ان أضلاع مربع الإرهاب في العراق الولايات المتحدة الأمريكية، القوات الحكومية العراقية، نظام الملالي الحاكم في إيران، الميلشيات الإرهابية سواء تنظيم القاعدة وخليفته داعش أو تلك المنضوية تحت غطاء الحكومة تحت تسمية الحشد الشعبي. وسنحاول مناقشة هذه الأضلاع كل على حدة مع إن هذا لا يعني عدم وجود تنسيق أو تفاهم بين تلك الأضلاع على أقل نقدير من حيث الهدف مع تباين الوسائل تارة، وتشابهها تارة أخرى.
أولا: الإرهاب الأمريكي في العراق
قبل الغزو الأمريكي البريطاني الصهيوني للعراق مارست إدارة البيت الإبيض إرهابا فضيعا ضد الشعب العراقي، الذي لم يكن له يدا في رسم سياسة الحكومة ما قبل عام الغزو ، او عملية التفاوض مع الأمم المتحدة ولجان التفتيش، فقد كانت الحكومة تتخذ القرارات دون الرجوع الى الشعب، وقد خلف الحصار الإقتصادي الجائر خسائرا بشرية ومادية إعتبرتها وزيرة الخارجية السابقة المقبورة (مادلين أولبرايت) بأنها ثمن معقول أو يستأهل على حد تعبيرها. كما قامت القوات الأمريكية بعمل إرهابي جبان في قصف القطعات العسكرية العراقية المسحوبة من الكويت دون مبرر. وتلى ذلك غزو العراق عام 2003 بحجج واهية! فالولايات المتحدة وتابعها البريطاني الذليل أدرى من غيرهما بأن موضوع أسلحة الدمار الشامل والتعاون مع تنظيم القاعدة هي مجرد ستائر تخفي ورائها أمن الكيان الصهيوني والسيطرة على النفط العراقي. أما ما يسمى بمعلومات المعارضة العراقية التي زودوا بها وكالة المخابرات المركزية وحرضوها على غزو بلادهم، فإنها ليست سوى نثر الرمال في العيون.
في شهر كانون الثاني من عام 2004 أعلن وزير الخارجية الأمريكي (كولن باول) بأنه لم ير دليلا ثابتا أو ملموسا أو حتى تلميحا يدعم تأكيدات إدارة بوش بوجود علاقة بين صدام حسين وتنظيم القاعدة”. وأشار معهد التحليلات الدفاعية التابع للبنتاغون في تقرير له نشرته وسائل الإعلام العالمية بإنه جرى تحليل ما يقارب (600000) ألف من الوثائق الرسمية الحكومية العراقية بما فيها من محاضر إجتماعات رسمية وحزبية وتسجيلات صوتية ومرئية، ولم يثبت من خلالها وجود علاقة بين تنظيم القاعدة والحكم الوطني السابق. مما يعني إن سبب الحرب ومبررها قد إنتفى بإعتراف الإدارة الامريكية السابقة واللاحقة! ويفترض أن يترتب على هذا الجريمة الدولية النكراء وفق القانون الدولي تعويضات من قبل الطرف المعتدي عن الخسائر المادية والبشرية التي ألحقت بالعراق بالأرواح والممتلكات. لكن مَن يطالب من؟ لأن الحكومات العميلة بعد عام 2003 هي أصلا صنيعة قوات الإحتلال.
الحقيقة ان الحرب على الإرهاب لا علاقة للعراق بها عن قريب أو بعيد، ولم يثبت وجود خيط مجرد خيط بين الحكم الوطني السابق وتنظيم القاعدة.
رغم الفشل الأمريكي الذي صاحب غزوها لإفغانستان إلإ ان إدارة الرئيس بوش إعتبرته نصرا فأعادت الكرة مع العراق! ذكر المحلل السياسي (فير ريفز)” اذا كان الامريكيون يعتقدون إنهم حققوا النجاح في افغانستان! فلابد ان يكون الفشل التام أمرا مروعا”. (صحيفة الاندبندنت/ فبراير3200). لقد كان غزو العراق جريمة وإنتهاكا لميثاق الأمم المتحدة ،كما عبر عنها الأمين العام السابق (كوفي عنان)، فقد وصفها (روبرت جاكسون) عضو المحكمة الأمريكية العليا بأنها تمثل” إنتهاك للقانون الدولي وتمثل جريمة حرب”. ووصف المحلل السريلانكي (GUNARATNA) بأنها ” أكبر فشل عسكري عالمي في الحرب على الإرهاب”.
صاحب الغزو الأمريكي للعراق إنفلات خطير، وعدم السيطرة على تصرفات قوات المارينز والمرتزقة المصاحبين لهم، وزاد من إستهتار قوات الغزو الحصانة القانونية التي يتمتعون بها، والتي تحول دون مقاضاتهم عن جرائمهم أمام المحاكم العراقية، وإنما المحاكم الأمريكية فقط التي برأت معظمهم في مسخرة قانونية لا مثيل لها في التأريخ الحديث. قُتِل الآلاف من العراقين لمجرد الشبهة أو مضايقة عجلات القوات الأمريكية في الشوارع العامة، ووصل الإستهتار إلى حد تعليق لافتات على السيارة الأمريكية تحذر السواق خلفهم من مغبة الإقتراب من الهمرات والمدرعات الأمريكية لأنهم سيتعرضون للموت، وفعلا قتلوا الكثير لمجرد تقربهم عن جهل أو غفلة، فهناك مئات الآلاف ممن لا يعرفون القراءة والكتابه، وهذه الأمية اصبحت فيما بعد من أبرز إنجازات العملية الديمقراطية، فقد وصل عددهم الى (7) مليون أمي، بعد ان حصل العراق في الثمانينيات من القرن الماضي على جائزة من اليونسكو بعد قضائه على الأمية.
إتبع الأمريكان شريعة الغاب في التعامل مع العراقيين، وقد وصفها الكاتب الأمريكي جيف سيمونز” الطريقة الامريكية في التعامل مع العراقيين هي أطلق النار من ثم اطرح اسئلتك”. (عراق المسقبل/53). ولكن لم يطرح احدا الأسئلة، ومن يجرأ على طرحها؟ وفي الوقت الذي كانت الميليشيات الشيعية تسرح وتمرح في مسرح الجريمة والإرهاب، إتبع الأمريكان قاعدة مثيرة في التعامل مع أهل السنة “إنهم نازيون”! هكذا سمٌاهم (بول وولفووتز) نائب وزير الدفاع الأمريكي. بالطبع هذا الوصف هو نتيجة لعملية المقاومة العراقية التي بدأت مع الغزو من قبل أهل السنة، وعدد محدود من الشيعة، فقد اعتبر الامريكان ان الشيعة والاكراد هم فقط أصدقائهم في العراق، لذلك عادوا وهمشوا أهل السنة.
يذكر المحلل السياسي (آلين كويك) بأن وولفووتز قصد في تصريحه ” العشائر السُنّية في العراق”. كما ورد في تقرير نشرته صحيفة آسيا تايمز. يعني فسر الماء بعد الجهد بالماء. وهذا ما أكده (بول بريمر) رئيس سلطة التحالف المؤقتة في بغداد لسنة كاملة (2003-2004) بأن” كل سُنّي بعثي، وكل بعثي صدّامي، وكل صدّامي نازي”. والحقيقة إن الأمر لم يقتصر على أهل السنة فحسب وإنما شمل العراقيين جميعا كما أشار (جيف سيمونز) نقلا عن صحيفة الواشنطن بوست عن مسئول في البنتاغون قوله ” كل عراقي يعتبر مقاوما حتى يثبت العكس”. (عراق المسقبل/53). أما إثبات العكس فيعني في الآخرة وليس في الحياة الدنيا.
أقرت الولايات المتحدة بانها تجاوزت الحدود خلال حربها المزعومة على الارهاب في جلسة استماع في جنيف امام لجنة الامم المتحدة لمكافحة التعذيب في 14/11/2014. فقد اكدت (ماري ماكلود) المستشارة القانونية في الحكومة الاميركية امام الاعضاء العشرة في لجنة مكافحة التعذيب في جنيف بأن” الولايات المتحدة فخورة لدورها في احترام والترويج والدفاع عن حقوق الانسان وتطبيق القانون على اراضيها وفي العالم، لكن بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر للاسف لم نلتزم دائما بقيمنا وتجاوزنا الحدود ونتحمل مسؤولية ذلك”. ولكن الإدارة الامريكية لم تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن تدميرها العراق.
بلا أدنى شك إن ممارسة التعذيب ضد الأطفال والنساء بجريرة أهلهم يمثل إنتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، وما جرى في سجن أبو غريب يشيب له الولدان. فقد إعترف (رونالد يورجس) مدير الاستخبارات في البنتاجون بأن” الأطفال كانوا ضحايا من خلال تعذيبنا لهم، ولكننا اضطررنا الى تعذيبهم امام أمهاتهم حتى يعترفنٌ عن أماكن ازواجهنٌ المنتمين الى المقاومين، وعُذرنا في ذلك اننا كنا ننفذ الأوامر الصادرة الينا من البيت الابيض او من البنتاغون في واشنطون”. لاحظ مصدر الأوامر!
إن هذا التعذيب الفضيع الذي طال الأبرياء قد ولد عندهم ، وهذا أمر طبيعي ـ رغبة جارفة في الثأر ولصعوبة الإنتقام الفردي من قوات الإحتلال، قرر بعضهم الإرتماء في أحضان الأحزاب والتنظيمات التي تعادي الغزو بغض النظر عن تطرفها أو إعتدالها، الإنتقام وليد المغالاة في العنف! وربما وجدوا في الثأر ما يشبع غليلهم نتيجة المعاملة السيئة في السجون الامريكية من أساليب مهولة يمكن الإطلاع عليها بسهولة في المواقع الألكترونية. علما إن الأفضع منها حُجِب من قبل الكلب الأسود في البيت الأبيض (الرئيس اوباما)، لكي لا يثير حساسية وشفافية الأمريكان حسب زعمه، أو يكشف لهم حقيقية الحرية والديمقراطية التي يتشدقون فيها أمام العالم ، وهي محض كذب وإفتراء.
وهذا نموذج من إعترافاتهم. ذكر (جيمس سكايلا جيرنود قائد سجن بوكا/ الكرمة في البصرة) للفترة 2006 و2007 ” ان الكثير منا في سجن بوكا كان قلقا بأننا عوضا من اعتقال السجناء، خلقنا وعاء ضغط للتطرف”. وحسب ما ورد في مقالة التايمز ” كون شكلك مشتبها به، وعمرك مناسبا لحمل السلاح بمنطقة مهاجمة، كان كافيا لتوضع خلف القضبان”. وعلقت الصحيفة ما لم يذكروه صراحة ولكنه يمكن ان يستشف من المعنى” ان تكون من أهل السنة”. وأضاف بأن الكثير من الحالات” كانت تمثل حالة مروعة من إجهاض العدالة، حيث كان السجناء لا يتهمون أو يصرح لهم برؤية الأدلة ضدهم، لينضم المُفرج عنهم للكثير من مكبوتي الغضب”. (واشنطن بوست في آذار 2009).
كانت قاعات السجون مكتظة بالمعتقليمن ومعظمهم من الأبرياء، يذكر (جيرنود) ” ان يلتقط هذا الغضب المكبوت النار ليس أمرا مفاجئا. في 2007، كان السجن مكتظا بحوالي 24,000 سجين” ويضيف جيرنود في حديث لمجلة (مذر جونز) ” كنا نراقب التطرف النامي، فقد كان هناك كم كبير من الضغط الجمعي على السجناء، جاعلا أفكارهم أكثر تطرفا. المعتقلون كانوا يستندون على بعضهم بحثا عن الدعم”. لاحظ إنهم يعترفون بأنهمو رعوا الإرهاب وزرعوا بذوره عن قصد في العقول الخصبة للسجناء سيما الذين لا يحملون أفكارا متطرفة. بل إنهم وحدوا بين صفوف متعارضة سابقة بسبب أساليبهم القذرة وكما يقول المثل العراقي” عدو عدوي صديقي”. لحقيقة إن االارهابي المقبور (بو بكر البغدادي) ومعظم القيادانت خلفه هم من نتاج سجن بوكا وبقية السجون الأمريكية، إضافة الى ما خلفته سجون المالكي السرية والعلنية من متطرفين.
جاء في تقرير (مجموعة سوفان) المؤسسة المختصة بأبحاث الإرهاب بـأن” التنسيق المميز في بوكا، الذي حشد بعثيي صدام حسين العلمانيين مع الإسلاميين الأصوليين، هيأ المسرح لشيء أسوأ وهو التعاون. فقد شكلت في السجن المجموعتان المتناقضتان اتحادا أقرب لزواج المصلحة، فكل مجموعة وفرت للأخرى ماكان ينقصها. وجد الجهاديون الجدد المهارات التنظيمية والانضباط العسكري، بينما وجد البعثيون السابقون من الجهاديين العزم والتصميم. في سجن بوكا، لقد تغيرت المعادلة عندما تبنى الأيدولوجيون الصفات الانضباطية والعسكرية، وأصبح المنضبطون متطرفين عنيفين جدا”. إنهم يعترفون بأنهم ساعدوا على تنمية الإرهاب في العراق.
أما الأغرب في تبرير ممارسة التعذيب للأبرياء في السجون فهو ما ذكره نائب الرئيس الأمريكي (ريتشارد ديك تشيني) بحديثه الى الشعب الأمريكي يوم 12/5/2004 عبر شبكة فوكس الأمريكية بقوله” إن التعذيب في سجن أبو غريب، جاء كحماية للوطن الأمريكي من انهيار سياسي، دون أن يوضح ماهية هذا الانهيار السياسي، الذي دفع واشنطون الى ارتكاب أبشع جرائم الحرب في التاريخ الإنساني السحيق والقديم والحديث والمعاصر”. لا نتصور أن أي شعب مهما بلغ من الحمق والغباء يمكن أن يصدق بأن التعذيب في سجن أبو غريب الغرض منه حماية الوطن الأمريكي الذي يبعد عن العراق آلاف الكيلومترات! مع هذا فقد فقس هذا التعذيب البشع أعداءا لإدارة البيت الأبيض ولمن يواليهم من دول الغرب الدائر في الفلك الامريكي، وهذا يفسر سبب استهدافها بعمليات ارهابية من قبل المتطرفين الاسلاميين.
ما عدا الإعتقال على الهوية والتعذيب في السجون بمحتلف الاساليب البشعة، فقد فسحت إدارة الغزو المجال تماما للميليشيات الإرهابية لتكمل دور قوات الغزو في الإنتقام من أهل السنة، وكانت الحرب الأهلية عام 2006 قد تمت تحت إدارة الغزو، من قبل رئيس وزراء العراق المهووس (إبراهيم الجعفري)، ولكن القوات الامريكية وقفت متفرجة على الممارسات الإرهابية لحكومة الطائفي المخبول حسب التقارير الطبية البريطانية،ا والميليشيات المتجحفلة معه كجيش المهدي وفيلق بدر والحرس الثوري الإيراني وميليشيا حزب الله وغيرها، مع علم الولايات المتحدة بأن نظام الملالي الحاكم في إيران هو من يقف وراء التفجيرات كما تبين فيما بعد، ولكنها لاذت بالصمت في حينها ودعمت قوى الإرهاب الشيعي. ذكر المحلل الاستراتيجي (جاك مايلز) ان” العديد من اهل السنة لاحظوا أن الولايات المتحدة قامت بوضع شاذ، كانت ولا زالت تدعم أول نظام عربي شيعي منذ قرون في العراق، وأنها تسعى بنشاط لتحسين العلاقات مع إيران الشيعية”. (هافينغتون بوست في 2/11/2014). ومع إنخراط بعض أهل السنة في العملية السياسية، لكن هذا لم يشفع لهم عند قوات الغزو، فقد إستمرت النظرة العدائية والرغبة في الإنتقام منهم بسبب مقاومتهم قوات الغزو.
تجدر الإشارة بأن البعض يلوم هيئة علماء المسلمين وبقية الأطراف التي كانت تحث العراقيين على عدم المشاركة في الإنتخابات القائمة في ظل الإحتلال وحملوها المسؤولية في حرمان أهل السنة من المناصب الحكومية وتحقيق التوازن الطائفي في الوزارات. ولكن الذي إتضح فيما بعد أن الهيئة ومن وقف معها كانوا على حق، لأن مشاركة أهل السنة لاحقا بقيت على الهامش وليس لهم دور مهم وفاعل في العملية السياسية أكثر من إسقاط فرض المشاركة، وبقي حال التهميش لحد اليوم! بل إن الأطراف السنية في البرلمان والحكومة في حقيقة الأمر هم أقرب للشيعة من أهل السنة، فكبيرهم رئيس البرلمان أسامة النجيفي شارك بنفسه في مجلس عزاء والدة المجرم الجنرال سليماني طوعا وبمبادرة منه! وهذا ما فعله نظيره سليم الجبوري، فقد تبين ان اكبر مستشاريه كان جاسوسا للنظام الايراني. ان المذابح التي تعرض لها أهل السنة في الفلوجة والحويجة واليوسفية والموصل والطارمية وديالى وصلاح الدين وغيرها تمت في رئاسته المأفونة ولم يحرك ساكنا. بل المجازر الوحشية ضد أهل السنة قادها الوزير المحسوب على أهل السنة سعدون أبو ريشة وزير الدفاع السابق وبعض القادة المحسوبين على أهل السنة. ولا يوجد موقف مشرف واحد في البرلمان والحكومة لإنصاف أهل السنة ممن يدعي إنه يمثلهم. لذا كانت نتيجة عدم مشاركتهم في الدورة الإنتخابة الأولى، وكثافة مشاركتهم في الدورة الثانية سيان. ناهيك عن عمليات التزوير التي صاحبت الدورتين الانتخابيتين على يد المفوضية السفلى للإنتخابات.
الحقيقة ان النظام الشيعي المتطرف في ايران هو من مخلفات حزب الاخوان المسلمين، وكلاهما يحذو حذو النعل بالنعل. وهذا يفسر العلاقة الحميمة بين الفكرين.
تنظيم القاعدة والعراق.
ذكر المحلل السياسي (جونثان رادل) بـأنه” لم يكن للقاعدة وبقية الجهاديين قبل الغزو الأمريكي سوى قلة من الأتباع في العراق، وكان وجوهم يقتصر على المنطقة الكردية الممتدة على الحدود العراقية- الإيرانية حيث رأت طهران إن بقائهم في هذه المنطقة أفضل وسيلة لضمان بقاء حالة عدم التوازن لدى القوميين الأكراد”. وهذا ما أكدتة الإدارة الأمريكية نفسها. ولكن السياسة الأمريكية عملت على تجميع قوى الإرهاب في العراق حسب قاعدة” قاتل العدو في غير أرضك”، وهذا ما صرح به الرئيس السابق بوش، وقد تم له ما أراد بمشاركة عربية ساذجة، لم تدرك الأنظمة العربية الحليفة للولايات المتحدة بأن الإرهاب عما يطرق باب جارك الآن، فإنه سيطرق بابك قريبا حتما. لقد كان الغزو الامريكي للعراق واحد من أبرز أسباب تفقيس قوى الإرهاب فيه وفي المنطقة، وهذا ما أكده (جوناثان ليون) بقوله” أن وجود الجماعات المتطرفة الإسلامية العنيفة، هو نتيجة مباشرة للظروف السياسية التي تفرضها السياسات الخارجية الغربية في الشرق الأوسط، وأن الدين ليس سوى مجرد وسيلة للتعبير في تلك الحالة؛ لذا، فكل محاولات دحض الحالات اللاهوتية لهذه المجموعات إنما هي انحرافات عن معالجة الأسباب الحقيقية لظهور هذه الجماعات في المقام الأول”.(ميدل إيست آي في 9/11/2014). وهذه هي الحقيقة بلا أدنى شك. إن غزو العراق بحجة انه محور الشر والارهاب، صاحبته نتائج معاكسة تماما، فقد تصاعدت وتائر الإرهاب، وتمددت ساحته في العالم بحدة، وهذا ما عبر عنه (ريتشارد كلارك) وهو من كبار مسئولي مكافحة الإرهاب في ثلاث حكومات أمريكية متعاقبة معللا سبب استقالته عام 2002 ” إن سبب انتقادي الصارخ لسياسة الرئيس بوش هو أن غزو العراق قد زعزع حربه ضد الإرهاب”. ( نيويورك تايمز 25/3/2004.).
لقد زادت الولايات المتحدة الطين بله من خلال ربط الإرهاب بالإسلام، مع أنه لا أحد يجهل بأن الإرهاب لا دين له ولا قومية ولا جنس ولا جغرافية. والأغرب من هذا كله ان موضوع الخلافة التي طرحت على البساط العراقي في الوقت الحاضر لم تكن مألوفة للرأي العام، وكفكرة لم تطرح من قبل التنظيمات الإسلامية السابقة فالشيخ إسامة بن لادن لم يطلق على نفسه لقب خليفة ولا الظواهري ولا أي من زعماء تنظيم القاعدة. أول من طرحها هم الأمريكان أنفسهم! وهذا يجعلنا نقف مبهوتين أمام الإشارة لها من قبل الإدارة الامريكية عام 2004 فقد ذكر قائد قوات التحالف المشتركة في العراق المحتل( ريشارد مايرز) بأن ” الخطر الحقيقي والأعظم على أمن الولايات المتحدة هو التطرف الذي يسعى لإقامة دولة الخلافة كما كانت في القرن السابع الميلادي. وإن هذا التطرف ينتشر بأماكن أكثر من العراق بكثير ولكنه أيضاً يعمل في العراق وينتشر فيه ويحرض المقاومين على الأعمال المادية ضد أمريكا في العراق” (جلسة الاستماع التي أقامتها لجنة خاصة في الكونجرس الأمريكي، التي تحدث فيها (ولفويتز وآرميتاج ومايرز) وعرضت قناة الجزيرة مقتطفات من الجلسة في 26/ 6/2004 لاحظ طرح كيفية موضوع الخلافة الإسلامية وإنها تثير قلق الولايات المتحدة ومركزها العراق! قبل ظهور ما يسمى بخليفة المسلمين! ألا يعني هذا شيئا؟ علما إن أول ظهور للاسم الجديد (داعش) كان في شهر نيسان 2013!
لنربط الكلام السابق بما كشف موقع (دايلى بيست الإعلامي الأمريكى) يوم 20/20/2014 ” أن المساعدات الأمريكية المخصصة للسوريين تذهب إلى تنظيم داعش، الذي يفترض أن الولايات المتحدة تحاربه. وذكر الموقع” إنه في الوقت الذي تقوم فيه الطائرات الحربية الأمريكية بضرب مسلحي داعش في سوريا والعراق، فإن الشاحنات المحملة بالمساعدات الأمريكية والغربية تتدفق داخل الأراضى التى تخضع لسيطرة الجهاديين وتساعدهم في بناء دولة الخلافة الخاصة بهم”. وأشار الموقع إلى أن هذه المساعدات ممولة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وكذلم من مانحين أوروبيين ومنظمات مختلفة داخل الولايات المتحدة.
إن الخطاب الامريكي والأوربي ضد الإسلام قد أجج مسألة التطرف عند بعض المسلمين، فلكل فعل ردة فعل تساويه في القوة وتعاكسه في الإتجاه، ذكر (جوناثان ليون) ان” الغرب قد سمح لنفسه، باحتكار الاستخدامات المشروعة للقوة في الصراعات التي يديرها ضد العالم الإسلامي. وإن إنتاج الخطاب الغربي حول موضوع العنف والحرب، يعتمد بالأساس على بعض المبادئ التي ترتكز على خطاب معاد للإسلام، وهي أن الإسلام عنيف بطبيعته، وأنه انتشر بالقوة، وأن المسلمين غير عقلانيين، ويتحركون بدافع من التعصب الديني. والنتيجة هي الخطاب الذي يتيح للغرب دون منازع، القدرة على تحديد التكتيكات والأسلحة والأهداف، التي تعتبر مشروعة، والتي هي ليست كذلك”. (الإسلام من خلال العيون الغربية).
مع كل صنوف الإرهاب التي مارستها الولايات المتحدة الامريكية والغرب ضد الدول العربية والإسلامية وبقية الشعوب الآمنة، لم يطلق المسلمون صفة الإرهاب المسيحي عليها. مع إن الكنيسة المسيحية ببعض قسسها تدعم هذه الأعمال الإرهابية سرا أو علنا، او تغض النظر عنها أحيانا. في حين ربطوا الإرهاب بالإسلام مع إنهم يحتفظون بعلاقات جيدة مع أكبر دولتين إسلاميتين عربيتين وهما السعودية ومصر. وغير عربية تركيا وايران. ومع كل الإرهاب الذي مارسه الصهاينة ضد شعبنا الفلسطيني الصامد منذ وعد بلفور المشؤوم ليومنا هذا، لم يربط المسلمون اليهودية كدين بالإرهاب، مع ان دينهم اليهودي يحرضهم على إستخدام العنف ضد غير يهود. كل الإرهاب في العالم لم يرتبط بدين ما عدا الإسلام، من ثم يلوموا المسلمين على تطرفهم!
ولو إفترضنا جدلا عدم وجود إسلام فهل هذا يعني إنتفاء الإرهاب في العالم؟ كيف يفسر الامريكان بأن أعلى نسبة من عمليات الإرهاب العالم تجري في امريكيا اللاتينية؟ هل دول امريكيا اللاتينية إسلامية؟
هل كان الإسلام وراء الحربين العالميتين الأولى والثانية بإعتبارهما نموذجين صارخين للإرهاب الدولي؟ لقد دفع المسلمون الملايين من القتلى والجرحي في حربين عالميتين لا ناقة لهم فيها ولاجمل.
إن كراهية الأمريكان للمسلمين والإسلام إنما تأجج نار التطرف، وهذا ما لم تدركه بعد أكبر قوى في العالم. يا للخيبة!
علي الكاش