الاحداث الاخيرة لموضوع الرواتب المزدوجة التي القت بظلالها على الحراك الاجتماعي وما صدر عن البعض من استنكار لعزم الحكومة في منع التمتع باكثر من راتب وترشيد بعض الامتيازات ، وسكوت هذا البعض عما تعرض له شباب التظاهرات التي انطلقت في الربع الاخير من العام الماضي يعيد الى الاذهان صدق الحدس الذي كتبته قبل سنوات من ان العملية السياسية بعد عام 2003 ، لم يكن في اولوياتها بناء وطن، لغياب رؤية وطنية موحدة للقوى التي ادارت العملية السياسية اضافة لعدم امتلاك ايا منها برنامج واضح لبناء وطن يعيد للعراق مكانته الحقيقية بكونه رائدا من رواد البناء الحضاري ، لكن كانت هنالك جهودا استثنائية أنصبت على استهداف فئات معينة من المجتمع ، تحت عنوان رد الاعتبار لفئات اجتماعية ودفع المظلومية عنها جراء معاناتها في ظل النظام السابق، ومع ان الجميع يتفق على ضرورة انصاف المتضررين ، ووفق معايير اقتصادية تضمن حياة حرة كريمة لجميع المواطنين من غير تمايز واسع بين فئاته لضمان السلم الاهلي ، وان اي تفاوت كبير سيخلق هوة ويزرع الاحقاد بين ابناء الوطن الواحد ، اضافة الى انه مخالف للمنطق والشريعة ، خصوصا اذا ما علمنا ان هنالك سابقة تأريخية في موروثنا الاسلامي كانت أحد الاسباب الرئيسية في الفرقة بين المسلمين ، وكان حريا بالقوى الاسلامية التي تسيدت الموقف السلطوي بعد عام 2003 ان تستخلص العبرة من هذه السابقة المتمثلة برفض الامام علي عليه السلام ان تكون هنالك عطايا اضافية حسب اقدمية الايمان وعدد المعارك والحروب التي خاضها المسلمون الاوائل وكذلك عدد مرات الهجرة ، منطلقا من مبدأ ان المساواة في فرص العيش هو احد اركان العدل الاجتماعي ، وان الله هو من يجزي الانسان على عمله ، ومع اننا لا نبخس تضحيات ايا كان من مواطني العراق في ظل النظام الدكتاتوري ، لكن يجب ان نعي درس رفض امير المؤمنين لمبدأ خلق امتيازات لفئات مجتمعية دون غيرها ، ولو قارنا اسباب رغبة الخلفاء بمنح مجاهدي المسلمين بعطايا تمييزية والتي اعترض عليه من حيث المبدأ امير المؤمنين ، لوجدنا ما يبرر ذلك ، فالمسلمون الاوائل قدموا التضحيات وكانوا عنوانا للأنتصارات التي أدت الى تثبيت اركان الدولة ألاسلامية ، في حين لم يكن سقوط النظام الدكتاتوري بأيدي أيا من الاحزاب الحاكمة حاليا لكي يتم التمتع بامتيازات فارهة غير مألوفة ،وانما للأسف بأيدي أميركية كلفت العراق ولغاية اليوم الكثير من دماء ابناءه وامواله وثلمت سيادته وقيدت قراره السياسي وفتحت الابواب للتدخلات الاجنبية ،
لقد حرص السياسيين المشرعين لهذه القوانين على اخفاء تفاصيل امتيازات تلك التشريعات ، مما اطلق العنان لكثير من التكهنات لحجم تلك الامتيازات، وهذا الاخفاء هو اعتراف من حيث لا يدرون بانها مبالغ فيها وانها استئثارية اخفت خلغها عقلية اقصائية ، حيث كانت تتداول مفرداتها قبل تشريعها بين ممن اضطلح على تسميتهم عراقي الخارج او اطراف المعارضة في الخارج ، وكانت ذاكرة الكثير منهم تختزن اوهام خاطئة على انهم الطرف الاكثر ظلما وان عراقي الداخل لم يتعرضوا الى الظلم وانهم جزء من منظومة النظام السياسية والامنية ، وآن الاوان لعكس هذه المعادلة ، لذك كان الكثير من رموز المعارضة الخارجية يسيئون في الحديث عن عراقيي الداخل ويطلق بعضهم عليهم عبارات قاسية وتصل حد التخوين على انهم هم سبب اطالة امد النظام السابق ،
وبسبب قصوروفقدان المشرع للرؤوية الاقتصادية السليمة من أن الاقتصاد العراقي هو اقتصاد ريعي يعتمد بالمطلق على بيع النفط وان الاخير عرضه للتغيرات الدراماتيكية التي يعرف حقيقتها الشخص البسيط ، لذلك لم يدر في خلده ، من هذه هذه المكاسب بأمتيازاتها الجمة قد تكون القشة التي تكسر ظهر البعير وبالتالي احداث زلزال اجتماعي في حالة هبوط اسعار النفط كما حصل الان من رفض شعبي واسع لهذه القوانين الفئوية
ثم ان المشكلة ليست في الامتيازات ذات الرفاهية من علاج مجاني ، وفرص دراسات عليا خارج العراق وقروض بعشرات الملايين و قد تصل مئات الملايين مع وجود فقرات في هذه القوانين تبيح أطفاءها دون تسديد ، اضافة الى حصول اغلبهم على وظائف منتقاة مع تعويض في الدرجات الوظيفية مما اضعف الاداء الاداري المهني من خلال تسلم مناصب دون خبرة ، بل ان هذه القوانين الفضفاضة قد شملت اعدادا ضخمة جدا تفوق الاعداد الحقيقية من الفئات المستهدفة مما جعلها ترهق ميزانية الدولة ، للأسباب التالية:-
– اولها فساد ادارات المؤوسسات المعنية بالامر من خلال اضافة اشخاصا لا تنطبق عليهم الشروط بدافع المنفعة المالية أولتنفيذ رغبات شخصيات سياسية مؤثرة
– استغلال هذه الظاهرة من قبل الاحزاب والاطراف السياسية جميعها بلا استثناء سواءا الديني منها أوالعلماني لأغراض الكسب السياسي والانتخابي ، مما يثير علامات استفهام عن مصداقية الاحزاب في شعاراتها
– تورط اغلب ان لم نقل جميع السياسيين وعلى مبدأ الاقربون اولى بالمعروف في منح اقاربهم واصدقائهم ممن لا تنطبق عليه شروط منح هذه الامتيازات داخل وخارج العراق ، وفقا لأسلوب المكرمة الذي دشنه سابقا صدام حسين
ولا نبالغ ان قلنا بان الاعداد المستحقة وفق مبررات تشريع هذه القوانين لا تتجاوز 35 % في اعلى تقدير
وبدلا من اعادة النظر في الاعداد المشمولة وتدقيقها واستعادة تلك الامتيازات ممن تم شمولهم ظلما وعدوانا على المال العام ومن ثم تهذيب تلك الامتيازات وجعلها موافقة للمنطق والشرع والقوانين السارية ، وحجبها عن الشخص الذي لديه فرصة عمل ، لكي نستعيد التوازن الاجتماعي المفقود والذي ينذر اجلا او عاجلا ببركان شعبي قد يطيح بالكثير من المفاهيم وخلق عداوات نحن جميعا في غنى عنها ( وهذا ما بدا الآن واضحا في سجالات وسائل التواصل الاجتماعي او التجاذبات الاجتماعية والسياسية ،
كما ان أعادة النظر في هذه ألامتيازات فيها شيء من أعادة ألأعتبار لشهداء الحشد والجيش والشرطة والعشائر الذين لو لا تضحياتهم في محاربة داعش ماكان لأصحاب الامتيازات الواردة في قوانين العدالة الآنتقالبة ان يستمروا في جنيها ، في حين هؤلاء الشهداء ممن لبوا نداء المرجعية والكرامة الوطنية وهم الحماة الحقيقيون لم يحصلوا على جزء من هذه الامتيازات بل حتى على الحدود الدنيا من استحقاقاتهم التي تقرها القوانين السماوية والوضعية المعتادة
وبدلا من ان يتحرك كبار القوم باتجاه ضبط بوصلة هذه القوانين وجعلها عامل توحيد للأمة في احلك فترة من تأريخ البلد تحت شعار نتنازل معا لأنقاذ العراق ونبذ الانانية وزرع روح ايثار الفرد من اجل الكل ، وجدنا من يرقص على جراح الوطن فبعضهم ذهب الى الطلب من الموظفين بقبول الاستقطاعات وأبداء التسامح مع الحكومة في اول مقترح لمعالجة ازمة توفير الرواتب ، لكن هذا البعض استشاظ غيضا عندما مست الرواتب المتعددة ، رغم ان جبهته قد اكتوت من كثرة السجود، ومنهم من ذهب الى ابعد من ذلك من خلال مطالبة رئيس الوزراء بالاقتراض وعدم المساس بامتيازات متعددي الرواتب ، وهو يعلم ان ضريبة الاقتراض تعني عبودية العراق بأكمله لسنوات طوال ، اي التضحية بمصير البلد من اجل تمييز مجموعات سكانية على اخرى تعاني شظف العيش ، علما بان جميع بلدان العالم تستدين من اجل مشاريع استثمارية ذات مردود اقتصادي ينفع المجتمع ، اما مشكلة توفير معاشات للمواطنين فعادة ما تكون وفق اجراءات المسطرة الواحدة على جميع فئات المجتمع وخصوصا المسؤولين اولا ، فمن الدول من الغى البرلمانات من اجل توفير الاموال خصوصا وان برلماننا العتيد هو الاكثر رفاهية بين برلمانات العالم ولم يقدم ما ينفع المجتمع اطلاقا غير تعظيم المحاصصة والفساد ، ومنها من باع سيارات ارتال المسؤولين ،في حين تتعزز لدينا اساطيل السيارات ومن الانواع ذات الكلف التشغيلية العالية جدا ، أوحصر السفر والايفاد للطواريء او الحلاات القصوى وتقليل اعداد الموفدين والسفر بالدرجات السياحية ، في حين ايفادات مسؤولي الدولة العراقية لم تتوقف بل نسمع العجب العجاب ، جميع مجالس المحافظات استأثرت بنصف تخصيص المحافظات لأغراض الايفاد مع انه لزوم لسفر ايا منهم ، او قيام المسؤولين باصلاح مؤخراتهم او شد وجوههم لينافسون …
نهمس في اذن رئيس الحكومة ، تجنب الاستدانه من اجل سداد الرواتب لانها ستكون سابقة خطيرة في عمل الحكومة وستكون موضع استهجان حكومات العالم والمؤوسسات المعنية ، وان حل معضاة العراق المالية والاقتصادية تكمن في شيئين فقط ، تغليب روح الارادة الوطنية واخضاع الجميع الى مسطرة العدالة في الرواتب ، وفي المقال القادم سنوضح ذلك