من سياسيين وتجار ومنظمات مجتمع محلية ظاهرية . يسندهم جميعاً الإعلام الممول والسذاجة الشعبية المصنوعة من خلال برامج اجنبية ومحلية خاصة .
وفكرة تمزيق الاسرة في زمن تم خلط أوراقه من الممكن بسهولة تطبيقها , من خلال الإعلام المكثف , واستغلال الجيل المراهق , والزوجات اللواتي تتلاعب العاطفة بمزاجهن , والآباء غير الواعين . وبكل الأحوال القانون قادر على تفكيك الأسرة , وبسببه سوف تقتل نساء عديدة , وسوف يطرد الكثير من الشباب المراهقين خارج أسرهم ويتم نبذهم . لذلك هو مربح للاعب الأجنبي في كل صوره المفترضة .
ومن الغريب ان تتم كتابة قوانين تخالف الشريعة الإسلامية في زمانين تشتهر فيهما مرجعية كبيرة اعلامياً , مثل مرجعية السيد محسن الحكيم الذي تم في زمانه كتابة قانون الأحوال الشخصية بيد الشيوعيين وإلغاء المحاكم الإسلامية , ومرجعية السيد علي السيستاني اليوم .
واذا كانت المؤسسات الدينية المتنفذة سياسياً واعلامياً , والأحزاب ذات العنوان الديني , والنخب القبلية , قد فشلت في سن قانون إسلامي واحد , سوى قانون التحكم بالأموال من خلال الوقف الشيعي , فلا بأس ان تخجل من امامها وتاريخها وشهدائها وان تتصدى لمثل هذه القوانين المقترحة لتفكيك عرى المجتمع المسلم .
ولا يمكن للجيل الذي أخذ عن السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قيم الإسلام والوطنية تصور ان يكون ولده ملاذاً لمثل هكذا قوانين مخربة . الا ان واقع ما عليه التيار من تحالف مع الشيوعيين بلا جامع فكري مشترك , وبعد ان صار اتباعه اكبر عصابة منظمة لسرقة المال العام تحت عنوان مجهول المالك , ووصل بهم الأمر إلى قتل وسرقة التجار تحت عنوان اخذ مال الأغنياء وتوزيعه على الفقراء , والذي تحول جميعاً في الحقيقة الى مجمعات تجارية ومولات وعربات مدرعة وقصور للمتنفذين من قادة عصابات التيار , كل ذلك يخبرنا عن السهولة التي من الممكن ان يقاد بها هذا التيار الى المجهول , ومن ثم يقود الناس إليه . لكن يمكنه اليوم فقط ان يثبت انه يخجل من مقام الشهيدين الصدرين ويرجع في لحظة ما الى رشده .
وإذا كان الاكراد ساهموا تاريخياً في خراب وتدمير كل حيثيات المجتمع الجنوبي الثقافية والاقتصادية من خلال عملهم كأداة عسكرية للعثمانيين الظلاميين لأربعة قرون , فلا بأس أن يتذكروا كيف غدر بهم العثمانيون بعد تلك القرون وفككوا كل اماراتهم وقاموا بتذريتهم . ولن يكون حالهم من الغرب – الغادر في كينونته – افضل . فعليهم ان يكونوا اكثر وعياً ويحترموا ثقافة إخوانهم في الوطن اذا شاءوا أن يتنكروا لعقيدتهم وثقافتهم هم , حتى يجدوا من يلجؤون اليه اذا غدر بهم الزمان . فداعش صناعة أمريكية تم رميها الى الشارع في فترة وجيزة بعد تغير المعادلات الدولية .
ان المشاريع التخريبية الفكرية أخطر واضخم من المشروع العسكري للغرب في العراق , فعلى جميع المؤسسات والنخب والأحزاب والفصائل ادراك ان حماية الأسرة أكثر خطراً واهمية من حماية الأرض .