18 ديسمبر، 2024 10:13 م

الدولة العراقية وسذاجتها المفرطة في إختيار كبش المحرقة !

الدولة العراقية وسذاجتها المفرطة في إختيار كبش المحرقة !

وأخيرا ، وبعد طول إنتظار ، ظهرت نتائج تحقيق اللجنة التي شكلها السيد الكاظمي حول جرح وقتل متظاهرين في حركة تشرين التي ارتفعت وتيرتها منذ يوم الأحد الماضي ، حيث إعترفت وزارة الداخلية بتورطها بمقتل وجرح المتظاهرين بواسطة بنادق صيد ، وأن ثلاثة من المنتسبين هم المتورطين بعمليات القتل ! ، طيّب ومَن أحرق خيم المتظاهرين بصورة ممنهجة وشبه يومية منذ ما يزيد على 10 أشهر ! ، مَن قتل أكثر من 600 شهيد بعمر الورود ! ، مّن المسؤول عن إختطاف ما يزيد عن الألف شخص من المتظاهرين والصحفيين ولا يزال مصيرهم مجهولا ، مُن صوّب بنادق دخانية فريدة من نوعها على مستوى العالم من ناحية الوزن والفتك على رؤوس المتظاهرين فتفتحها وتسيل الأدمغة منها على أسفلت الشارع ؟! ، وماذا عن ارتال السيارات المسلّحة التي إرتكبت مذبحة ساحة الوثبة ليلا ، وبتسهيل وترحيب السيطرات ؟! ، أين المسؤولون عن جرح وإعاقة أكثر من 20 ألف جريح ؟! ، هل صار هؤلاء المنتسبين العروة الوثقى ، لحبل يُنشَر عليه كل الغسيل الوسخ المتراكم والذي يسد عين الشمس والمغموس بالدم ، لقد إستخفت الدولة بكل ما يخص المواطن، لكن هذا الأخير لن يسمح لها بالإستخفاف بذكائه ، يعلم جيدا ، إنها خطوة مرحلية ربما لإمتصاص الغليان الجماهيري وإلهائه أن ثمة تحقيق جارٍ ولو إلى حين ، لكن هذا لن يحصل ، وهو يرى حكومته تقدم أكباش محرقة ، وتترك المجرمين الحقيقيين الأكبر من أكبر رأس في الدولة ، لكن هذه الطبقة مرعوبة ، وإلا ما قامت بتهديم قبر أبرز شهداء ثورة تشرين (صفاء السّراي) مرارا في وادي السلام ؟ ، فهم يرتعبون من مجرد رمز ساكن من رموز هذه الإنتفاضة .

حدث كل ذلك رغم التوجيهات (المشددة) إعلاميا بحماية المتظاهرين ، هذا يعني إما أن وزارة الداخلية منفلتة ولا تقيم وزنا لتوجيهات المراجع العليا ، وهذا محتمل طالما كانت الوزارات نفسها تُدارمن قبل عصابات تابعة لأحزاب أو إمبراطوريات مختلفة فلا توجد بها سلسلة مراجع منضبطة ، أو أن تلك التوجيهات كانت للإستهلاك الإعلامي فقط ! ، والأدهى ، كيف يمكن لمنتسبين أن يحوزوا على بنادق صيد مع كيس من الخراطيش دون علم آمريهم المباشرين أو رؤسائهم سوى الإنفلات وغياب الضبط والربط ، كيف سنضع ثقتنا في وزارة أمنية منفلتة ؟! ، أسلوب ساذج للغاية ، ومحاولة يائسة لأمتصاص النقمة التي بلغت حلقوم العراقيين ، فالأمر أكبر بكثير من مجرد نقل مدير شرطة من محافظة هنا ، أو طرد ضابط أمن كبير من إدارة أمنية هناك فهذا هو التخبط بعينه .

مسألة ساذجة للغاية تخص جرائم كبرى أكبر بكثير جدا من مجرد أفراد منتسبين ، فهذه (اللوبيات) أو العصابات هي من خلعت السيد عبدالمهدي بعد ضغط شعبي هائل ، وهي من أتت بالسيد الكاظمي الذي لا يبدو مختلفا عن سلفه ، فلا يُعقل أن يكون رد الجميل بفضحهم ، خصوصا وأن هذه الإمبراطوريات لها أذرع دولية وإقليمية ، ولها مكاتب إقتصادية في غاية الثراء ، بإمكانها شراء كل شيء ، خصوصا الضمائر والمدلسين ووعاظ السلاطين الذين خلعوا عليهم صفة (القدسية) والخطوط الحمراء ، وكثيرا منهم من يستعين بالوراثة ، وبالنضال في المنتجعات ، إلى درجة أن يعيّرونا بها ! ، ولأول مرة أسمع أن للنضال ثمن باهض يجب قبضه حتى لو أقتضى الأمر بإفقار شعب بأكمله ونهبه ، وسلبه حتى الثوب الذي يرتديه ، وهذه التظاهرات هي مصدر التهديد الوحيد لهم ، وسيستميتون لأجل قمعها مهما كلف الأمر ، فلو كُتب لهذه التظاهرات النجاح بإذن الله ، ولو كان القضاء لدينا حيّا فاعلا ، ما بقي أحد منهم يدنّس أرض البلد !.

أنتهت مهلة 72 ساعة تلك التي رصدها السيد الكاظمي ، بنتيجة مخيبة للآمال ولا تقنع حتى المتخلف عقليا ، تذكّرنا بمهلة 72 ساعة ، تلك المهلة التي حددها السيد الكاظمي للقبض على قتلة الشهيد هشام الهاشمي ، ووضع إمكانات وزارتين للتحقيق ، هي الدفاع والداخلية ، وأنتهت بعد مرور ما يقارب الشهر ، مثل زوبعة في فنجان ، رغم وجود حس أمني مُفترض لدى السيد الكاظمي كونه مدير مخابرات سابق وقبلها صحفي، وكلمة (مخابرات Intelligence) مشتقة من الذكاء ، وهذه المفردة غير متوفرة لدى معنيين أبعد ما يكونون عن المهنية .

يظهر السياسيون على التلفزيون ، كلٌ يلعن الآخر ونحن نعلم أن كلاهما ملعونان ، وأحيانا ينتابنا الأمل ، فلربما يمتلك هذا السياسي ما لا يمتلكه غيره ، هو الجرأة والإرادة ، وهاتان أول صفتان يجب أن يتصف بهما سياسي ، وهو يسرد جرائم كبرى في التآمر والفساد فلربما يفضح بعض الأسماء ، وعندما يطلب مدير اللقاء إسما ما ، يعلق الضيف السياسي بعبارة مكروهة سمجة (لا أستطيع ذكر الأسماء) ! ، هكذا هو حالهم دائما ، فهم بعيدون كل البعد عن تسمية الأسماء بمسمياتها ، وتدربوا على المراوغة والتفلت ، ولو ظهرت قوائم أسماء الفاسدين ، لوجدنا أسماء كل مَن تصنّع الحرص على الوطن ، منقوشة بالعار ، فإذا لم يكن بمقدور سياسي ما أن يذكر اسماء الفاسدين والقتلة واللصوص ، فكيف إئتمناه وأجلسناه على كرسي صنع القرار بحق الجحيم ؟! .