عنوان مقالي في أعلاه استقيته من مسرحية الزعيم للفنان عادل إمام، وإذا كان إمام ممثلا، فإن مايحصل اليوم بين ظهرانينا ليس تمثيلا، إذ أن القائمين بالدور جادون فيما يقولون، مع أن المتفرجين متيقنون أنهم يهرجون. ويهرجون هنا حصريا على المتفرج، كما أنهم يضحكون على ذقنه، ويحاولون استغفاله بما تجود به ألسنتهم، من أفانين الكلام وبهلوانيات التمنطق ودهاليز السفسطة.
وأنا أتابع خلال الأيام القلائل الماضية أخبار البلاد “غير الكرونية” لمست أن لاجديد تحت الشمس، فيما يخص الجانب السياسي، وتحديدا مايطرحه رئيس وزرائنا الحالي الكاظمي من تصريحات مستجدة، فالرجل عازم على ما عزم عليه سلفه الزرفي، والأخير عقد العزم ذاته الذي عزم عليه سابقه محمد توفيق علاوي، وهذا بدوره كان قد شمر عن ساعديه ليخوض عزم من سبقه عبد المهدي. وإن أبقينا عقارب الساعة تعود إلى الوراء، فإن العبادي والمالكي لايختلفان فيما عزم عليه سابقوهم في الحكومة الانتقالية.
وهكذا.. فالعملية السياسية في عراقنا الجديد تأبى الخروج من دور المراهقة، وهي لا تعدو كونها انتقاء كلمات ومفردات مزوقة جميلة، وترتيبها بلمسة كاتب متمكن لغويا ونحويا، لتتبلور إلى خطبة أو تصريح أو حتى بيان هام، تتناوله الصحافة ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية، فيما هو في حقيقة الأمر كما يقول مثلنا: “صبّيها كبيّها”. فبداية التصريح كلمات ونهايته كلمات، ومابين هذي وتلك “كلمات ليست كالكلمات” بل هي أحرف جوفاء، ليس لها تطبيق في الواقع، وليس لها صحة أو حقيقة بائنة ولا فائدة تذكر، ولا حتى صدى يسمع، الأمر الذي يذكرني بالأبيات الآتية من حيث خوائها من الفحوى والمعنى والجدوى:
الأرض أرضٌ والسماء سماءُ
والماء ماءٌ والهواء هواءُ
والروض روضٌ زينته غصونُه
والدوح دالٌ ثم واوٌ وحاء
والبحر بحرٌ والجبال رواسخٌ
والنور نورٌ والظلام عماءُ
والحر ضد البرد قولٌ صادقٌ
والصيف صيفٌ والشتاء شتاءُ
والمسك عطرٌ والجمال محببٌ
وجميع أشياء الورى أشياءُ
والمرُّ مرٌّ والحلاوة حلوةٌ
والنار قيل بأنها حمراء
كل الرجال على العموم مذكرٌ
أما النساء فجميعهن نساء
فإن بدأنا بقطع العهود للمواطن في مواضيع عدة، لعل أولها موضوع استقطاعات رواتب الموظفين والمتقاعدين، فإننا لن نقف عند وعود إخراج القوات الأمريكية من الأراضي العراقية، ومابين الأولى والأخيرة حدث ولا حرج من إخلاف المواعيد، ونكث العهود، وحنث القسَم. ويتكرر السيناريو بين حين وآخر في مناسبات عديدة، وعلى صعيد حكومي رسمي وفي تصريحات خاصة، وكأن شيئا لم يكن، ولحى الله الشاعر أبو الدهان الموصلي حين أنشد:
ألقاك كي أشكو فأسكت هيبة
وأقول إن عدنا فسوف أقول
لا أظنني ألام على تسمية مقالي بالعبارة الساخرة للفنان عادل إمام، فمن يصغي إلى مايقول الكاظمي ومن سبقوه فردا فردا، خلال تعاقب تسنمهم زمام أمور البلاد، يجدها كلها (Copy Paste) بأسلوب ببغاوي صرف، بغض النظر عن جانب تنفيذ ما يقال.
إشارة:
“أفغيدور ليبرمان” وزير جيش الاحتلال السابق وزعيم حزب “إسرائيل بيتنا” قال بعبارة يسخر فيها من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتياهو: “الكلب الذي ينبح كثيرا لا يعض”. إياك أعني واسمعي ياجارة.
[email protected]