22 نوفمبر، 2024 6:59 م
Search
Close this search box.

الأمير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكُردية – اليهودية/ج17

الأمير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكُردية – اليهودية/ج17

بعد قيام ثورة 14 تموز/يوليو عام1958م زار الامير الكردي كاميران بدرخان بغداد، والتقى على حدة كل من الزعيم العراقي عبدالكريم قاسم، والزعيم الكردي ملامصطفى البارزاني، وتذكر المصادر الاسرائيلية أن الامير كان معجبا بالزعيم العراقي عبدالكريم قاسم، وكان يكن كراهية للزعيم المصري جمال عبدالناصر، ولا تشير المصادر الى حقبة زيارة الامير الى العراق، ولكن يبدو أنها جرت في نهاية عام1958م، وهل زار الامير بغداد في بداية عام1959م؟، يبدو أنه جرت، بدليل أن رجل الموساد الاسرائيلي ( بن ديفيد) قام بزيارة سرية الى المؤتمر السري لجمعية الطلبة الاكراد الذي عقد في شهر تموز/ يوليوعام1959م في فيينا عاصمة النمسا،” لقد قدم بن ديفيد الى هذا المؤتمر، لسحب بدرخان منه، وكان يعلم أنه عاد من مقابلة البارزاني…”. ينظر: شلومو نكديمون، الموساد في العراق، ص63-64، 66.
وبعد انطلاق الثورة الكردية في العراق في 11/9/1961م بقيادة الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني(1903-1979م) ضد الحكومة العراقية بقيادة اللواء الركن عبد الكريم قاسم(1958-1963م)، أصبح الامير الدكتور كاميران بدرخان ممثلاً لها في أوروبا وناطقاً باسم قائدها الملا مصطفى البارزاني، ودخل الأمير كاميران بدرخان على الخط، واصبح عراباً لهذه العلاقة، وبالنتيجة أصبح ممثلا لقيادة الحركة الكردية وللمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني مع الجانب الإسرائيلي.
وفي الاول من نيسان عام 1963م زار كاميران بدرخان اسرائيل موفداً من قبل قيادة الحركة الكردية لطلب المساعدة، واجتمع مع رئيس الحكومة الاسرائيلية (ديفيد بن غوريون)، ومع وزيرة الخارجية (كولدا مائير)، ومع رئيس الاركان تسفي زامير[(= 1925م-؟)، والرئيس الرابع لحهاز الموساد من سنة 1968م الى سنة 1973م]، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية مائير عاميت(=1921-2009م) والذي كلف في تلك الآونة بترؤس جهاز الموساد (=المخابرات الاسرائيلية) في اعقاب استقالة الرئيس السابق ايسرهرئيل(1912-2003م) الذي ترأس الموساد لاحد عشر عاماً من سنة 1952م لغاية 1963م
وفي الخامس من نيسان/ابريل عام 1963م سجل رئيس الوزراء الاسرائيلي( ديفيد بن غوريون) في مذكراته:” مقابلة مع أمير كردي(= كاميران بدرخان)، صديق موريس فيشر(= عضو الشعبة السياسية في الوكالة اليهودية، ومراسل جريدة فلسطين بوست- جيروزاليم بوست)، زار أرض اسرائيل(= فلسطين) عام1941م… وقد طلب ارسال جهاز إرسال(=لاسلكي) وصحفي لزيارتهم عبر ايران” .ينظر: شلومونكديمون، الموساد في العراق، ص97، نقلاً عن يوميات بن غوريون
وفي الزيارة الثانية لاسرائيل، التي يبدو أنها جرت في شهر أيار/مايو عام1963م طلب كاميران بدرخان من اسرائيل، جهاز ارسال بقوة خمسة كيلو واط، واثنتي عشرة راجمة بازوكا، وعدة مدافع مضادة الطائرات، ومساعدات مالية، واقترح بدرخان أن تجري اسرائيل اتصالاً مباشراً مع الملا مصطفى البارزاني؛ على أن تبدأ بلقاء بينه وبين شخص غير اسرائيلي، على أن يكون موثوقاً لدى اسرائيل كصحفي مثلاً .
ولم يكن هذا الوضع بالنسبة لقائد الحركة الكردية البارزاني غريباً، فقد كان يجري اتصالاته مع العالم الخارجي عبر الصحفيين على أمل ايصال الصوت الكردي الى العالم الخارجي، بقصد دعم الحركة، ومن أبرز هؤلاء الصحفيين: دانا شميدت من صحيفة نيويورك تايمز، وديفيد آدامسون من صحيفة واشنطن ستار، وإريك رولو من صحيفة لاموند الفرنسية، وفرنسوا شوبا من صحيفة لوفيكارو الفرنسية. وكان هؤلاء الصحفيين يجتازون رحلات طويلة ومرهقة محفوفة بالمخاطر من بيروت وطهران الى جبال كردستان ويجتمعون مع قائد الحركة الكردية البارزاني، ويعيشون في مناطق التماس والقتال، ويحملون الى العالم حجم المعاناة التي يعيشها الكرد في العراق.
وتكشف إحدى وثائق الموساد:” لقد تم الشروع بمعالجة قضية الاكراد صدفة، وبفضل اصرار ومبادرة(كاميران) بدرخان التي انتهت باقامة علاقات طيبة مع بعض الشخصيات الاسرائيلية”. ينظر: الموساد في العراق، المرجع السابق، ص98.
وفي أعقاب مرور شهر على زيارة بدرخان التي جرت في شهر نيسان عام 1963م، وصل مائير عاميت رئيس الموساد الاسرائيلي الى ايران لحضور الاجتماع الدوري لرؤوساء اجهزة المخابرات الاسرائيلية والايرانية، وتعرف على رئيس جهاز السافاك الجديد (حسن باكراوان)، وقد وصف مسؤول ايراني الموقف الذي بلورته في تلك الآونة ايران حيال الوضع الكردي على النحو التالي:” اننا نتعامل مع التمرد الكردي في العراق كفرصة لا تعوض، ورغم ذلك وبسبب الاقلية الكردية الايرانية، وبسبب علاقتنا مع تركيا، لا نستطيع تأييدهم علناً، فنحن لم نكن نرغب في أن يتطور التمرد، كي يصبح دولة كردية كبيرة”. ينظر، المرجع السابق، ص98.
وفي المقابلة التي أجراها شاه ايران محمد رضا بهلوي مع صحيفة اللوموند الفرنسية، قال:” نحن لا نؤيد استقلال الاكراد في العراق، بيد أننا معنيون بحصول الاكراد على كامل حقوقهم هناك، الاكراد غير العرب”.
وبناءً على هذه المعطيات اقترح رئيس الموساد من رئيس الوزراء بن غوريون بالتفتيش عن الاساليب المناسبة للعمل حول دعم الكرد، دون الدخول في مشاكل مع الايرانيين والاتراك وحصل على موافقته، وقد تردد عميت طويلاً قبل أن يقع اختياره على الصحفي (ر) كي يرسله الى البارزاني وهو ليس اسرائيلياً، ولم يسمح حتى الان، بالاعلان عن اسمه.
وينقل المصدر الاسرائيلي عن الكتاب الذي ألفه الباحث والاكاديمي العراقي سعد ناجي جواد، جاء فيه:” أن عميلين اسرائيليين قدما الى كردستان في تلك الآونة، تحت غطاء، أنهما صحفيان المانيان”، . ينظر: العراق والمسألة الكردية، 1958-1970، دار اللام، لندن، ص196، وربما كان يشير الى من أسمته المخابرات الاسرائيلية (ر)، وقد جاء في هذا المصدر ما نصه:” وتشير بعض الحقائق الى أن ابراهيم احمد عندما كان سكرتيراً للبارتي بادر بالاتصال مع الاسرائيليين في عام1963، أو قبل مبادرة منهم في ذلك التاريخ، فقد أكد شهود عيان أن ابراهيم احمد استقبل في نهاية ذلك العام شخصين اسرائيليين متنكرين بصفة صحفيين المانيين في مقر قيادة (البارتي). ينظر: سعد ناجي جواد، العراق والمسألة الكردية، 1958-1970، دار اللام، لندن، ص196، نقلاً عن شخص لم يرغب بذكر اسمه، يعتقد أنه (حبيب محمد كريم الفيلي) سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني(= البارتي) بعد ابراهيم احمد.
ويعتقد الباحث أن هذا الصحفي الموهوم، ربما كان (إريك رولو) وهو صحفي فرنسي من أصولٍ مصرية يهودية، وهو شيوعي، ويجيد التحدث باللغة العربية بطلاقة.
وفي السياق نفسه وخلال الاجتماع الامني الدوري بين الموساد الاسرائيلي والسافاك الايراني في الثلاثين من حزيران عام1963م في باريس، قال الموظف الاسرائيلي لنظيره الايراني، لقد توجه الينا الاكراد طلباً للمساعدة في التصدي للحكومة العراقية، ومصلحة اسرائيل تقتضي تقديمها لهم، بيد أننا لا نعتزم عمل ذلك بدون موافقتكم، وتضمنت المعلومات التي قدمها الموظف الاسرائيلي تفاصيل حول المحادثات التي جرت مع الامير بدرخان، وارسال أحد الصحفيين الاجانب من غير الاسرائيلين تحت أسم وهمي (ر) الى كردستان العراق، وبدا الموظف الايراني مرتاحاً وهو يسمع من الموظف الاسرائيلي عزم اسرائيل على دعم الاكراد بالمال وبمحطة الارسال(= البث الاذاعي)، وقال: ” الاموال لا تترك آثاراً”.
وتمخضت المحادثات التي جرت في باريس بين اسرائيل وايران، عن اتفاقية من خمسة بنود: لتقديم المساعدات للكُرد تحت اسم عملية (أثينا). ووجدير بالاشارة الى أن هذا الاسم هو أسم وهمي، أما الاسم الحقيقي للعملية فلا زال طي الكتمان.
بدأت عملية أثينا في شهر تموز/ يوليو عام1963م، وعمد ممثل الموساد في ايران (أ- أسم وهمي) والذي كان مكلفاً بمتابعة العلاقات مع الاشخاص والجهات التي لا تقيم اسرائيل اتصالات رسمية معها بالتعاون مع الجنرال (موثازد) نائب رئيس السافاك الايراني والمسؤول عن شعبة العمليات، بتشكيل بنية وجهاز ديناميكي من المستشارين الاسرائيليين والايرانيين مكون من: ضباط ومستشاريين فنيين، للعمل بصورة دائمة في خدمة الحركة الكردية تحت قيادة ملا مصطفى البارزاني.
في ربيع عام 1963، كرر الموساد الاسرائيلي تجرية الوكالة اليهودية قبل ثلاثة عقود وبالتحديد عام1931م، فبعث بصحفي أجنبي مقيم بباريس الى كردستان العراق، فأجرى الصحفي مقابلة مع ملا مصطفى البارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني ومع سكرتير الحزب إبراهيم أحمد، واقترح عليهما ارسال مبعوث للتحدث مع الاسرائيليين. ثم عرض عليهما أن يعقد اللقاء في أحد الفنادق المطلة على الضفة اليمنى لنهر السين الذي يشق باريس، على مقربة من السفارة الاسرائيلية الكائنة في مبنى قديم تملكه عائلة روتشيلد في شارع (واغرام).ينظر: جوناثان راندل، أمة في شقاق دروب كردستان كما سلكتها، ترجمة: فادي حمود، دار النهار، بيروت، الطبعة الثانية، ص251، في مقابلة مع ابراهيم احمد في ساتون، سوري في انكلترا، في 25 تشرين الثاني عام1991م.
وقد اعتاد ابراهيم أحمد وصهره جلال الطالباني التوجه الى أوروبا بين الفينة والاخرى لاجراء الاتصالات اللازمة مع الاوروبيين، ولمنح مقابلات مع وسائل الاعلام هناك، وقد أجرى الطالباني لقاءً مع مراسل صحيفة (حيروت – الحرية) الاسرائيلية في باريس أهارون بن أفيكدور، وقد وجه الطالباني من خلال تلك الصحيفة نداءً لتزويد المقاتلين الكرد بالاسلحة، وبالاخص الثقيلة للوقوف أمام الجيش العراقي.
وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1963م، وصل ابراهيم أحمد وجلال الطالباني دون سابق انذار الى السفارة الاسرائيلية في باريس، وقدما نفسيهما وطلبا الاجتماع بممثل الموساد، ولا يستطيع ممثل الموساد في فرنسا آنذاك (مناحم نفوت) أن ينسى فحوى ذلك اللقاء ويقول: جلس ابراهيم أمامي في أحد الفنادق، ولا زالت كلماته ماثلة أمام عيني وترن في أذني “اننا جائعون، لا يوجد خبز، ولاسكر ولا شاي”. وقلت لنفسي انظروا الى أين وصلنا، نحن اليهود الذين نقاتل من أجل وجودنا؟ هناك شعب كامل أمامنا، ويطلب منا المساعدة “.
واجتمع ابراهيم احمد فيما بعد مع رئيس الموساد مائير عاميت، وطلب منه ذخائر للبازوكا، وبنادق وذخائر وأموالاً ومساعدات أخرى. وقد رد عليه عاميت بالقول:” لا يوحد لدينا مال كي نعطيه، لأن اسرائيل دولة فقيرة، لكنه وعده بأن يزيد حجم المساعدات بالاسلحة والتجهيزات، وتمكن فعلاً من تجهيز كمية رمزية. ينظر: الموساد في العراق، مرجع سابق، ص107.
بينما جاء في مصدر آخر، وفي خريف عام 1963م سافر إبراهيم أحمد الى باريس عن طريق طهران، ونزل في أحد الفنادق المتفق عليه، واتصل بالصحفي الموهوم والملقب ب ( ر) الذي أسرع الى إبلاغ الاسرائيليين المندهشين والمسرورين في آنٍ واحد، فلم يكن الاسرائيليون يتوقعون بأن ينفذ البارزاني الاقتراح أو أن يرسل شخصاً بمثل أهمية ابراهيم أحمد. ويؤكد ممثل الموساد في باريس (مناحيم نافوت) المعروف باسم (ناهيك)، أنه أول إسرائيلي يجتمع بإبراهيم احمد، والتقى احمد لاحقاً بالسفير الاسرائيلي في فرنسا (والتير إيتان) مطولاً، وعرض له مأساة شعبه طالباً منه الدعم. وعرف كيف يعزف على الأوتار الحساسة، فقد قارن بين وضع الاكراد واليهود وقال إن المقاتلين الاكراد لا يملكون ثمن الشاي أو السكر، ودغدغ مشاعر الامومة لدى وزيرة الخارجية الاسرائيلية (كولدا مائير). ينظر: جوناثان راندل، أمة في شقاق، ص252، في مقابلة مع مناحيم نافوت في تل أبيب في 18 تشرين الاول عام1991م.

أحدث المقالات