المقصود بها من كَرْكَرَ الشيئَ: أعاده مرة بعد أخرى.
أي أن إعادة تصنيعنا متواصلة عبر الأجيال وبذات المواد الأولية المستهلكة , الفاقدة لقدرتها على الإتيان بما يتوافق وإرادة الحياة بطاقاتها المكانية والزمانية.
ويمكن التوضيح أكثر بأخذ كراسي الحكم كمثل على آليات كركرتنا , وتحويلنا إلى موجودات صالحة للموت والإنقراض.
فالكراسي كما هي لم تتغير , وما يوضع فيها جثث هامدة أو أشكال بذات المحتوى , تعبّر عمّا فيها من السيئات , وما يُحشى فيها من الشرور والموبقات.
فالشكل يتبدل والمحتوى لا يتغير , ولهذا فأن الناعور الفاعل في وجودنا يغرف من ذات المستنقع البهتاني التضليلي الفتاك , وكأنه يسقي تراب وجودنا بأقياح النفوس الأمّارة بالسوء , وبصديد الأحقاد والكراهيات والتداعيات والويلات.
فأنظمة الحكم كما هي منذ عهد الجمهوريات وحتى اليوم وإن عُرضَت بمُسميات متنوعة , لكن ما فيها لا يختلف عن بعضه , وما تقوم به متشابه بل ومتطابق , والفرق أن الوجوه تغيّرت لكي تؤدي أدوارا جديدة في ميادين لعبة إفتراس الشعوب وتدمير الأوطان.
فالذين يتصوّرون أن هناك أفضل مما كان , يعيشون وهما وطنيا وسرابا سياديا لا رصيد له من الواقع , فالوطني لا يمكنه أن يعيش , والسيادة لا يجوز لها أن تتحقق , فالمصالح تقتضي ووفقا لدواعيها تمضي سفينة الوجيع.
فالشعب أرقام , والوطن تراب لا قيمة له , والنفط هو العنوان , والكرسي وسيلة سهلة للقبض على مصير البلاد والعباد ومصادرة الثروات , فالكراسي أوعية المآسي والتصارعات التي تدر أرباحا هائلة على الطامعين بنا والقابضين على الوطن.
فهذه الكراسي بأنواعها ومناصبها يُعاد تصنيعها في ورشات تأمين المصالح والتطلعات للقوى الفاعلة بالبلاد , ولا يمكن لغير ذلك أن يكون , فكل ما يحصل وفقا لما تمليه على الكراسي قوى الإستئثار بما في الوطن من ثروات وموجودات.
فتعبّدوا في محاريب الكراسي الآثمة , وصلوا لأرباب الخطايا النائمة , ما دمتم كقطا كاظمة!!