3 نوفمبر، 2024 3:15 م
Search
Close this search box.

حرية.. الوهم الأكبر !!!

حرية.. الوهم الأكبر !!!

“عروبتنا.. ما هي الا.. مذبحة ذاتية التدمير !!!”
الحرية خير من عدم الحرية، والطبيعة البشرية تقاوم بعناد القيود الخارجية، بغض النظر عن مصدرها أو أي كان مبررها، وعندما تأتي الأوقات العصيبة والخطيرة للحروب والكوارث الطبيعية والأوبئة، يأمل الفرد الضعيف في الحماية والدعم من دولة قوية. ولكن حتى في هذه الأوقات ، فإن معظم شعوب دول العالم تقشعر _ينتابها_ قلقا وخوفا للتجاوزات المفرطة للمؤسسات البوليسية على حرياتها الشخصية وعلى الحرية في جميع مظاهرها المتنوعة سواء كانت حرية الكلام أو الصحافة أو مواكب الشوارع والمظاهرات أو حرية العبادة أو حرية الجلوس مع الأصدقاء. ونحن هنا نؤكد اننا لسنا نرى او نحس بهذا الحال لوحدنا، فكلنا هكذا في العالم العربي او في الصين وفي أمريكا وأوروبا وبقية قارات العالم كله، فالحال يكاد يكون متطابقا، وفي المجتمعات الليبرالية الديمقراطية ، يتم تقييم الحرية الشخصية أدق مما هو عندنا، وقد تم ذلك بتقييم الحرية الاستبدادية الأبوية، ولكن عدم الرغبة في الامتثال للقواعد المفروضة هو احساس وشعور عالمي في حد ذاته، سواء في الأوقات الجيدة او أوقات الأزمات، اذ يرفض الناس بشكل غريزي جميع المحاولات للتحكم المفرط في خصوصياتهم من أعلى أو من الخارج، وهذا الرفض طبيعي لربما له ما يبرره.
اليوم في موسم الكورونا والتي لا يمكن السيطرة عليها، ولا يمكن لأية تعليمات او توجيهات أو تحذيرات أو تهديدات أن تكبح الرغبة المتأصلة لكل منا في أن نكون أحرارًا ، باعتبارنا مستقلين ومنفردين بقراراتنا الشخصية، فلذا دوما ما نردد : نحن لسنا عبيدا ، نحن لسنا عبيدا !! ومع ذلك فإن الواقع يفرض قوانينه الخاصة، وادى تأثير الجائحة لتضييق مساحة الحرية الشخصية بشكل حرفي أمام أعيننا، وهذا ليس فقط في الدول النامية، ولكن أيضًا في أكثر الدول ديمقراطية. فدعونا نعترف لبعضنا البعض، بأننا اليوم نحن أقل حرية بكثير في أفعالنا مما كنا عليه قبل اشهر، وهناك شكوك سيئة تتحول إلى قناعة قاتمة، بأن تضييق مساحة الحرية بالنسبة للكثيرين منا سيستمر، سينتشر على الأقل لأسابيع وربما لأشهر. ونحن الان في حالة طوارئ فلذا يجب حتماً إعادة صياغة العقد الاجتماعي بين الحكومات والمواطنين من قبل الطرفين المتعاقدين، أو على أي حال تحريرها بجدية، فللسلطات الحق في أن تتوقع من المجتمع مظاهر تؤكد المسؤولية المدنية والتضامن والانضباط الذاتي، حتى لا يكون هناك تسكع في المدن، وغارات على الصيدليات ومراكز التسوق ، والانغماس في العنف الاسري والتجاوزات الأخرى بلا رحمة للحرية، وتوقعات السلطات هذه طبيعية، وبالتالي هي مبررة، وبذات القدر مبررة رغبة المواطنين بوجوب مراعاة الحفاظ على حريتهم. وبشكل عام فأن الإنسان بطبيعته ليس محبا للحرية فحسب، بل هو أيضا يشكك في الانباء والتعليمات الحكومية، وباستمرار يرتاب، ويرى أن السلطات تريد أن تحصل منه على أكثر مما هي مستعدة لإعادته في المقابل، ولا يستطيع المرء القول إن ليس لديه أي سبب على الإطلاق لهذه الشكوك! إذن كيف يمكن للمرء أن يجعل شخصًا ولو كان على مضض، بالأقتناع بقبول الافتقار غير المعتاد والمرهق للحرية؟
لذا دعونا نقوم بصياغة عدة مبادئ لـ “التطبيقات المسؤولة لعدم الحرية”، والتي كان يجب على السلطات في كل دول العالم، التفكير فيها قبل اللجوء لأعمال يكون فيها تقييد الحرية أمرًا لا مفر منه، كما ويجب أن تصبح هذه المبادئ، في رأينا ، الأساس لأي عقد اجتماعي جديد “للجوائح الوبائية” :
اولا/ يريد الشخص أن يكون حرا بكل شيء وفقًا للقواعد وللقوانين الوطنية، وبناءً على ذلك لا ينبغي فرض أية قيود على الحرية وفقًا للإجراءات التشريعية المعمول بها، والجائحة ليست أساسًا على الإطلاق، وهي ليست سببًا حتى لفترة من الزمن للتخلي عن سيادة الشرائع والإجراءات التي تتوافق مع القانون، وإذا كان الساسة يضعون النفعية فوق القانون، و يعتزمون تجاوز الأطر القانونية لصالح القضية، فيجب أن يحتفظ المجتمع بالحق والمسؤولية لمساءلة رئيسه، على الرغم من حدوث أية جائحة وبائية، فهي ليست سوى حدث طارئ.
ثانيًا/ يريد الشخص أن يكون لديه كل شيء واضحًا، وحتى القيود الطفيفة على الحرية الشخصية يجب أن تكون شفافة وواضحة ولا لبس فيها قدر الإمكان، ومن المؤكد أن أي شك أو غموض يخلق أرضية خصبة للتفسيرات الذاتية والانتهاكات، وبالطبع قد يتحول إلى مصدر للفساد، ولذا لا يجب أن يكون لدى المسؤولين “منطقة رمادية” واسعة للتفسير التعسفي للوائح.
ثالثًا/ كل شخص يسعى إلى العدالة بالنسبة له او للأخرين، ومن أجل أن ينظر المجتمع إلى القيود على أنها عادلة، فمن المستحيل في تطبيقها ترك ثغرات لمعايير مزدوجة، فلا توجد “استثناءات” لنظام العزل الذاتي للسياسيين والمسؤولين ولزوجاتهم وأولادهم واقاربهم وأصدقائهم! وتحديد وبيان الحدين الاعلى والأدنى لعدد التصاريح والتصاريح الخاصة التي لا مفر منها، مع شرح واضح لمن وعلى أي أساس تم إصدار هذه التصاريح، ويجب ان يتم ذلك حتى لأكثر ممارسات التمييز تبريرًا، لأنه يفترض ان يكون الجميع متساوين قبل الجائحة واثنائها وحتى بعدها، وهنا يجدر تطبيق قيود الحرية الشخصية بالتساوي على الجميع.
رابعاً/ يجب على الشخص الذي يعاني من أصعب الأوضاع، أن يرى أمامه ليس سوطاً فحسب، بل جزرة أيضاً، وبذا الوقت فمن المهم ألا تكون جميع أنواع القيود واحتمالات فرض عقوبات شديدة وانتهاكها هي الوحيدة، فمن الضروري تعويض النقص الناشئ في الحرية عن طريق توسيعها في اشياء آخر، فإذا كانت الحكومات ترغب في تقييد حرية الحركة، فلتكون لطيفة وواضحة في إجراءاتها وتسهيل الوصول إلى الإنترنت وتبسيط اسعاره، وإزالة القيود الإدارية والقلاع الروتينية، وإعطاء المزيد من الفرص للتعليم والعمل والتواصل الاجتماعي عبر الإنترنت.
خامساً/ من الضروري ومنذ البداية محاولة تحديد الحدود الزمنية لجميع القيود المفروضة على الحرية الشخصية بوضوح، وحتى لو كان الوضع المتغير للجائحة يجبر بعد ذلك هذه الحدود على التحول، ففي الواقع إن الشخص بطبيعته ليس فقط محباً للحرية وشكوكا، ولكنه أيضًا قد لا يجدد انتخاب من فرضوا عليه ذلك، وتتذكر الشعوب جيدًا من تجاربها الخاصة أن أولئك الذين يقترضون جزءًا من حريتها الشخصية منها عادة، فهم لا يتسرعون في سداد ديونهم !!!

أحدث المقالات