بحسب ما اعلن المستشار الخاص لرئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، لم يتبق على موعد انطلاق الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الاميركية سوى ايام قلائل، اذ اكد هشام داود في مؤتمر صحفي قبل يومين، ان العاشر من الشهر الجاري، سيكون الموعد الرسمي المتفق عليه لانطلاق الحوار عبر دائرة تلفزيونية مغلقة.
وارتباطا بذلك، راحت تتسرب اسماء اعضاء الفرق التفاوضية من كلا الجانبين، فمن الجانب العراقي، قيل ان اعضاء الفريق المفاوض يبلغ عددهم واحد وعشرين شخصا يحملون اختصصات امنية وعسكرية وقانونية واقتصادية ودبلوماسية، وسربت بعض وسائل الاعلام والاوساط السياسية، ابرز الاسماء، ومن بينهم، الوكيل الاقدم لوزارة الخارجية عبد الكريم هاشم، وسفير العراق الاسبق في الولايات المتحدة الاميركية لقمان فيلي، والسفير الحالي فريد ياسين، ووكيل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حامد خلف، والباحث الاكاديمي الذي كان مرشحا لمنصب وزير الخارجية، الا ان البرلمان رفضه حارث حسن، وشخصيات اخرى.
اما بالنسبة للجانب الاميركي، فأن ابرز اعضاء فريقه التفاوضي هم، مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الاوسط ديفيد شينكر، ومساعد وزير الخارجية لشؤون الطاقة فرانسيس فانون، والنائب الاول لمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط والقائم السابق بأعمال السفارة الاميركية ببغداد جوي هود، ونائب مساعد وزير شؤون العراق في مكتب شؤون الشرق الادنى بوزارة الخارجية ديفيد كوبلي، ووكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية ديفيد هيل، والسفير الحالي للولايات المتحدة في العراق ماثيو تولر.
وفي الوقت الذي يؤكد البعض ان الاسماء لاتشكل اولوية في دائرة تحديد الاولويات وتشخيص المسارات، فأن هناك من يرى العكس من ذلك تماما، بالقول ان هوية المفاوضين واتجاهاتهم وقناعاتهم يمكن ان تساهم في بلورة سياقات واليات التفاوض ومن ثم طبيعة النتائج والمعطيات التي يمكن ان تنتهي اليها المسيرة التفاوضية.
واذا كانت هناك ضرورة واهمية كبيرة لبحث ودراسة وتمحيص وتقييم اعضاء الفريق التفاوضي العراقي من زوايا وجوانب مختلفة، دون الاقتصار على جانب واحد فقط، فأن الامر الذي لايقل اهمية عن ذلك، ووفق ما يسمى بعلم وفن التفاوض، يتمثل بالوقوف على كل التفاصيل والجزئيات المتعلقة بأعضاء الفريق التفاوضي الاميركي، ولعل الملاحظة المهمة والجوهرية التي شخصها وتوقف عندها بعض المراقبين والمعنيين، هي ان كل الاسماء التي اعلن عنها من اعضاء الوفد الاميركي المفاوض هم من الصقور، الذين يتبنون مواقف متشددة، ويدعمون الاتجاه القائل بضرورة عزل وابعاد العراق عن جارته ايران.
لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية استضافت قبل يومين وكيل وزارة الخارجية وعضو الوفد المفاوض عبد الكريم هاشم، حيث وجهت له جملة تساؤلات واستفهامات بشأن “اسماء فريق التفاوض العراقي وامكانيات اعضاء الفريق وقدراتهم في فن التفاوض الى جانب اهمية تمثيلهم لجميع المكونات العراقية، فضلا عن تناول اسماء فريق التفاوض الاميركي”، وبحسب البيان الصادر عن اللجنة، “استعرض المجتمعون الخطط المعتمدة من قبل وزارة الخارجية لبدء حوار مثمر يحقق مصالح العراق العليا وينظم العلاقة مع الولايات المنحدة بشكل يحافظ على السيادة الوطنية”.
وفي سياق مقارب، يشير وزير الخارجية العراقي الاسبق هوشيار زيباري، الى غياب التكافؤ بين وفدي العراق والولايات المتحدة في الحوار الاستراتيجي المرتقب، قائلا في تغريدة له على منصة التواصل الاجتماعي(تويتر)، “إن فريق التفاوض الأميركي أقوى بكثير وأكثر مهنية من الفريق العراقي في الحوار الاستراتيجي” مشددا على ضرورة معالجة هذا التفاوت”.
هذا من جانب ومن جانب اخر، ينبغي ان يتأسس الحوار والتفاوض، على ارضية قوية ورصينة، تكون القضية المحورية والاساسية فيها أنهاء التواجد العسكري الاميركي بكل اشكاله ومظاهره، ووضع اطر وهياكل مناسبة للعلاقات السياسية والاقتصادية والامنية والثقافية بين الطرفين بما يحفظ السيادة الوطنية ويعززها.
وبينما قال هشام داود، في مؤتمره الصحفي الاخير، “سنؤكد في مفاوضاتنا مع الجانب الاميركي على السيادة الوطنية، دون التطرق بشكل مباشر الى انسحاب القوات الأمريكية”، نقلت وسائل اعلام شبه رسمية عن مصادر خاصة، قولها ان هناك ثلاثة محاور سيبحثها العراق مع الولايات المتحدة الأميركية، في الحوار المرتقب والمزمع إجراؤه في العاشر من الشهر الجاري، والمحاور الثلاثة هي التأكيد على دعم العراق عسكريا في حربه مع عصابات داعش، والتعهد بحماية المنشآت الاجنبية التي تعمل في البلد، والدعم الصحي في المرحلة المقبلة في ظل تفشي وباء كورونا”.
ويبدو ان هذا المسار، اذا كان هو الذي سيتبع في الحوار، يمكن ان يولد ردود افعال سياسية وشعبية رافضة او متحفظة ومعترضة، بسبب اختلال الاولويات، اذ ان المطلب المهم والاساس، يتمثل بأنهاء التواجد الاجنبي-الاميركي، وهذا ما شددت عليه المرجعية الدينية وطالبت به ساحات التظاهر السلمي، واقره البرلمان في الخامس من شهر كانون الثاني-يناير الماضي، وشرعت الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي العمل عليه، بعبارة اخرى، ان الثوابت والمباديء التي من المفترض ان يتأسس عليها وينطلق منها الحوار الاستراتيجي، ينبغي ان تحتكم الى المصالح الوطنية اولا واخيرا، ولاشك ان التوقف والتدقيق عند خلفيات الحماس الاميركي للحوار الاستراتيجي، امر مهم للغاية، لانه على ضوء ذلك، يمكن ان تنطلق وتتحرك عجلة الحوار بمختلف عناوينه واتجاهاته بصورة صحيحة ومنطقية، وبالتالي تتبلور النتائج المطلوبة، سواء في اطار اتفاقية جديدة او من خلال مذكرات تفاهم متنوعة.
وبما ان العراق خاض تجربة مفاوضات ماراثونية طويلة مع الجانب الاميركي في عام 2007 بعهد رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي، افضت الى ابرام الاتفاقية الامنية واتفاقية الاطار الاستراتيجي في عام 2008، ومهدت لانسحاب القوات الاميركية من البلاد في نهاية عام 2011، فأنه من الضروري جدا اجراء مراجعات تفصيلية دقيقة لتلك التجربة وتشخيص نقاط قوتها لاستثمارها وتوظيفها في المفاوضات الجديدة، وكذلك تشخيص مكامن ضعفها لتجنب الوقوع بها مرة اخرى، فضلا عن ذلك فأنه يفترض الاستفادة من تجربة الفريق التفاوضي السابق، لاسيما وانه كان يضم اسماء بارزة ومهمة، وقبل ذلك كله، لابد من عدم حصر ملف التفاوض في دوائر ضيقة ودهاليز مظلمة، وبأدارة وتوجيه اسماء معينة، لان ملفا بهذه الدرجة من الاهمية والحساسية والخطورة، يتحتم ان تتعدد حلقاته وتتوسع مساحاته، ويكون الحسم النهائي لمخرجاته تحت قبة البرلمان لاغيره.