على مر العصور والحقب التاريخية التي مرت على الشعوب العربية كانت الحكومات بمختلف تسمياتها وعناوينها الأولية تشكل عبئاً ثقيلاُ على الدولة والشعب من خلال استنزافهم لخيرات الأمة وأموال البلاد والعباد والاستئثار بها دون وجه حق كأصحاب ملكية خاصة يتصرفون بها كيفما يحلو لهم وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد بل يتعدى الى قيام الخليفة أوالرئيس أو الملك مع بطانته من الوزراء بإعداد قوانين ودساتير تضمن لهم حق التصرف كيفما شاءوا بكل شيء بما فيها القيم والعادات الأجتماعية فبدلاً من بناء الأوطان وخدمة الناس حولوا بلدانهم الى خراب وشعوبهم الى عبيد يستثنى من ذلك الى حد ما الفترة من منتصف القرن الرابع الهجري الى منتصف القرن الخامس الهجري التي أمتازت بانتشار العلوم والمعرفة وازدهار وتطور العمران وبناء المدن الكبيرة العامرة ولعل هذه الحقيقة أول من أشار إليها مؤسس علم الاجتماع الحديث الباحث والمؤرخ الكبير ابن خلدون (هو عبد الرحمن بن محمد أبو زيد ولي الدين الحضرمي الإشبيلي، وهو مؤرّخ تونسي المولد، أندلسي حضرمي الأصل) في مقولته التي أثارت حفيظة المتعصبين للقومية العربية “أن العرب إذا تغلبوا على الأوطان أسرع إليها الخراب” .
أن نظرة متفحصة سريعة للتاريخ العربي نستثني منها فترة صدر الأسلام الأولى نتلمس بشكل واضح حجم الأقتتال والاحتراب والتصفيات الجسدية المروعة والتنكيل بين أفراد الأسرة الواحدة من أجل انتزاع كرسي الحكم والسلطة والاستئثار بها ولو كان ذلك على بحر من الدماء و أكداس من الجماجم ….وبالرغم من تعاقب القرون والتطور المنقطع النظير وغير المسبوق لوسائل ونظم الحياة في مشارق ومغارب الأرض ألا أن الواقع العربي يختلف عن بلدان العالم فنادراً ما ترى وتسمع عن حاكم عربي تخلى عن المنصب وسلم مقاليد الحكم طوعاً نزولاً عند رغبة وإرادة الجماهير وخدمةً للمصلحة الوطنية بل لابد من إكراهه على ذلك بالقوة وبالوسائل المسلحة رغم الشعارات الديمقراطية الخالية من أي محتوى حقيقي والتي يغلفون بها أنظمة الحكم لدى البعض أو الصبغة الدينية والانتساب للنبوة للبعض الأخر .
العرب مهووسين بالسيادة والقيادة باعتبارها رتبة ودرجة وهي تشريف لديهم لا تكليف فانشغلوا بالحرب والجيش والأمارة وتركوا لغيرهم العلوم والثقافة والأدب باعتبارها وظائف أقل رتبة فتسيدها غير العرب من الأعاجم وبمراجعة سريعة لتاريخ الحضارة العربية تجد أن أعلام اللغة والأدب والفقه وكبار العلماء بالطب والرياضيات وغيرها من بلاد فارس وخوارزم وبخارى وعلى سبيل المثال لا الحصر(سيبويه ،الحسن بن الهيثم ،الرازي ،الخوارزمي ، ابن سينا ،الفارابي، أبن البيطار ،أبن المقفع)وتطول القائمة فحينما بين ذلك المؤرخ أبن خلدون في مقدمته شنت عليه حرب شعواء من قبل الكثير من الأقلام القومية المتعصبة ولا أعلم على ماذا يتعصبون فكتاب بعنوان(عروبة العلماء المنسوبين الى البلدان الأعجمية) لمؤلفه ناجي معلوف كرد وتفنيد لما أورده أبن خلدون حيث حاول جاهداً أثبات أن حملة العلم في الإسلام جلهم من العرب ومن القبائل الأصيلة وبعض الأسر أنتشرت في المشرق أثناء الفتح الإسلامي وبعده …وضمن نفس السياق يقول الكاتب محمد حبيب المرزوقي (ابو يعرب) في كتابه الموسوم (الأعاجم ،كيف نفهم دورهم العلمي في الأسلام ) بحث فيه محاولاً أيجاد مخرج للأشكال الذي أثاره أبن خلدون في قولته الشهيرة والرأي للمرزوقي أن العلماء المسلمين في شتى العلوم والأداب هم من أصول عربية وليست أعجمية مبرراً ذلك على أن علوم الملة ترجع الى القرآن والسنة والتي ترجمت على شكل سلوك يومي للصحابة وتابعيهم حتى تحولت العلوم الناجمة عن ذلك كالفقه والتفسير واللغة وغيرها الى صنعة يحترفها الصحابة والتابعين وحينما تحولت هذه العلوم الى حرفة أصبحت لا تليق بأصحاب الرتب العليا وبذلك وطبقاً للتقسيمات الاجتماعية أصبح لدينا قادة وأمراء وملوك من العصبة القبلية العربية يليهم رتبة من أمتهن العلم والأدب وصولاً للحرفين أصحاب الصناعات البسيطة وعلى هذا الأساس لم يكن للموالي سبيل أخر للارتقاء في السلم الاجتماعي غير طريق العلوم والأدب وهذا هو تفصيل لرأي ابن خلدون فما الجديد في ذلك !!!.