مع الاسف نحن لا زلنا نعيش في البيت القديم الذي خرجت الناس كلها منه ونحن لازلنا به نعتقد..حتى اصبح أمر الدين شكاً ونظنيناً..ونحن لازلنا نصر على استخدام فكره القديم..فالأيمان الديني مسألة قلبية والعالم المتقدم أدخل عليه التحديث..بعد اتساع حرية الفكر وسلامة المنطق ..فمادام الدين يدعو للتمييز بين الحق والباطل ،فدعو القانون يعمل والدين يراقب . من هنا سنختصر الطريق على الخصومة المتأصلة بين المصدقين والمشككين..
فأذا اردنا ان نبني دولة حديثة – وهذا من حقنا – ان نعتمد الديمقراطية الحقيقية التي تعتمد المعايير الدولية في اساليب حكمها لحقوق الجماهير، والتآلف مع دول العلم المتحضر لا مع الدول التي لازالت تنظر بعين واحدة لمستقبل الشعوب يقودها الظلم والتخريف بأسم الدين ..فالعصور الثلاثة الاولى للاسلام انتهت بزمانها وحل محلها العلم الحديث…فمسألة حكم الشريعة الدينية انتهى..وحل محله حكم القانون المدني الذي يساوي في الحقوق وتبقى الشريعة هي التي تراقب المخالفين .
فهل صحيح ان من يحكمون الوطن اليوم يؤمنون بعلمٍ ودين..أم بالخُرافة ؟ وأيُ دين هذا..الذي به يؤمنون؟ ..دينُ علمٍ وعقل ..ام سماءٍ اُنزل منها الدين .. ام دينُ ارضٍ وهمي..عليها يسكنون ؟.. لا اعتقد ان الذين يتمسكون بالدين ظاهرا ويطبقون الباطل علناً مرَعليهم انهم فكروا بدين عقل وسماء يعتقدون..فهل الدين حقيقة قائمة ؟ ..وهل الدين ضرورة لازمة لديهم؟ انه وَهم في أعراف الذين لا يؤمنون …أعتقد ذلك بكل تأكيد أنهم لايؤمنون..لأنهم لا يعتقدون ..والا لماذا الاصرار على الباطل دون الحقوق..؟`.
سؤالان متشابهان، بل سؤال واحد في صورتين مختلفتين هما: صورة الدين وصورة الخُرافة فكيف بمقدورنا الفصل بينهما وتحديد النافع منهما وترك الأخر.. ؟ أم ان الأثنين فعلا في سؤال واحد هو عقيدة الخُرافة بالنسبة للذين لا يؤمنون بدين..؟ جواب صعب لكن من يملك ثقة الحقيقة بالعقل دون العاطفة يستطيع تحديد الجواب.
علماء كثيرون دخلوا في نقاش هذا المعترك الفلسفي فكانت لهم اجوبة مختلفة ، واخيرا ألتقت الأراء في النهاية على حقيقة واحدة هي :” ان العقل هو اول مكتشفات الانسان..ومنه جاء الدين ” ..وبه استطاع العالِم والمتحضر من تحديد معنى الحياة وكيفية الفصل بين الخير والشر…والرحمن والشيطان ..اوقل بين العقل والدين والخُرافة..
اما الخرافة فهي اعتقاد قائم على مجرد تخيلات دون وجود سبب عقلي او منطقي مبني على العلِم والمعرفة..وهي آرث تاريخي فلكلوري مرتبط بتاريخ اجيال الشعوب..وهي اما دينية اوثقافية او اجتماعية كالايمان بخرافات المنجمين وشعوذة رجال الدين كما يعتقدون بحذوة الحصان في باب الدار والتشائم من الرقم 13 مثلاً والحرز والبخور.فهل هؤلاء الذين يحكمون اليوم بخرافة المال والمنصب والجنس والنظريات الوهمية يؤمنون بدين العقل مثلاً أم بدين الخُرافة والا لماذا أحيوا كل هذا الذي اماته فكر الدين المنطقي من زمن كما في القتل والتخريب واغتصاب النساء والتفريق بين الرجل والمراة في الحقوق وهي لازمة انسانية جاءت بنص “البقرة 180″ كما في داعش والمؤيدين لها دون تحديد؟…مستحيل المقارنة ، لأن لا يمكن ان يتفق على صدق نقيضان.
فما معنى العقل ؟ وما معنى الدين ؟ وما معنى الخرافة ؟.. بهذا السياق يكون العقل..هو القدرة على عقل الأشياء،أي القبض على الاشياء والسيطرة عليها..فالعقل مثل الجسم يبدأ صغيرا ثم ينموا ويكبر بمرور الزمن ويزداد قوة بالاستعمال..وبالتطبيق العملي .. نجتاز مرحلة الخُرافة التي تتتمسك بها مؤسسة الدين الى مرحلة الأدراك بطريقة سليمة.
أما معنى الدين ؟ كلمة أصلها ديَن” وهو جنس من الأنقياد والخضوع، فالدين بمعناه الأنساني هو الطاعة ومنه جاءت كلمة المدَينة والمَدَنية وهو مكان تقام فيه طاعة الحاكم..اي مكان تقام فيه طاعة المدين للدائن ..مقابل أخذٍ وعطاءٍ.
من هنا جاء قول الحق:” مالك يوم الدين ” اي يوم المطالبة بالدَين الذي قدم للناس مقابل عطاء فمن اخلص كان له الثواب ، ومن قصر كان له العقاب..ومن هنا جاءت أيضاً نفخة الروح التي اقرت بقوانين الوجود..لضبط الحقوق بين الناس في الحياة..اما كون الدين مجرد عبادات فهذا أمر مرفوض..لذا فالدين هو القانون الآلهي الخالي من النواقص والعيوب والاعتداء على حقوق الاخرين..والذي يتولاه القانون ..هذا هو الذي لم تفهمه مؤسسات الدين والمتدينين المتزمتين ..منذ ان ابتكرفقهاء السلطان المذاهب المختلفة للتفريق بين الناس واضعافهم والسيطرة عليهم بالخُرافة..كخرافة ولي الفقيه والمهدي المنتظر والمسيح الدجال وقدس سره ودرء الخطر..والشعب المختار وغيرها كثير.
لذا فمصطلح الدين يعني صفتين اساسيتين هما: الاستقامة .. والحنيفية اي التطور، يقول الحق عن لسان ابراهيم (ع) :” اني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفاً وما أنا من المشركين الأنعام 79،” أي متطورا لا أؤمن بخرافة الصنم. وكل هذه المصطلحات تحتوي على ثلاث مركبات حدية لا يجوز التجاوز عليها من قبل معتقديها في كل الظروف والاحوال مهما كانت ان كنت مؤمنا .. وهي: الحق…والاخلاق… والتشريع .. الذي يحتوي على العبادات والأعراف..من هنا نقول دين الحق يعني..دين الوجود الموضوعي خارج الذات الأنسانية..أي الكون كله..وبهذا الكون ووجوده نستطيع ان نتعرف على القوانين العامة الناطقة للوجود الموضوعي المتحكمة بسير الحياة العامة من اجل تحقيق العدالة المطلقة بين الناس بالحق ..لذا يقول القرآن :”قولهُ الحق، الأنعام 73″…
من هنا فالقيم هي السلوك.. والتشريع هو الاستقامة.. والاعراف هي الحدود التي يجب ان لا تُخترق بالمطلق ان كنت مؤمناً..لذا حُددت كل هذه الامور “بالتقوى ” وهي الالتزام بالسلوك الانساني الذي يجب الألتزام به. كل هذه المفردات تعني الفطرة الانسانية مع قوانين الطبيعة التي لازمت المخلوق منذ البداية وحتى دخولة مرحلة الصيرورة الزمنية أي التطور الزمني..مع الاسف ان مناهجنا المدرسية قد خلت منها بعد ان سيطر عليهاعقل الدين الخُرافي الذي زرعه الفقهاء في رؤوس الناس باطلاً… لا عقل الدين الواعي الذي جاء به القرآن..لذا ظل الدين عبارة عن وَهم في عقولهم..
كل الانبياء والرسل الذين جاؤنا بالاديان كانوا يهدفون سعادة وحرية الانسان واقامة العدل بينهم ..فموسى(ع) ينصح الفرعون بالاعتدال وتحقيق العدالة ..وعيسى (ع) يطالب اصحابه بتحقيق صوت الأمل والحياة في اجواء السلام ،ومحمد (ص) يطالب اصحابه بالعدل وعدم ظلم الاخرين (لكم دينكم ولي دين) ..والقرآن يقول لهم جميعا ..”أنه الحق” فأي دين هذا الذي يحكمون به الحاكمون بالتفريق اليوم ؟
لكنهم تناسون ان القرآن قال :من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الارض كأنما قتل الناس جميعاً ،المائدة 32″..نعم انهم يعتقدون بدينهم ..دين الخُرافة التي بها يعملون..وهو دين النخب المختارة الذي به على الاخرين يسيطرون.” ألم يقل ابو جهل (قتل في معركة أُحد ) نحن نؤمن بدين لا يدانيه احد”..نعم كما هم يقولون اليوم اصحاب المذاهب المخترعة الباطلة :”نحن اهل المعرفة والعرفان (قدس سرنا) فلا احد له الحق في مسائلتنا بما نحن فيه عاملون”..اسرق.. أقتل ..فالمال السائب سرقته حلال فانت فوق محاسبة الرب والاخرين ..وأنت المحصن بالعُصمة المتوارثة وقدسية الخالق العظيم.
يبدو ان المسلمين نسوا ايضاً ان دينهم هو دين التطور والحقوق وهو أقرب الى المعقول من ديانات الأخرين الوَهمية..فهو ليس دين خُرافة حتى ينكرون..دين يؤمن بالحقوق وجملة المعرفة والعلوم فكيف يجهلون ؟ من دين الحق أنبثق الضمير والاحساس بحقوق الأخرين والألتزام بقيم السماء والأنسان ،فظهرت كل القوانين..فهم في الانكار والتغليس في الحقوق ليسوا مخيرين.
والعلم الحديث يقول كما في رأي الفيلسوف عباس العقاد (ت 1964 في القاهرة ) “ان التعبير الرمزي والعقيدة الأيمانية لا زمتان من لوازم تكوين الأنسان في مدركات حسهِ ومدركات نفسهِ بأختلاف الاساليب ومعارض الادراك..ففلسفة الدين ليست عبادة صوم وصلاة وحج وزكاة بل هي عقيدة فيها صواب العقول التي يجب ان ننطق ونعمل بها في كل الظروف ، فهي لنا وللاخرين سواء بسواء..فهي الألتزام بالحقوق..لذا فمدركات الدين تعني مدركات العقول والحقوق والكمال للجميع..وليس حكراً على احد..فكيف يحتكرون ؟.
اليوم على المنهج المدرسي لا مؤسسة الدين قاتلة – القيم والمثل- ان يُدخل شروط الدين عند المتعلم منذ الصغر ليربي عنده الضمير الذي بعمله يريح البشر بالتعمق في معرفة بواطن الامور وخفايا الشعور..ليصبح انسانا له دين..يؤمن بحقوق الوطن وحقوق الأخرين.
فهل من يحكمون اليوم بالدين..ادركوا نظرية الشمول في حقوق الناس والابتعاد عن احتكارها كما في دولة الكهانة الاولى عندما عبدو الصنم وقدموا له الضحايا الانسانية دون ادراك الحس والشعور والضمير..من هنا أرادوا ان يحرقوا “ابراهيم نبي الله” لانه رفض منهم عبادة الاصنام الذين لا ينطقون..حين كان دينهم حكراً للكاهن ووقفاً على المعبد مجسدا بالشعائر والمراسيم مدى الحياة دون تغيير..الم يكن اليوم غالبية من يحكمون يلطمون ويهتفون بترانيم لا يقبلون بغيرها وبأستمرارها يعتقدون..اذن أنهم واهل المعبد الكاهن متساوون.
الدين يقول لهم..انه هو الحق..وعن الرسول يقول:” قل انما أنا بشر ُ مثلكم يوحى اليَ الكهف 110″ ..فلماذا يصرون على العُصمة والقدسية واحتكار القيم لهم وبهما يَظلمون.. والقرآن يقول ان العصمة في الرسالة وليس في الرسول :”يا ايها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس، المائدة 67 “..اما الذين يعتقدون بأن هذه الآية الكريمة نزلت في حق الامام على (ع) في التعيين خلفا للرسول..فهم يجهلون..لأن الله يهدي للتي هي أقوم ويرسل الانبياء ولا يعين الحكام للعالمين..كفاية فُرقة فالأمام علي شخصية فوق الخلافة والخلافيين..
من هنا ترى العاقل لا يؤمن بسدنة الدين وما يقولون….فكيف يريدون منا الايمان في أمة فسد فيها رجال الدين.. حين باعوا الوطن للاجنبي وقبضوا الثمن في شرعنة احتلاله.. والله يرفض خيانة الاوطان ،الأنفال58..ونكثوا القسم واليمين والشهادة والله يرفض التزوير،الفرقان 72..واعتدوا على الحرمات والله لا يحب المعتدين ، البقرة 190.. ونحن نقول لهم أنتبهوا وعودوا الى رشدكم ..فأنتم الفقراء الى الله تعالى والله هو الغني الحميد..فهو ليس بحاجة الى من لا يعتقدون لا بدين ولا بحقوق الأخرين ..ان يكونوا وصايا على المؤمنين.
والاديان … كل الاديان السماوية ..توحي بعقيدة الذات الآلهية في الهداية…وعقيدة العلم والحقوق لكل الناس دون تفضيل الا بالعلم والمعرفة..يقول الحق :”هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ..أم هل تستوي الظلمات والنور، الزمر 9”. وعقيدة الروح في العلم والعمل وحقوق الأخرين…بهذه الصفات تكون المجتمعات بلا ظلم… ولا ضغينة …ولا مذاهب مخترعة تباعد بين الناس… ولا خرافة المتخرفين ممن يدعون انهم رجال دين..والله لا يعترف بهم ولا يخولهم حق الفتوى عن الناس..ولا يميزهم بلباس معين كما فعل رجال العهد القديم ومن يدعي غير ذلك فليأتنا بنص قرآني صريح…..فهل وطن الحضارات يريدونه ان يؤمن بالتخريف وتبعاً للأخرين..لله درك يا وطن كيف ترضى بمن يحكموك…من التخُريفيين اليوم..؟