القسم الرابع
بدأ الرئيس الأسبق المرحوم جلال الطالباني حديثه في الفديو الخاص بتأسيس الدولة العراقية عام 1920 وعلاقة ذلك بالحركة الكردية المسلحة ، ببيان وجوب التذكير بالحقائق ، مبينا أسباب النسيان وعدم المعرفة من وجهة نظره الحزبية والسياسية الفاقدة لمقومات المهنية التأريخية ، لأن كيفية معرفة الحقائق في ظل تطور سبل ووسائل تبادل المعلومات أصبحت مما لا يصعب الوصول إليها ، خاصة من قبل المختصين أو المهتمين بالبحث عن الحقائق ، أما بشأن مرافعته في مجلس الحكم الذي باع العراق ماضيا وحاضرا ومستقبلا فلا جدوى منها ، حين يقبل أعضاؤه القول بأن كردستان كانت تسمى ولاية الموصل ، في الوقت الذي كان العراق يتكون من ثلاث ولايات هي ( الموصل وبغداد والبصرة ) منذ زمن خضوعه للدولة العثمانية ، وأن المناطق المجاورة لولاية الموصل شرقا مثل أربيل والسليمانية من ضمنها وليس العكس . وذلك هو واقع الحال قبل تأسيس الدولة العراقية سنة 1920 ، أما موضوع الإستفتاء الخاص بتنصيب الملك فيصل على العراق ، وإستثناء الأكراد من المشاركة في الإنتخابات ، فقد كان مشروطا بأن تكون المناطق الكردية مخيرة في الإشتراك من عدمه ، وألا يؤثر ذلك على قرارهم النهائي تجاه حكومة العراق ومنزلتهم لديها ، وليس منعهم من المشاركة أصلا ، ولأن الموضوع يتعلق بالأكثرية العددية والأغلبية العربية المؤثرة في نتائج الإستفتاء والإنتخابات في تكوين الدولة الفتية ، كما إن القول بأن معاهدة سيفر ( سمحت لكردستان العراق بالإنضمام لكردستان المركزية التي كان لها حكما ذاتيا ) . فذلك من الأوهام غير المتطابقة مع الواقع ، ولا مع ما نصت عليه المعاهدة من أن ( الدول الحليفة الرئيسة ، لن تضع أي عراقيل بوجه الإنضمام الإختياري للأكراد القاطنين في ذلك الجزء من كردستان الذي لا زال حتى الآن ضمن ولاية الموصل إلى هذه الدولة الكردية المستقلة ) ، والتي يقصد بها حكومة محمود الحفيد في السليمانية كما سيأتي بيانه ، إضافة إلى إعلان الحكومتان العراقية والإنكليزية سنة 1922 على تشكيل حكومة للأكراد بحيث ( تعترف حكومة صاحب الجلالة البريطانية والحكومة العراقية معا ، بحقوق الأكراد القاطنين ضمن حدود العراق ، في تأسيس حكومة كردية ضمن هذه الحدود ، وتأملان أن الأكراد على إختلاف عناصرهم ، سيتفقون في أسرع ما يمكن على الشكل الذي يودون أن تتخذه الحكومة وعلى الحدود التي يرغبون أن تمتد إليها . وسيرسلون مندوبيهم المسؤولين إلى بغداد لبحث علاقاتهم الاقتصادية والسياسية مع حكومتي انكلترا والعراق ) . وعبارة تأسيس حكومة كردية ضمن حدود العراق لا تعني تشكيل دولة ، حسب قول المرحوم الطالباني الموجه لمجلس الحكم ، بأن ( أعطينا الحق من قبل العراق والإنتداب البريطاني بتشكيل دولتنا ، وتأتون بعد 82 سنة وتناقشونا على الفدرالية ، المفروض تقبلوننا وتكونوا ممتنين لمطالبتنا بالفدرالية بعد 82 سنة من حق الإستقلال ) ، وتلك وما أعقبها من التخرصات التي تتقاطع مع الواقع الفعلي ، حيث أوصت لجنة التحقيق في سنة 1925 ، على أن تبقى الموصل جزءا من العراق ، مع شرط بقاء الإنتداب البريطاني على العراق لمدة 25 سنة ، لضمان حقوق الحكم الذاتي للسكان الأكراد . وعلى الرغم من أن تركيا قد وقعت على معاهدة لوزان في سنة 1923 القاضية بقبول قرارات العصبة ، إلا أنها رفضت قرار العصبة وشككت في سلطتها . لتحال القضية إلى المحكمة الدائمة للعدل الدولية التي أقرت بأن قرارات العصبة المتخذة بالإجماع يجب قبولها . وعليه وقعت بريطانيا والعراق وتركيا في 5/6/1925 على إتفاقية منفصلة تبعت قرار مجلس العصبة ، ووفقا لهذه الإتفاقية ألحقت الموصل بالعراق . كما حلت عصبة الأمم في عام 1926 النزاع بين المملكة العراقية وتركيا للسيطرة على محافظة الموصل . وقد مثلت بريطانيا العراق في الشؤون الخارجية وفق الحق الذي منحته إياها العصبة في الإنتداب البريطاني على العراق منذ سنة 1920. وعلى الرغم من إنتماء الموصل تاريخيا إلى العراق ، كانت الحكومة التركية الجديدة قد أعلنت أن الموصل هي جزء تأريخي من تركيا . فأرسلت عصبة الأمم لجنة تحقيق تتألف من أعضاء من بلجيكا والمجر والسويد إلى المنطقة لدارسة هذ القضية ، لتجد عدم رغبة السكان في أن يكونوا جزءا من تركيا أو العراق ، لكنهم يفضلون العراق إذا وجب عليهم الإختيار بين الإثنتين .
*- إن المدرك لحقيقة معاهدة سيفر بفصل الولايات العربية عن الدولة العثمانية فقط ، لا يؤمن بما قرره المؤتمر خارج تلك المهمة ، لأن على الدول المهزومة في الحرب أن توقع على الوثائق بعد إعدادها ، والسلام مفروض فرضا ولم يكن نتيجة مفاوضات . ودول المؤتمر غير مسؤولة عن لزوم التنفيذ فيما يتعلق بالأقليات في الدول المهزومة أو التي خارج بلدانها ، ولعل عصبة الأمم التي تأسست عقب مؤتمر باريس للسلام عام 1919 ، قد حددت حماية الأقليات العرقية في أوروبا ( وليس في غيرها ) . وغالبا ما قام البعض بتحدي قراراتها وأظهر إحتقارا واضحا لها ولمن أصدرها ، فجاء مثلا رد موسوليني في إحدى القضايا بقوله ( إن العصبة لا تتصرف إلا عندما تسمع العصافير تصرخ من الألم ، أما عندما ترى العقبان تسقط صريعة ، فلا تحرك ساكنا ) . وبذلك أثبتت العصبة عجزها عن حل المشكلات الدولية وفرض هيبتها على جميع الدول دون إستثناء ، خاصة عندما أخذت دول معسكر المحور تستهزئ بقراراتها ولا تأخذها بعين الإعتبار . إلا إذا إتخذت من قضايا الأقليات عصا للتلويح بها لمن يخالف إرادتها وعدم تحقيق مصالحها ، بتحريك الأقليات لتهديد أمن وإستقرار من يعارضها من بلدانها ، وما تشبث بعض تلك الأقليات بها وكما في موضوعنا ، إلا لإثارة الضجيج الإعلامي الذي تخشاه الدول الضعيفة وتنصاع لأمره ، وإلا فما كان بشأن الأكراد في إيران وتركيا اللتان لم تمنحا الأكراد لديهما بعض البعض مما منحه العراق للأكراد القاطنين على أرضه ؟!. إلا محاباة وتكريما ؟!.