وقفة مع قصة(الصرخة)
بانورامية المحاور المركزة في مؤول صرخة كينونة المصير
توطئة:
يحيلنا التصدير الاستهلالي في دلالات موجهات قصة(الصرخة)للقاص المبدع الكبير الأستاذ محمد خضير،إلى تقابلات دوال متن حكاية النص،حيث نعاين علاقة الطابع الاستهلالي،وهو يحكي لنا عن علاقة كينونة وذات عجلة السيرك داخل منعطفات وأطلال المباني وظلال الشوارع والأشجار وتساقط قطرات المطر،مخلفة خلفها شريط أيقونة تلك المشاهد الظلية من حركة الصفوف النباتية الطبيعية وحركات ذلك التمثال المكانية بموجب مؤشرات موقعية حركة عجلة السيرك المحملة برسومات الحيوانات والمصائر المكبوتة في واقع المدينة الواهنة.
ـ علاقة زمن السارد العليم وتقنية رمزية التوظيف.
اختزلت علاقة السارد العليم في وظائف قصة(الصرخة)بما يوائم ذلك الجانب الحسي من المكان المثير في مساحة تفاصيل ماهية المكان ذاته،لذا وجدنا وظيفة الصورة الوصفية في النص، هي من غدا متكلفا بالإحاطة الكاملة بموضوعية رحلة العجلة داخل ممرات وأعماق شوارع السيول الطوفانية وصفوف ضفاف أرصفة موانىء القوارب الخشبية العتيقة،إقترابا من تلك العلاقة الجدلية الممتدة بين سيرة حيوانات السيرك المضطربة على سطوح خلفية صندوق العجلة السالكة في رحلة اللاتحديد،في ممرات وشوارع الرهبة ووحشة سلطة حواجز البراميل المتمثلة بسلطة المدينة الباطشة:(كأي وقت بطيء..تحجزه السحب و الوحول..كطقس أي فجر أو ضحى يوم كالأيام السابقة..مطفأ وشاحب..بلون الرماد أو الصخر أو الفضة أو الألمنيوم العتيق..تمطر منذ خمسة عشرة يوما..وكان الجميع قد انسحبوا إلى داخل الجدران ./ص25).
1ـ خصوصية الفضاء الإدائي و سكونية توظيف الرؤية:
لقد تم الاستحضار فضاء الطقس ومؤشرات أداة الزمن والمكان والحكي،بطريقة تشكيلية تامة،وبعين واصفة محملة بأبعاد صورية،تبدو وكأنها ترجمة صريحة لأجواء سيئة جدا من تفاصيل طابع الزمن والمكان والطقس.ويبدو أيضا من خلال مستهل التصدير النصي،بأن عنصر المكان في حالة من حالات الحجب والضيق النفساني الأليم،بمعنى ما تتضح من خلال موجهات الواصف بأن هناك ترجمة غرائبية موحشة في مجال ألوان الطبيعة وتماثلات رسم اللغة المجردة والجافة في طبيعة تبئير المحكي، إذ كان الغرض منها ربما هو الوصول إلى تفاصيل الأمكنة الداخلية و الخارجية من أحوال تشيؤ الأشياء،بما تمليه عليها محمولات الخلفية الفضائية من طبيعة الوسائط الإدائية الخاصة في النص:(أسود تقفز خلال حلقات نارية..و أسود متحفزة للوثوب..وأسود أخرى بوجوه بيضاء ولبدات مشعثة تقعي في صف واحد على براميل واطئة متجاورة بمواجهة مروضها الذي يمسك بعصا مزخرفة بزخارف شرقية ذات طرفين مختلفين..طرف على هيئة مدية والطرف الأخر على هيئة عظم..إنه يشير الآن إلى أسد من بين الأسود الجالسة بطرف العصا الذي يشبه المدية..وفي حين تنظر جميع الأسود إلى الأمام..يطأطىء ذلك الأسد رأسه إلى الأسفل..بينما يلتفت المروض برأسه إلى الوراء التفاتة حادة ليواجه جمهورا ـ غير حاضر الآن ـ بوجه رهيب منتصر ./ص25 )عبر سياق تصعيد فضاء البنية المحكية الساكنة في مشهد اللوحة المرسومة على واجهة خلفية عجلة الزمن الساكن،لتتضح لنا قيمة البنيات الدلالية و الرمزية،بمقدار العنف والسيادية في شخصية ذلك المروض.فمجموعة الأسود ما هي إلا ذلك المعادل النصي المؤول،الذي منه نستشف حقيقة و هوية(قناع المروض)والذي يطرح ذاته، بالإضافة إلى طرفي عصاه،وخذلان حركات الأسود في القفص أو خارجه،إلى المزيد من صورة المدينة و أعماق صراع ساكنيها مع رموز جهة السلطة الحاكمة فيها،فعلى سبيل المثال،نرى بأن طبيعة الطقس تصاحبه صفات غرائبية غاية في وحشيتها وخاصة برموز مؤشرات دلالاتها المبطنة الضمنية:(كأي وقت بطيء=كطقس أي فجر أو ضحى يوم كالأيام السابقة)الحالة الوصفية بالزمن اللامحدد هنا تقودنا نحو مساحة فضائية استفهامية من فجوة الضياع و التيه و الخوف و القلق ربما.وبموازاة ذلك تظهر لنا مشهدية الأسود الواهنة بحركاتها العبودية المميتة إزاء إيعازات مروضها الماكر أو الجلاد جدلا؟؟إنه فضاء قلعة الزنازن الآدمية المذلة بدلالات الانكسار ووحشة المضمر من زمكانية المدينة المرسومة على خلفية زمن فضاء حركية العجلة المتجه نحو مصيرها المحفوف بعوائق أصفاد البراميل:(ويحفظ فيل ضخم توازنه على كرة صفراء..وترتقي كلاب أو تهبط سلالم متوالية متصلة..وتتجمع طواويس في تشكيلة استعراضية..وحيوانات أخرى صغيرة:قرود..سناجب..فئران..قطط..وحيوانات أخرى أكثر صغرا تقفز أو تزحف أو تتسلق قفص الأسود ..ومن العمق الأخضر..ينبثق نمر..قافزا فوق ظهور الحيوانات وبين أجسام البهلوانات السابحة..مخترقا الأنوار..قادما باتجاه الجمهور ـ الغائب ـ ./ص26)تتصرف القابلية البانورامية في مؤشرات اللوحة إلى أقصى غاية تحولات المرموز إلى دلالات مضمرة في مواطن مساحة خذلان ذوات اللوحة،وصولا منها إلى هيئات وأوضاع مجسمات مواقع الحيوانات والبهلوانات،بما يشغل محور الرمز المتستر في سكونية العلامات السيميائية،وبمستويات خاصة من الإيمائية الحركية المعبرة في زوايا وأعماق تساؤلات تلك الفضاءات المخذولة من عناصر الأشياء.وبعد ذلك يبرز لنا ذلك النمر من خلف عوالم اللااستنطاق ليواجه جمهورا غائبا ومنسحبا من بطش الأضواء والمخالب الظالمة .إذن تتبين لنا من خلال توجهات فضاء اللوحة،بأن هناك دلالات ترميزية وإحالية،مفادها الكشف عن مهجورية المدينة من أهلها،خوفا من قمع رجالات الأمن أو على أقل تقدير(الجميع قد أنسحبوا إلى داخل الجدران؟!)في ضوء هذا المعنى الأخير،تتبين لنا بيانات صوت السارد العليم،ليكشف لنا عن عملية بانورامية من صورة الحيوانات المرسومة أو المتمسرحة على خلفية صندوق عجلة كبيرة خاصة بنقل دعاية السيرك: (من تلك السيارات التي تستخدم في الدعاية لسيرك متنقل..تدرج في شارع مقفر..على مهل./ص26)تتحول صورة الحيوانات من وضعيتها البانورامية الساكنة بدلالة القمع وضيق المكان و الزمن،إلى مستوى خاص من بلاغة الدلالة المركزة في محمول الرمز المضمر و المتحول: (كأي وقت بطيء=مسار ترميزي مضمر/ :تحجزه السحب والوحول=التشاكل الظرفي/ :ضحى يوم كالأيام السابقة..تعالق الزمن إلى جانب نمطية المدلول/ : مطفأ وشاحب بلون الصخر أو الرماد أو الفضة أو الألمنيوم العتيق=المحكي مسارا توصيفيا/ :يطأطىء ذلك الأسد رأسه..بينما يلتفت المروض على الوراء التفاتة حادة ليواجه جمهورا غائبا=خطاب المحتوى=مسار تصوير يمكن أن نحيله إلى تشاكل من نوع من الهروب أو المطاردة)أو هي حالات المعتقل وغياب الجمهور ما يشكل قلق التشاكل مع عدم الانسجام مع عصا السلطة أو رجل الأمن إحتمالا.
2ـ خصوصية الفضاء المتحرك بدلالة الزمن القابض:
تحيلنا تتابعية دلالات الفضاء المتحرك،والمتمثل في جسد عجلة السيرك،نحو جملة من الوحدات المكانية المقيدة في سياق مقارباتها إلى موحيات زمن اللوحة المرسومة على واجهة خلفية عجلة السيرك ذاتها،وعندما تنطلق العجلة وسط ضجيج برك مخلفات تساقط الأمطار المفترضة،تواجهنا أيقونة لعبة ظلال الأبنية وتقلبات حركات التمثال بموجب مؤشرات لغة المرآتين العاكستين لصورة المكان،والتي أخذت تعكس في بياناتها السطوحية،جملة متعددة من الإيحاءات والمقاصد التوظيفية: (إن الأزقة وهي تتعرج وتنعطف..تمضي بالعتمة الموحلة..وبصدأ صفائح القمامة وأقفال الأبواب و الأعمدة..وبأنهمار المطر المكتوم في الخشب و الجدران..وبالخلو التام..وبلون الوحشة الذي يطفو فوق المياه العكرة المشتتة..وتهبط السماء كسقف رصاصي على السطوح الواطئة./ص27)تشخص لنا وحدات المسرود القصصي،بجملة من العلامات المستوعبة رمزا،من حيث ناحية شغلها للمادة الحكائية الواصفة إدغاما،وللخطاب باعتباره طريقة مثلى للتمويه كشفا،لذا بقية واصفية مواقع النص،يمكنها النهوض بمسؤولية حساسية التقاط أدق دقائق فردية بطون حالات الأشياء،دون ذكرها بمظاهرها المعلنة،كعناصر موضوعية ذات ملامسة خارجية ما.لذا وجدنا عجلة دعاية السيرك،بمثابة الكينونة الذواتية المؤشرة بنواتها المحمولة،ضمن استشرافات تقاربية ذات منازع أختزالية دلالية مضمرة في وظيفتها التبئيرية،إذ ما دامت علاقات أحوال مواطن شوارع المدينة وتحركات عجلة السيرك فيها مع حيواناتها المتحركة إفتراضا شكليا بعلاقات حقيقية هوية الموضوعة للمدينة وسكانها المنسحبون من شوارعها قلقا واحتراسا،وعلى هذا النحو من التأسيس و التوظيف من لدن النص،نعاين موجودات العجلة وهي ترسم الأبعاد المحققة لذاتها و دلالتها،مزيدا إلى عمق التصعيد الرمزي والتخيلي المتصرف في تصاريف سلطة غير مرئية من فضاء مكونات وهوية تلك الحواجز والتقاطعات من واصلة وفاصلة : (شارع مستقيم..خال..آخر..رذاذ منحرف متواصل..لا يسمع لكنه يلتمع كالإبرة الدقيقة الطويلة..خلال زجاج غرفة قيادة السيارة..ويرتطم بالزجاج ويسقط على برك المياه المجتمعة أسفل حافة الرصيف/وما أن تجتاز سيارة السيرك تلك المنازل حتى تنهار في نهر من الرذاذ بتراجع محصورا في مرآتين جانبيتين خارج مقدمة السيارة..وكانت الأشياء المهملة في الشارع تتداعى وتتراجع طافية على المياه./ص27).
3ـ أنسنة شعرية مفترض الأشياء:
كلما تعمقنا في خطية مسار تصويرية قصة(الصرخة)تواجهنا ثمة معادلات وتعديلات وخصائص استحداثية في غاية التركيز و التمركز والأحساس المضاف في تضاعيف لغة محورية الأشياء،إذ نقول أننا نلاحظ مقاصد الترابط في تحركات عجلة السيرك،وهي تشق طريقها وسط ذلك الفيض من السيول الجارفة دون ذكر القاص لأية مهام معدة العجلة في غايتها المتحركة وسط زوابع وسيول الأوحال ورذاذ الأمطار وصور الحيوانات المبللة بالطين والماء،أكل هذا ما يقصده المبدع الكبير محمد خضير في معادلات نصه أختبارا؟الجواب لا طبعا؟فالعجلة بمكوناتها ومقاصدها المدلولية مستوحاة من شخصية المدينة المقدمة في النص بطريقة التشريح البانورامي الهادف إلى دلالات ضمنية غاية في أبعادها التقنية.العجلة في تحركاتها داخل مفارقات وعوائق وتقاطعات الشوارع،فيما تظل هيئات سطوح مراياها ترسم وتعكس صور أشباح المدينة ومهجورية المدينة من تحصيلات بقايا حروب المدينة: (وفي النهر تطمس قطرات المطر المتلاحقة انعكاس الأوتاد فيه..وانعكاس القواربالمشدودة إلى الأوتاد..وانعكاس السفن الشراعية..والشاحنات الحديدية الكبيرة المهجورة بالقرب من الضفة الصخرية./ص28)القاص لا يقيم في سرده الواصف محض ترابطات بانورامية،تسعى إلى خلق ظلية انعكاسات الصور تحت المطر،وصولا إلى تجسيدها فوق سطوح المرآتين الجانبيتين المثبتتين خارج العجلة،وإلى من تتم حصيلة تلك الرؤية المنسوخة فوق واصلة المرآتين؟هل الغرض منها استجابة موقعية المؤلف مثلا في مرصد الرؤية؟أم أنها عين الحكي الواصف من جهة السارد العليم؟قد يكون الأمر مناطا بصوتان ناهضان: الصوت الأول،يتحدد برؤية السارد أولا،فيما تكمن صياغة رحلة العجلة في صوت زمن وكينونة وحساسية ورمزية العجلة في ذاتها ولذاته،داخل ممرات المدينة المحكومة بعصا(المروض الماكر/الجلاد الحفيد/الرقيب الأمني=ظلال أشباح قلق المدينة)على أية حال،تترابط حلقات خطية المسرود بالموصوف والعرض بالسرد والتصوير بالانشاء حتى تتماسك عملية تبئير الإيهام بطابع موضوعة عجلة دعاية السيرك .
ـ بانورامية العرض والسرد والإيحاء المضاعف.
في الحقيقة أن من شواغل قصة(الصرخة)وجميع قصص المجموعة القصصية الرائدة(في درجة45 مئوية)هو في اعتمادها المكين على جدلية الإدراك الحسي في التعامل التأليفي مع مسودات ومكونات اللوحة الفنية.فالقاص في مسار قصته موضع بحثنا راح يتعامل مع المسافة الفنية في خطاب اللوحة المدرجة على خلفية واجهة عجلة السيرك،أو حتى مع لوحة هنري روسو(ساحرة الأفاعي)كحلقة مناصية مضافة بدلالة الإيحاء إلى متواليات مسار مقولات النص،وليس كوسيلة حشوية أو فراغية في شكل ومحتوى موضوعة أقسام النص.فالقاص أخذ يوظف معالم لوحة روسو،تزامنا مع المحايثة الفنية الموظفة في صورة حيوانات السيرك المرسومة على خلفية صندوق العجلة،وبما أن المسافة الرؤيوية الواقعة ما بين مدلول ساحرة الأفاعي ودوال صورة عجلة حيوانات السيرك،متجاذبة في أطراف دليلها ومقصدها المعبر عن نفسانية أشباح المدينة المقموعة من قبل جهة مرموزات النص الضمنية : (المروض/ساحرة الأفاعي/الشبح الأسود/العملاق الداكن/أوتاد متآكلة/التمثال يقفز من منصته/نقاط التقاطع/براميل مصبوغة باللونين الأبيض والأسود/براميل أخرى تأخذ في اعتراض السيارة/تقاطعات الطرق/المنعطفات/لوحات اشارات مرور/منشأت مزعومة/أقفال وسلاسل/ رموز كانت تشيرإلى أغراض مجهولة./ص30/ص31)هكذا واجهتنا تعاملات القاص محمد خضير مع الصور الفنية في ملازمات وتوظيفات نصه،وذلك عندما تتجاور وتتجاوب اللوحة الفنية مع موضوعة النص القصصي تأشيرا وقصدا،فكلاهما يعطيا الإجابة المتوحدة بالكيفية والإشارة والتلميح والمساحة الوسطية المعادلة من تصورات القارىء النهم: (تفاجىء السيارة..في فسحة محصورة بين جدران مرتفعة من البراميل..كتلة صغيرة مكورة..صقيلة لامعة..تنزلق عليها قطرات المطر كما تنزلق على سطح زيتي..لم تكن الكتلة الصقيلة لتتميز عن قطع الحديد..لولا تلك الحركة البطيئة التي بدأت تدب في أطراف قصيرة أخذت تبتعد عن الكتلة لتلامس الأرض.. أعتمدت عليها الكتلة في تراجعها البطيء إلى الخلف..إزاء زحف السيارة البطيء أيضا بأتجاهها..حتى تختفي كليا داخل فتحة أسفل جدار البراميل./ص33)تمكن القاص حقا من وراء رمزية نصه،إلى خلق حالة تأثيرية رهابية في طبيعة وصفة المكان الذي هو في مدلوله البعيد،راح يجسد هوية وكينونة الأنسان المغلوب على أمره،والذي هو صار محاطا ومطاردا من قبل أصفاد الجهات الباطشة والجهات الطبيعية أيضا: (رذاذ منحرف متواصل)ومن قبل جهة ذلك(العملاق الداكن)ومن قبل جهة(العناق البدائي بين الأفاعي والساحرة)وصولا إلى جهة(أقفال وسلاسل/سجون/منشأت مزعومة)وحتى أخيرا(موجات أخرى من النفير الثاقب تخترق جدران البراميل..لتطرد الصمت الصدىء المترسب..ولتنتزع الكائن الصغير..المأخوذ من جحره./ص34).
ـ تعليق القراءة:
لعل من أكثر العلامات التوظيفية جمالا وإبداعا في عوالم قصص المبدع الكبير الأستاذ محمد خضير،هو اقترانها بملامح واقع المسكوت عنه،أو وظيفة الرمز المرسل بين سلطتي(الإمكان) و(الوهم)أو استعارة الوظائف أو الملامح والصفات ضمن مسميات غاية في التشاكل والاختلاف والتجديد.ففي قصة (الصرخة)نعثر على ثيمة التماثل والتحول والإحالة والاستنطاق في محاولة من القاص إلى تقديم المادة القصصية على طبق من التجريب و التجديد،ومن الطاقة التمويهية الكبيرة،فخلاصة قصة(الصرخة)تتمثل في ذلك الكائن القابع في باطن جدار البراميل،لتتبين لنا منه أسمى علامات الأنعتاق والتمرد في وجه أعتى سلطات الدولة الباطشة،كما وأنها في ذلك أخذت تشكل لنا أجلى مراحل القيمة الاستدعائية المكظومة في إطلاق وتلفظ صرخة الانتصار في وجه مواطن الظلم والتسيد،لذا نجد صرخة العبد في وجه السيد الظالم،جاءتنا بمثابة الصياغة البلاغية المتقنة نحو التحرر والانطلاق من أوهام أصفاد وأقفال وظلمات ذلك المروض الجلاد: (فم يصرخ..الفم الذي يصرخ جوف عميق..جوف في عمق صدأ الحديد يجتذب إليه السماء المنجرفة بين ممرات الحطام./ص34).