17 نوفمبر، 2024 7:00 م
Search
Close this search box.

التطرف الديني

ظاهرة دينية ذات توجه سياسي تنشأ بسبب المطالبة بالتطبيق الحرفي للعقائد الدينية يتبناها مجموعة من المتشددين تدفعهم رغبة القيادة والتسلط . إن الدين عبارة عن منهج عقائدي مطروح للجميع ، وهو كأي منهج آخر في الحياة ، لابد أن يتضمن مديات معينة من الأفكار والمفاهيم والرؤى والحلول والضوابط والتشريعات تتسع أو تضيق استنادا إلى طبيعة الظهور الأولي ، أو بتحريك من عوامل داخلية أوخارجية . والمقصود بالتطبيق الحرفي للعقائد الدينية هو إلزام الناس ، متدينين أو غير متدينين ، على قبول الحد الأعلى (المتطرف) من مديات تلك العقائد ، أو التركيز على قشور الدين ، وبخلاف ذلك سوف ينزل بهم القصاص في الحياة الدنيا قبل الآخرة . والحقيقة أن جوهر أي دين لا يتضمن إيقاع الأذى بالناس أو إلحاق الشر بهم ، بل على العكس ، عادة ما تنسجم العقائد الدينية مع كل ما تحتويه أخلاق الأمم من قواعد مناسبة لتنظيم السلوك وتقويمه وإقامة مجتمع خال من الصراعات تنتشر فيه قيم العدالة والتسامح والإخاء ، فضلا عن فرصة التمتع بالحرية ورفض التسلط . ولكن الوقائع التاريخية أفرزت أن التطبيقات الدينية قد تنحرف عن مسارها في بعض الأحيان ، والخلل قطعا ليس في مبادئ الدين وإنما في أساليب تطبيقه من قبل أناس لبسوا رداء الدين واتخذوا هيئة المصلحين وتسلطوا على رقاب الناس عوضا عن توعيتهم وتعريفهم بأصول وتطبيقات الدين . لقد أثبتت المشاهدات التاريخية إن وسيلة المتطرفين في الدين للوصول إلى غاياتهم عادة ما تتم عن طريق “القتل” أو التصفيات الجسدية أو الحروب ، والعجيب في قضية التطرف الديني هو عدم القيام بتصفية خصوم محددين ، عندما يتطلب الصراع نوعا من المعالجة ، وذلك لعدم تحديد هوية الخصم بشكل واضح لكي تتحدد إزائه ما يلزم من تصرف يفضي إلى صراع . ففي كل مجالات الحياة تقريبا هناك صراع بين بني البشر نفسهم ، وبالتالي تتحدد معالم الخصوم بشكل جلي ، كما نلاحظ ذلك في صراع الأحزاب السياسية فيما بينها مثلا ، أو صراع الحكومات مع المعارضة … الخ . ومن النادر أن تفضي هذه الصراعات إلى ظهور حالات أو وقائع من التصفيات الجسدية أو تحصل حروب عارمة وطويلة ومدمرة بسبب صراع سياسي محض . أن الغالبية العظمى من حروب البشر جاءت بسبب صراعات دينية أو طائفية لاسيما الحروب الأهلية على مدار التاريخ . والدافع الرئيسي في ذلك هو التطرف الديني . وفي عصرنا الحالي عادة ما تفضي  نتائج التطرف الديني إلى حدوث الإرهاب ، وهو قتل الناس العزل والآمنين قاطبة من غير تفريق ، وبوسائل وحشية لا يراعى فيها ما يسمى بأخلاق الفرسان في مجرى الحروب في العادة ، ليس لسبب إلا لكونهم ينتمون إلى تلك الجهة المعادية أو ذلك  البلد المعادي . ومن الجدير بالذكر فإن التطرف الديني في هذا الزمان غالبا ما ترعاه دول داعمة للإرهاب العالمي سواء بشكل علني أو بشكل مخفي ، ويستخدم من قبل أجهزة مخابراتية لتلك الدول كوسيلة لإدارة الصراع مع العدو . ومن الغريب أن تتبارى إلى ذلك دول تدعي الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في الدعاية والإعلام لكنها تخطط وتنفذ بشكل سري أجندات تؤدي إلى إشعال الفتن الدينية والطائفية أو تنفيذ عمليات عن طريق عملاء مدربين تحت ذريعة التطرف الديني ، الأمر الذي يؤدي إلى  ردود أفعال كارثية لا يحمد عقباها على الأغلب .  هذا ويستخدم الآن إرهاب التطرف الديني كأحد الوسائل الناجعة في تنفيذ أكبر مسرحية في التاريخ ، مسرحية لعبة الأمم ، فعوضا عن إدارة الصراع التقليدي بشكل مباشر وجها لوجه ، يتم اللجوء إلى تطبيق المبادئ الميكافيلية في تنفيذ الأجندات التي تخدم مصالح هذه الدول دون مراعاة للقيم والمبادئ الأخلاقية المعروفة ، حيث توظف أساليب الخدعة والإيهام والتمثيل والتستر والكذب … الخ في إدارة حلبة الصراع . وتقوم بهذه الفعاليات مؤسسات وهيئات وأجهزة مخابرات متمرسة تصرف عليها أموال طائلة تسرق بعد ذلك من جهود هذه الشعوب الضحية وحكوماتها الضعيفة والجبانة . لذلك فإن على شعوب الدول الضحية أن تنجب مفكرين عظام على شاكلة سقراط وأرسطو وأفلاطون وكانت وهيجل وروسو وفولتير وشوبنهاور وأينشتاين … الخ للغوص عميقا والبحث في أسرار لعبة الأمم المتخفية وسبر أغوارها وتقديم الحلول كما فعل هؤلاء الفلاسفة والعلماء في البحث عن الحقيقة الموضوعية وإدراك الوضوح في هذا العالم الداكن .

[email protected]

أحدث المقالات