بعد سقوط حكومة طاغية البعث عام 2003، وتحول مسار العملية السياسية في العراق ، سعى الأمريكان لوضع العراق وقادته السياسيين “الشيعة منهم حصرا” تحت معادل ظالمة هي إما الرضوخ الكامل للإرادة الأمريكية واالتعامل حصرا معها استنساخا لتجربة الخليج، أو تكون النتيجة غضب الدولة الألهة (أمريكا) ومن ثم العمل على نسف التجربة السياسية وتخريب قواعدها وأسسها، وتغيير توازنات القوى المكونة لها.
السبب الرئيسي الذي قاد الأمريكان للعمل بالخطة الثانية البديلة مباشرة، ملاحظتهم التفاف الجمهور الشيعي حول قياداتهم بعد سقوط الطاغية، وهذا “الالتفاف” مع اندماج العراق بسبب ظرفه الجيوسياسي- العقائدي مع محاور الصراع في المنطقة، قاد المحتلين ومنذ البداية، التبني وجهة نظر مفادها أن مشروعهم في العراق لن يقوم به ويساندهم فيه إلا السنة.. لذا كانت حربهم شعواء ضد قادة الشيعة..
قادهم هذا لغض البصر عن مئات التنظيمات الإرهابية السنية التكفيرية المسلحة، التي نجحت في إدخال العملية السياسية في دوامة عنف وإرهاب وتفجير وتخريب، استنزفت مقدرات الدولة للدفاع ضدها.. فما بين صراع الإرهاب الطائفي وما بين استحقاقات الدولة والشعب، غرق الساسة الشيعة حتى أذنيهم، في معادلة قسر وفرض بالقوة حتمتها عليهم، سياسة أمريكية حاربتهم والشعب العراقي معهم، حتى بأبسط مقومات الحياة.. كما في ملف الكهرباء.
مع استمرار المخطط الأمريكي الهادف لإسقاط الحكم الشيعي في العراق، وبعد أن فشلت في كثير من خططها السابقة، إلا أن الشيء الوحيد الذي نجحت به هو إدامة زخم العنف والعنف المضاد، حتى وصلت قطاعات من الشعب لحالة من الملل واليأس واللاأبالية،. هذا دفعهم للتخلي عن أي مبدأ أو قضية تمثل هويتهم وكيانهم..
كان مسلسل داعش الحلقة ما قبل الأخيرة التي عولت عليها أمريكا كثيرا في مشروع مزدوج الأهداف، فداعش إما أنه سيسقط حكم الشيعة ويؤدي الغرض، أو أنه سيديم مسلسل العنف والعنف المضاد الذي سيمكن الأمريكان من إجتذاب جزء من جمهور الشيعة، ممن تصاعدت لديهم حالة النقمة وتم تعبئتهم بحرفية مخابراتية دقيقة، ليكونوا أداة للتصدي لمشاريع تمثل مفاهيم بائسة لا تصلح أن تكون في بلد يعاني الحرب والعداء من كل الجهات، ألا وهي مفاهيم السلم والمدنية ومعلوم أن هذه المفاهيم لا يمكن العمل عليها وتطويرها، إلا في بلدان قد استقرت وتعاهد أهلها على السلم والعيش المشترك، لا في بلد لازال فيه مكون يترحم على قاتل أوغل في دماء المكونات الأخرى!
ساهم الإعلام الأمريكي ولواحقه العربانية الخليجية التكفيرية بهذه المعركة، ومارسوا قسطا كبيرا من عملية الفرض هذه، فكانوا سيوفا مشرعة تنهش جسد المشروع الشيعي تسقيطا وتوهينا وتسفيها، وقد وجدت من عقول الشباب الفارغين من الطبقة الناعمة التي لم تعش زمانات الحرب وتكرهها وتستصعب الثبات من أجل أي قضية أرضية خصبة.. لأجل منهجتهم وبرمجتهم ليكونوا كالببغاء التي تطبعت وتربت على ترديد مقولات العداء للدين وللمجتمع العراقي وثوابته الأخلاقية.
أنطلق كثير من هؤلاء السذج، يسيرون بمسارات رسمت لهم بدقة، ابتدئوها بمهاجمة المرجعية الدينية الشريفة التي أفشلت كثيرا من المشاريع الأمريكية التخريبية في العراق، فتناولوا مواضيع ثانوية يمكن تمريرها على عقول البسطاء، كقضية مصير أموال الخمس والزكاة، التي تستخدمها المرجعية الشريفة لإعانة طلبتها والفقراء والمحتاجين والمرضى وطبع المناهج التي تخدم إعلاء الدين، فكان هؤلاء الشباب السذج يرددون كالببغاء الفارغة ما يتم توجيههم به من قبل السفارة الأمريكية وأدواتها الإعلامية.
تناسى هؤلاء السذج ما للمرجعية الدينية الشريفة من مواقف مشرفة كبيرة، خدمت فيها العراقيين في الجانب المادي والصحي والأمني، وصنعت معاجز في مجال السلم المجتمعي، وحفظت دماء العراقيين في كثير من المواضع، بل وكانت السباقة لمؤازرة المؤسسات الصحية عند انتشار الوباء الكوني كورونا والذي أسقط دولا وجعلها تنهار صحيا، فوجدناها سباقة لبناء المستشفيات وتوفير المواد الطبية التي تعين الكوادر الصحية لمكافحة المرض، بل وقامت المرجعية من خلال كوادر إدارة العتبات، ببناء مستشفيات خاصة بالمصابين بهذا المرض بمواصفات جيدة وبمدد قياسية استثنائية..
مع ذلك نجد أن الإعلام المعادي للعراق ولشيعته، وأدواته المتمثلة أغلبها بالشباب السذج الذين تم غسل عقولهم، لا يذكرون شيئا من هذه الإنجازات، بل وصل الحال ببعضهم أن يقوم بعمليات تحطيم وتكسير للمستشفيات الخاصة بمرضى كورونا.. والتي بنيت بأيدي أنصار المرجعية، مع ما تعانيه مستشفيات البلد من اختناقات كبيرة.
لم يكن حجم الإشادة بجهود المرجعية بحجم التسقيط الذي تعرضت له لسنوات وما زالت، تتلقى الاتهامات من المطبلين أصحاب العقول المؤدلجة ضد المذهب وضد كل مقدس، وقد وصلوا لمرحلة من الاحتقان، حتى أصبح كل شيء داخل النسق الاجتماعي (الشيعي) هو في متبنياتهم العقلية (المؤدلجة) فاسد ويجب اقتلاعه!
لقد تحول تنامي حالة العداء والتقاطع والانسلاخ لدى هذه الفئة الشبابية الساذجة والمسيرة بالرمونت الأمريكي، إلى نوع من العصي الغليظة التي بات الأمريكان يلوحون بها ضد المجتمع الشيعي وقادته الدينيين والسياسيين والأمنيين، لتقوم بدور تخريبي مجتمعي في حالة اتخاذ أي موقف معادي للوجود الأمريكي في العراق، أو مطالبا بمغادرة القوات الأمريكية للعراق وإنهاء جودها وجميع أشكال تكليفها.
يتوهم أغلب هؤلاء الشباب السذج أو ربما صور لهم، أن ما يقومون به، سوف يقودهم لرقي في الحياة، وسوف يحققون دولة منزوعة من كل انضباط ديني وأخلاقي، كالحالة التي يعيشها الغرب.. وقد غاب عن عقولهم البسيطة أن كفاح الأمم للوصول إلى مراحل الرقي، لا يكون بالانقلاب على ذاتها أوالانسلاخ عن هويتها، ونبذ قيمها وأخلاقها واحتقار مجتمعاتها، بل وحتى في دول الغرب ما حصل من تحول وتغير وتحضر، لم ينفي أو يزيح كل الفكر المحافظ الأخلاقي الذي كانت تتميز به تلك المجتمعات في عصور خلت، بل كان هناك تحول وتغير في أفكار سلبية، نحو أفكار ايجابية..
تحول مجتمعنا لما يحلم به كل الشباب وبصورة صحيحة يحتاج لقوة ناعمة، وشباب يحمل وعيا يحترم ثيمته الأخلاقية والدينية والاجتماعية، لا شبابا اتخذوا من التحلل والرذيلة منهجا لهم للتغيير .