حوار مع اليتيم الذي صار مهندسا ورائدا لأدب وثقافة الأطفال في العراق “حامد الفلاحي ”
حاوره / احمد الحاج
لطالما سأل القراء والمعجبون والمتابعون لمؤلفاته وكتبه الماتعة المتنوعة التي تغص بها رفوف المكتبات العامة والخاصة عن سر إهتمام هذا المؤلف غزير الانتاج بأدب الطفولة وثقافة الاطفال، كيف لا وقد ولد هذا المبدع العراقي يتيما فـي مدينة الفلوجة سنة (1964) بعد أن توفـي والده وهو فـي سن الرابعة من عمره، فنشأ يتيمـًا ، وقد ترك اليُتمُ الـمبكّـر آثاره البعيدة فـي مستقبله حياتـه ، تعجلّ أهلـه في إدخالـه الـمدرسة على خلفية نضوجه الفكري الـمبكّـر الذي منحـه تفوقـًّـا علـى أقرانـه ، نشأ فـي بيئة ذات أصول قروية تـحكمهـا التقاليد اذ لـم يكن فيها ما يشجّع علـى التفوّق والإبداع ، ولـم يجد لـه فيها أُسوة، فعانى من الغربة الـمبكّـرة وهو يسيـر فـي درب النجاح وحيدًا، كان أول طالب يـحصل علـى شهادة الـهندسة بيـن إخوتـه وأبناء عمومتـه وذلك بعد ان إلتحق بكلية الطب ـ جامعة الـموصل سنة ( 1981) ، الا انه لـم يجد فـي نفسه الـرغبة بدراسة الطب، فإنتقل لدراسة الـهندسة فـي قسم هندسة البناء والإنشاءات ـ الـجامعة التكنولوجية فـي بغداد، ومنها حصل علـى شهادة البكالوريوس فـي الـهندسة سنة (1985) ، انه المهندس والكاتب الهمام حامد الفلاحي ،الذي سبب لنا حيرة من أي محطة نبدأ معه وكل محطاته تستحق أن يُبدأ بها، ومن أي مرفأ نبحر معه وكل مرافئه جديرة بالاهتمام والاستهلال والابحار، وبادرناه بالسؤال الاول :
* صدر لكم حديثًا فـي العاصمة العراقية بغداد كتيّب مصوّر تعليميّ توضيحيّ عن كيفية أداء الوضوء والصلاة، يتضمّن عبارة مختصـرة لكلّ مسألة من مسائل الوضوء والصلاة، مع صورة توضّح الـمقصود منها، يقع الكتاب فـي (16) صفحة ملوّنة، ويضم (21) صورة توضيحية، مع الأذكار الرئيسة فـي الصلاة ، والتشهّد والصلاة الإبراهيميّة والأدعية، ألـحق به (4) سور من القرآن الكريم، هي سورة الفاتـحة وثلاث سور قصيـرة، مع بيان معانيها، وتـمّت مراجعة الكتيّب من قبل الدكتور طه الزيديّ، حدّثنا عن أسباب إعداد هذا الكتاب.
– يعتبـر إعداد هذا الكتاب (فرض كفاية) قـمنـا به بعد أن اتصل بـي أحد الأخوة، وفاجأنـي بقوله أنه بـحث عن كتاب مصوّر لتعليم الصلاة فـي الكثيـر من مكتبات بغداد فلـم يـجد!
يومئذ اتصلتُ بالدكتور طه أحـمد الزيديّ، عضو الـهيئة العليا للـمَجمَع الفقهيّ العراقـيّ الذي وافقنـي الرأي بضرورة إعداد كتاب مصوّر لتعليم الوضوء والصلاة، فقـمتُ بـإعداده وتـصميمه علـى برنامج الفوتوشوب، فيـمـا قام هو بـمراجعته وتدقيقه والتقديم له.
وقد تساءلتُ يومهـا: إذا كانت مكتباتنـا تـخلو من كتاب لتعليم الصلاة، فـأيـن مؤسساتـنـا الدينية؟
* كانت قراءاتك كثيـرة، وفـي عـمر مبكّـر منذ الـمرحلة الإبتدائية، حيث كنت تلتهم القصص التـي كنت تستعيـرهـا من مكتبة الـمدرسة، ثمّ قرأت بعد ذلك روايات (نـجيب محفوظ)، وكتب ( توفيق الـحكيم)، و( خالد مـحمد خالد)، ثمّ توسّعت قراءاتك لتشمل كتبـًا قديـمة وحديثة ومعاصـرة، فقـرأت لـ(ابـن كثيـر) و( الإمام الشعراوي)، و(يوسف القرضاويّ)، وآخريـن، وكان لتلك القراءات الكثيـرة دورٌ فـي صقل مواهبك وتنمية قدراتك، تُـرى مَن هو الكاتب الذي أثـّر كثيـرًا فـي شخصيّتك، وصاغ أفكارك لاحقـًا؟
– فـي مرحلة الدراسة الـمتوسطة قرأت كتاب (رجالٌ حول الرسول) لـخالد مـحمد خالد رحـمه الله تعالـى، وكان له وقعٌ خاص فـي نفسي، ذلك أنّ أسلوب الكاتب فيه كان مـختلفـًا عن كلّ ما قرأته قبله، وعرفتُ لأول مـرّة حلاوة (السّهل الـممتنع)، ذلك الأسلوب الساحر الذي يـجمع بيـن سهولة العبارة وبلاغتهـا، لقد كان خالد مـحمد خالد فـي كتاباته الإسلامية (مـجدّدًا) فـي فـن الكتابة، ولقد عشتُ فـي كتابه هذا مع أصحاب رسول الله صلـى الله عليه وسلـم وكأنـي معهم، فـي بيوتـهم ومسجدهم وغزواتـهم.
قرأت لـخالد بعد ذلك (خلفـاء الرسول)، و( عشرة أيام فـي حياة الرسول)، و( هكذا تـحدّث الرسول)، وما زلتُ حتـى اليوم أحاكـي أسلوبه فـي الكتابة والرسم بالكلـمـات.
كاتبٌ آخـر تـرك أثـرًا كبيـرًا فـي شخصيّتـي، هو الدكتـور (نـجيب الكيلانـيّ) رحـمه الله تعالـى، وهو طبيبُ مصـريّ أبـدع فـي كتابة القصص والروايات، وقد كتب أكثـر قصصه ورواياته من عوالـمه التـي عاشهـا فـي الأرياف والـمستشفيات والسجون، وقد قرأت بشغف كبيـر فـي عقد الثمـانينيّات من القرن الـمـاضي رواياته التـي صوّر فيهـا معانـاة الأقليّـات الـمسلـمة فـي العالـم، من مثل رواية (ليالـي تركستان)، و(عـمـالقة الشمـال)، و( عذراء جاكرتـا)، و( الظلّ الأسود)، وقد قرأت جـميع رواياته التـي تـربـو علـى الثلاثيـن.
* بداياتك كانت سنة (1986)، وكنت يومهـا جنديًّـا فـي مؤسسة الإسكان العسكريّ فـي صحراء حديثة، وهناك كتبت سلسلة من الـمقالات تـحت عنوان: (أيـامٌ فـي الذاكـرة)، نشرت فـي (مـجلة التـربية الإسلامية) فـي بغداد، هل ما تـزال الذاكـرة تـحتفظ ببعض عناويـن تلك السلسلة الشائقة ؟
– كانت تلك هي البداية، أكتب يومًا من الذاكرة كل شهر، ثمّ أرسله بالبـريد إلـى مجلة التـربية الإسلامية، وكان أول تلك الأيام هو (يوم الطائف)، الذي تـحدّثت فيه عن رحلة النبيّ صلـى الله عليه وسلـم إلـى مدينة الطائف، وما لقيه من الأذى هناك، ولـم تتـردّد الـمجلة فـي نشر الـمقالة، وما زلتُ أذكـر ذلك الإحساس العذب الغريب الذي راودنـي وأنا أمسك بذلك العدد من الـمجلة الذي نُشِرَتْ فيه أول مقالاتـي، وقد شجّعنـي نشرهـا علـى مواصلة الكتابة، فكتبت بعد ذلك: (يوم الوحي،)، و( يوم يوسف) و( يوم بدر) و(يوم سُراقـة)، و(يوم عـمر)، و( يوم الوداع)، و( يوم القيامة)، و(يوم الشجرة)، و(يوم حُنَيـن)، وقد صدر بعض تلك الأيام فـي كتاب يـحمل الإسم نفسه: (أيـّـامٌ فـي الذاكرة).
* وماذا عن سلسلة مقالاتك، ولسنوات عديدة فـي مجلة (الفتـوى) العراقية، والتـي حـملت عنوان: (وسنبقـى معـًا)؟
– طلب إلـيّ الـمشرفـون علـى مـجلة الفتوى فـي عقد التسعينيّات من القرن الـمـاضي كتابة مقالـة للـمجلـة التـي كانت تصدر شهريًّـا، فاشتـرطتُ أن تكون مقالتـي فـي ظهر غلاف الـمجلة، وتـحت عـمود ثابت بعنوان: (وسنبقـى معـًا) ، والـحق أننـي أردتُ من ذلك تـحقيق غايتيـن:
الأولـى: إنّ موقع الـمقالة فـي ظهـر غلاف الـمجلة سيجعلهـا منظورة للـجميع.
والثانية: إن غلاف الـمجلة كان يطبع ملونـًا، فظهرت مقالاتـي كلّهـا (بالألـوان)، وكانت ترفـق صورة مع كلّ مقالـة.
أول مقالـة كتبتهـا كانت بعنوان: (مات وفـي يـده الـحجر)، عن ثورة الـحجارة فـي فلسطيـن، وقد لقيت الـمقالات ترحيبـًا، ومن القراء مَن كان ينتظـر صدور الـمجلة ليقـرأ ذلك العمود، وقد توقفتُ عن الكتابة بعد توقف الـمجلة عن الصدور بعد الإحتلال الأمريكـيّ للعراق سنة (2003).
* أحدث كتابك (فـي ضيافة الـرحـمن) ضجّة، وقد رأى فيه الكثيـر من النقاد (جرأة أدبية) غيـر منتظـرة من كاتب فـي مؤلَّـفـه الأول وباكورة أعـمـاله، حدّثنا عن ذلك الكتاب ومضمونه.
-الكتاب يتحدّث عن رؤيـا رآهـا فتـى فـي منامه، نقلته إلـى يوم القيامة، بأحداثـه وأهوالـه ومفاجآته، فتـجوّل بصحبة إحدى الـحور العيـن بيـن مشاهد ذلك اليوم، والتقـى ببعض أصدقائـه ومعارفـه، فريـق فـي الـجنة، وفريـق فـي السّعيـر، فتحدّث إليهم، وسأل كلّ واحد عن أسباب وجوده فـي الـجنة، أو وجوده فـي النار، ورأى الكثيـر من مشاهد النعيم، ومشاهد العذاب، وقد رسمتُ مشاهد القصة مستعينـًا بآيات القرآن الكريم، وأحاديث رسول الله صلـى الله عليه وسلـم، وقد رأى بعض النقاد فـي القصة جرأة أدبية لسببيـن:
الأول: أنّ الكاتب كان فـي بداية مشواره، وقد اختار أن يبدأ بالأمر الأصعب، وهو كتابة القصة، ولـو أنه بدأ مشواره بنوع آخر من فنون الكتابة لـوفّـر علـى نفسه الكثيـر من الـجهد.
والثانـي: إنّ مشاهد قصّته من عالـم الغيب، ورغم أنه استعان بالآيات والأحاديث لرسم مشاهد يوم القيامة، إلاّ أنّ الأمـر لـم يكن بتلك البساطة.
* ما أسباب اهتمـامك بأدب الأطفال والناشئة وثقافتهم؟ وما هي أهمّ مؤلفاتك وأبـرز مـحطّاتك بـهذا الصدد؟
– هناك أكثـر من سبب:
الأول: أهـمية أدب الطفولة والناشئة فـي بناء شخصية الإنسان، فالطفل يُشبه (عـجينة) تستطيع أن تشكّلـها فـي أية هيئة شئت، وبذور شخصية الإنسان تُبـذَرُ فـي طفولته، وهو ما عناه النبيّ صلـى الله عليه وسلـم بقوله: (كلُّ مولـودٍ يـولَـدُ علـى الفطرة)، وقد قيل أنّ بنـاء طفل أسهل وأفضل من ترميم رجل.
الثانـي: قلّـة الكتّاب الـمهتمّيـن بأدب الطفولة والناشئة فـي العراق، وشحّـة الكتب التـي تـخاطب هذه الشرائـح من الـمجتمع، أذكر أننـي التقيتُ فـي تسعينيّـات القرن الـمـاضي بـ (الدكتور صلاح السامرائـيّ) رحـمه الله تعالـى فـي مكتبته فـي الأعظمية، يومهـا قدّمت له إحدى قصصي التـي كتبتها للأطفال، ففـرح كثيـرًا، ثمّ حدّثنـي عن أهـمية الكتابة للطفل، وقال لـي أنه التقـى بكُتّاب عراقييـن كبار، من أمثال (الدكتور عمـاد الديـن خليل)، و( مـحمود شيت خطاب)، و(مـحسن عبد الـحميد)، وطلب إليهم الكتابة للطفولة، لكنّ الثلاثة اعتذروا، ربـمـا لأنّ أدب الطفولـة والناشئة يـحتاج إلـى نوع من التخصّص، أو ربّـمـا لانشغالـهم بتآليف أخرى.
كتبتُ أول ما كتبتُ للأطفال: (قصص إسلامية)، و(قصص الـحيوان فـي القرآن الكريم)، و( ألف سؤال وسؤال)، و(قصص النبات فـي القرآن الكريم)، و(السيـرة النبوية الـمصوّرة).
ثمّ كتبتُ بعد ذلك (قصص من التاريـخ)، و(فتح القسطنطينية)، و( حكايات سلسبيل ـ الذي لـم يـرَ النور لأننـي فقدت مسودّته فـي خضم الأحداث التـي شهدتـها مدينة الفلوجة).
أما أبـرز مـحطّاتـي هنا فقد أنشأتُ سنة (2006) نواة لـمؤسسة تعنـى بأدب الأطفال والناشئة، أسميتها (سنابل)، لـم تعـمّـر طويلاً لأنـهـا قامت بـجهود فردية، ولـم تـجد دعـمـًا من أية جهة، والسبب الأول هو عدم انتمـائـي لأيّ حزب أو حركة، ومن ثـمّ بقيتُ خارج مـجال الاهتمـام، وما زلت.
* كانت خاطرتك الأولـى: (قبل أن تقولـي وداعًا) هي أول ما كتبتَ فـي حياتك، وقد علّقت فـي لوحة الإبداع الأدبـي بقسم هندسة البناء والإنشاءات فـي الـجامعة التكنولوجية، ماذا عنها؟
– كان ذلك سنة (1985)، وكنت يومها طالبـًا فـي الصف الرابع بقسم هندسة البناء والإنشاءات، فكتبتُ تلك الـخاطرة فـي وداع الـجامعة وأيامها الـجميلة، وأودعتها الصندوق الـخاص باستقبال نتاج الطلبة الأدبـيّ، وكان الـمشرفـون علـى الصندوق يقرأون ما يوضع فيه، فـمـا وجدوه مناسبـًا قاموا بعرضه فـي لوحة الإبداع الأدبـي، وقد عرضت مقالتـي تلك التـي أذكر منها السطر الأخيـر: ( لسوف أرحل عنك وقد تعلّمتُ منك هندسة البناء وهندسة الأيام).
* منذ عام (2008) وأنت تعمل علـى تأليف وإخراج (موسوعة التفسيـر الـمصوّرة)، التـي تعتمد لغة الصورة واللون والـحركة فـي عرض الـمعانـي القرآنية ،ما هي رؤية ورسالة وأهداف هذه الـموسوعة؟
-موسوعة التفسيـر الـمصوّرة من أفضل التفاسيـر الـمصوّرة ، وهي تصلـح للأسرة كلهـا، فالكتاب بتلوينه وصوره وتنوّع معلوماته يـجذب الناشئة ، وهو بـعمق أفكاره وجـمـال طرحه يـجذب الكبار .
كيف يفسر الكاتب الآيات ؟
(1) يقسّم الكاتب السّورَ إلـى تقسيمـات موضوعية ، ثمّ يبدأ بشرح غريب الـمفردات فـي كلّ قسم ، ويضعهـا ضمن مربعات ملـوّنة ، والكلمـات التـي تـحمل خصوصية لغوية معينة يفـرد لـها مربعات خاصة .
(2) يقوم بالشرح الـموضوعي للآيات فـي كلّ قسم .
(3) يقف عند آيات الـخلق ، ويدعو القارئ للتأمّل فيهـا من خلال ما يقدّمه من أدلـّة علمية وإضاءات حولـها .
(4) يـهتمّ بالبيان القرآنـيّ والبناء اللغويّ لبعض الكلمـات والتـراكيب اللغوية ، إضافة إلـى إعراب بعضهـا ، ويقدّم ذلك كله بشكل بسيط يـجعل القارئ الناشئ قادرًا علـى فهم معانٍ ربـّمـا نتجنّـبهـا عادة لتصوّرنا أنـها صعبة الفهم .
(5) يؤيـّد تفسيـره بأحاديث النبيّ صلـى الله عليه وسلـم وأقوال الصالـحيـن ، ويـفرد كلاً منها بـمربع ملـوّن، كمـا يذكـر أحيانـًا أسباب النـزول ويضعهـا فـي مربعات منفصلة .
(6) يتوسّعُ فـي شرح ما يـرد من قَصص فـي السّور ، ويقدّمهـا بـرؤى تـربوية وتـنموية ودعوية جديدة .
والـحقيقة أننـا فـي هذا التفسيـر نـجد الكاتب يـجدّد أسلوبه مع كلّ سورة بـمـا يتناسب معها ، لذلك قد يصعب علينا أن نـحدّد آلية عـمله تـمـامـًا ، وهذا بـرأيـي من الإبـداع الـذي يـمنحنـا إياه ، بتنوّع أساليبه ، وتـجدّد معانيه ، وغنـى مفرداته .
يـهدف الكاتب من خلال هذا التفسيـر الـجديد فـي شكله ومضمونه إلـى أمور عدة، منهـا :
(1) تـربية العقول علـى منهجية التفكـّر عند تلاوة كلّ كلـمة من كتاب الله تعالـى .
(2) تـربية النفوس علـى الـوسطية والاعتدال ، والـدعوة إلـى الله بـحكمة .
(3) تغييـر أسلوب التـربية التقليديّ الـذي نشأ عليه كثيـر من أبنائنـا ، حتـى أصاب عقولـهم بالـجمود ، وقيـّدهـا بتقاليد وأعراف حدّت من حركتهـا وإبداعهـا ، وفـي هذا الـمقام يـورد الكاتب مقولة جـميلة : ( إننـا نولد أمراء ، لكننـا قد نتحوّل بالأسلوب الـمتّـبع فـي تربيتنـا إلـى ضفادع ) !
(4) غرس الايـجابية ، وإحياء الأمل فـي نفوس الناشئة لصناعة حياة أفضل لـهم ولـمَن حولـهم ، داعيـًا إياهم إلـى بناء قصور جديدة جـميلة ، بدلاً من الـوقوف علـى الآثار والأطـلال البالية .
وهذا التفسيـر الـمصوّر هو أحد هذه القصور ، بـُنِيَ بكلـمـات جـميلة ، وأشكال جذّابة ، وألـوان زاهية ، لعله يكون خطوة فـي طريق الابـداع والبناء .
اكتمل من التفسيـر حتـى الآن (20) جزءًا من القرآن الكريم، ولا يزال العمل مستمـرًا لإخراج الأجزاء العشرة الأخرى، بـمشيئة الله تعالـى.
شارك فـي مراجعته وتدقيق الـموسوعة (15) أستاذًا من الـجامعات العراقية، وشارك فـي تـخريج أحاديثه أربعة من الـمختصيـن .
* هل لك كتب أخرى خارج إطار الطفولة وأدبـهـا؟
– كتبتُ مـجموعة من القصص، منهـا: (خطوات فوق الرمال) التـي تلغـي حواجز الزمان والـمكان وتنتقل ببطل القصة إلـى الـمدينة الـمنورة فـي خلافة عـمر بـن الـخطاب رضي الله عنه، وهناك يلتقيه البطل ويـحدّثه عن أحوال الإسلام والـمسلميـن فـي القرن الـحادي والعشريـن، والقصة تـجمع بيـن الـحقائق التاريـخية والـخيال والتشويق، كمـا كتبتُ قصة أخرى بعنوان: (لقاءٌ فـي غرناطة) التي تـحمل البطل إلـى مدينة غرناطة الأندلسية ليشهد الأيام الأخيـرة فيها قبل سقوطها بيد الأسبان، وقصة أخرى من واقع الشباب عنوانـها: (فـي يوم عاصف)، ومـجموعة قصصية بعنوان: (خذنـي معك) .
صدر لـي فـي بيـروت كتاب (الدولة العثمـانية ـ التاريـخ الـمصوّر)، الذي يـهدف إلـى نقل الصورة الصحيحة لتاريـخ تعرّض كثيـرًا للإفتـراء والتحريف من قبل الـغرب ودعاة القومية والعلمـانية، وهناك كتاب آخر هو (الأندلس ـ التاريـخ الـمصور) فـي طريقه للطباعة.
*ما هي الأسباب والعوامل التـي كان لـهـا الدور الأكبـر فـي نـجاحك فـي عالـم الكتابة؟
– أولا: الكتابة فـن وموهبة، هذا أولاً، قال بعض الـمفسّـريـن فـي تفسيـر قوله تعالـى: (يـَزيدُ فـي الـخَلـقِ ما يَشـاءُ)، أنّ الـزيادة فـي الـخلق تشمل الصوت الـحسن، والـخُلُـق الـحسن، وأنا أقول كلّ موهبة هـي زيادة فـي الـخلق يـمنّ الله تعالـى بـها علـى مَن يشاء من عباده، ومنها موهبة الرسم وجـمـال الـخط، والكتابة هي إحدى تلك الـمواهب، لا يـمتلكها كلّ أحد إن لـم تكن هناك بذور موهبة لديه.
ثانيـًا: إتقانـي للغـة العربية وقواعدها، وهو أمر لا غنـى للكاتب عنه، وصناعة العبارة البليغة مرتبطة بثـروة الكاتب اللغوية.
ثالثـًا: التخصص الـهندسيّ كان له أثـرٌ كبيـر، فبحكم كونـي مهندسـًا فإنـي لـم أكتب بطريقة أكاديـمية، أو طرق ملّهـا القرّاء وأصبحت من الـمـاضي، فلكلّ عصـر لغته وطرقه فـي الـحوار والـمخاطبة، ولغة عصرنا هذا التجديد والإبداع والـخروج عن الـمـألوف، لذلك رحتُ أبـحث عن أساليب مبتكـرة فـي الكتابة، تـحمل فيمـا تـحمله: التشويق الذي يأسـر القارئ ويدفعه إلـى قراءة الكتاب حتـى نـهايته.
رابعـًا: كان لزوجتـي أثـرٌ كبيـر فـي نـجاحي، وما كنتُ لأنـجح فـي عالـم الكتابة لو لـم يكن البيت بيئة مناسبة للقراءة والتأمل والكتابة، وقد وقفت معي فـي سنوات عِـجاف، وعادة ما ينسى الكاتب الكثيـر من واجباته تـجاه زوجته وأطفاله بسبب إبـحاره فـي عالـم يبدو بلا ساحل ولا قـرار، لكنّ زوجتـي لـم تشكُ يومـًا من الإهـمـال، أثابـها الله تعالـى عني كلّ خيـر.
خامسـًا: كان لكتاباتـي للطفولة والناشئة فـي عقد التسعينيّات من القرن الـمـاضي ردود فعل شجّعتنـي علـى مواصلة الكتابة، وفـي تلك السنوات كانت الـمكتبات العراقية تكاد تـخلـو من الكتب الـمهتـمّة بثقافة الأطفال والناشئة، لذلك لـم تكن هناك منافسة قوية، فوجدت قصصي طريقهـا بسهولة إلـى القراء.
سادسًا: تواصلـي مع عالـم التنمية البشرية وصُنّـاع الـحياة، وقد أيقظ هذا التواصل فـيّ الكثيـر من مواطن القوة، ودفعنـي نـحو الإبـداع بـحبّ ورغبة، وقد حصلتُ علـى أكثـر من شهادة من (الـمركز العراقـي للإبداع والتطويـر)، وكان لـمديـره الـمدرب الدولـي (الدكتور زياد الـحسنـي) بصمة واضحة فـي حياتـي.
سابعـًا: إجادتـي للتصميم علـى برنامج الفوتوشوب، وقد أغنانـي ذلك عن الإستعانة بالـمصمّميـن، ووفـّر لـي الوقت والـجهد والكلفة، وقد قـمتُ بتصميم جـميع كتبي وأغلفتها، وبـخاصة كتاب موسوعة التفسيـر الـمصوّرة، والسيـرة النبوية الـمصوّرة، والأندلس ـ التاريـخ الـمصوّر، والدولة العثمـانية ـ التاريخ الـمصوّر.
* هل كان لبعض معلّميك ومدرّسيك أثـرٌ فـي بناء ثقافتك؟
– نعم كان لبعض معلميّ ومدرّسيّ أثـر كبيـر فـي ثقافتـي، وأذكر منهم الأستاذ (عبد الرزاق حردان العلوانـي) ، مدرس مادة اللغة العربية فـي الإعدادية الـمركزية فـي الفلوجة، وعنه اخذت العربية وأحببتهـا، كمـا أذكر منهم مدرس الفيـزياء الأستاذ (أحـمد عبد الـهادي الراوي) الذي تربطنـي به حتـى اليوم صداقة متينة، ومنهم أيضـًا معلّمي فـي الـمدرسة الإبتدائية الأستاذ (رافـع الراوي) رحـمه الله تعالـى، وقد أوصانـي وأنا طالب فـي الصف الرابع الإبتدائـي أن أكون طبيبـًا، وأن أعالـج الفقـراء مـجانـًا، كانت تلك وصيته لـي، وقد حـملتها فـي قلبي مذ سمعتها منه وما نسيتها يومـًا، وقد شاء الله تعالـى لـي أن أكون مهندسًا لا طبيبـًا، فكتبتُ إلـى معلـمي رسالة فـي تسعينيّـات القرن الـمـاضي، ذكّرته فيها بوصيته، وأعلمته أننـي أصبحت مهندسًا وكاتبـًا، أخاطب العقول وأعالـج القلوب، وذلك لعمري عمل أشقّ من عمل الطبيب، فالطبيب يعالـج الأبـدان، والكاتب يعالـج الأرواح، ولعلّ فـي ذلك عزاءٌ لـمعلّمي، فوصيته قد نفّذتْ، ولكن بشكل مـختلف!
* ماذا عن أحلام يقظتك قبل أن تقتحم عالـم الكتابة والتأليف؟
-أذكر أننـي ولأكثـر من مرة كنت أضع رأسي علـى الوسادة أيام طفولتـي، وأحلـم (حلـم يقظة) بأن أستيقظ من نومي فأجد عند رأسي مكتبة تزدحم فيها الكتب (القصص خاصة)، واليوم أقف أحيانـًا أمام مكتبتي الـخاصة فأتذكّـر أحلام الطفولة البـريئة، وأقول لنفسي: لقد تـحقّـق ذلك الـحلم، لا بـمجـرد التمنـيّ، بل بالتخطيط والعمل والصبـر والإلتـزام تـجاه الأهداف، فأنـا اليوم أملك تلك الـمكتبة التـي تـمنّيتهـا فـي طفولتـي، زد عليهـا: إنّ بعض ما فيهـا هو من تأليفـي!
* ما هي الفئة والشريـحة التـي تقرأ لكم؟ وما هو أسلوبك الـمفضّل والـمميّـز فـي الكتابة؟
– أكثـر مَن قـرأ لـي هم (الطبقة الـمتوسطة)، فأنـا لا أكتب لأهل الإختصاص، ولا لأصحاب الشهادات العالية، إنـمـا أكتب للأطفال والناشئة وأصحاب الثقافة الـمحدودة، هؤلاء هم من أكتب لـهم وأخاطبهم، لذلك كان أسلوبـي الـمفضّل فـي الكتابة هو (السّهل الـممتنع)، فـهو (سهل) يفهمه كلّ قارئ، مـهمـا كانت درجة ثقافته، وهو (مـمتنع) لأنّ فيه من البلاغة ما لا يستطيعه كلّ أحد.
* بـمـا أنك عشتَ يتيمـًا، وكان لك اهتمـام واضح بأدب الطفولة، كيف تنظـر إلـى الطفولة الـمعذّبة؟ وما هي الـخطوات الواجب اتّـبـاعهـا لإنقاذ هذا الـجيل الـمحروم، الإيتام خاصة؟ وكيف يـمكن التخفيف من حجم الـحرمان والأمية التي يعانون منها؟
– بناء الإنسان يبدأ ببناء الطفل، وإذا أردت أن تقيّمَ أمة فانظـر إلـى مستوى ثقافة أطفالـهـا، والطفل هو البذرة التـي تـجب العناية بـهـا كي تنمـو إلـى رجل سويّ منتـج مستقيم، وقد عانت الطفولة فـي العراق، ولعقود طويلة، من الإهـمـال، دعنـي أنقل لك الصورة من هنا، من مدينة الفلوجة، لا توجد مكتبة عامة، ولا نـادٍ ثقافـي للطفولة، ولا مراكز تـحتضـن الـمواهب وتنمّيهـا، أحيانـًا يبحث الطفل عن كتاب يقرأه فـلا يـجد، ويبحث عن نشاط نافع يقضي فيه وقت فراغه فلا يـجد، مؤسساتنـا ودعاتنـا وأغنياؤنـا كلٌّ مشغولٌ بليلاه، فلا عـجب أن تـرى الأطفال يلعبون فـي الشوارع، أو هم أسرى الألعاب الإلكتـرونية، نـحن بـحاجة إلـى التفاتة جادّة إلـى هذه الشريـحة، لأنـها هي مستقبل الوطن، ومنهـا سيخرج قادته.
*هل فكّرتَ يومـًا بإصدار مـجلة شهرية متخصّصة بأدب الأطفال؟ أم أنّ الصعوبات الـمـادية والفنية حالت بينك وبيـن حلـمك؟
– دعنـي أحدثك بصراحة، أنـا عانيتُ وما زلت أعانـي من (اللا إنتمـاء)، فـأنـا لـم أنضمّ إلـى حزب أو حركة، ولـهذا استُبقيتُ فـي الظلّ، لا أحد يرغب فـي دعمك أو التعاون معك ما لـم تـنـتـمِ إليه، أكثـر أصدقاء الأمس خرجوا من حياتـي لأننـي رفضتُ الإنتمـاء، الآن لـديّ أكثـر من مشروع، وأكثـر من حُلُـم، ولكن …….
خذ (موسوعة التفسيـر الـمصوّرة) مثلاً، إنـهـا عـمل لا تقوم به إلاّ مؤسسات مـتخصّصة، بـمواردها وأجهزتـهـا وإمكاناتـها، عرضتُ الـموسوعة علـى أكثـر من طرف، لكنـي لـم أجد أذانـًا صاغية، لا عند الأحزاب، ولا عند مؤسساتنا الدينية، ووجدتنـي فـي النهاية أعـمل علـى كتابتـهـا وتصميمها وإخراجها وحيدًا، بعد أن استيأستُ من مؤسساتنـا ، ومن أصحاب الأموال والثـروات، فأخرجتُ منها حتـى الآن (30) كتابـًا، تغطي (20) جزءًا من القرآن الكريم، فـي (12) عامـًا من العمل الـمتواصل، واستطعت بإمكانات مـحدودة جدًا أن أطبع أقلّ من (20) دورة منها!
الـمهم أننـي فعلتُ شيئـًا، لـم أتوقف رغم أننـي كنت أسيـر فـي الطريق وحيدًا!
* ما هي مشاريعك الـمستقبلية للطفولة أو أدب الشباب؟
-أولاً: إكمـال موسوعة التفسيـر الـمصوّرة، فـهذا الكتاب هو (هويتـي)، وهو رسالة (الدكتوراه الـفخرية) التي أحبّ أن ألقـى الله تعالـى بـها، كمـا أنّ كثيـرًا من الـمشاريع الـمستقبلية سوف تُـستَـلُّ من هذه الـموسوعة، ومن ذلك: كتاب قصص الأنبياء، ونساء فـي القرآن، ورجال فـي القرآن، وغيـرها كثيـر .
ثانيـًا: كتابة مـجموعات قصصية للأطفال، ومنها: (حكاياتٌ فـي الغـار)، و( قصص الـمـاء فـي القرآن الكريم).
ثالثـًا: بالنسبة لأدب الكبار ففـي النيّة إخراج كتاب مصوّر عن حياة صلاح الديـن الأيوبـيّ.
*كلـمة أخيـرة لـمتابعيك ومـحبّيك.
-أولاً: من أجـمل الأشياء أن يـمتلك أحدنا الرغبة فـي النجاح والتفوّق، ومَن أراد النجاح فـي حياته فلا يقنع بـمـا هو عليه، يـجب أن يتـحـرّر من الـجمود، ويكسـر قيوده، ثمّ يُقبل علـى الـمستقبل بقوة وثقة.
ثانيـًا: فـي داخل كلّ منّـا شعلة إبداع، وطاقة كامنة، ومَن لـم يـمتلك الرغبة فـي النجاح لـن يستطيع إيقاد تلك الشعلة أو إطلاق تلك الطاقة.
ثالثـًا: الأمة الكسولـة تعيش علـى أمـجاد الـمـاضي، يـخدّرها دفء التاريـخ، تنتظـر الـمـائدة من السمـاء، دون أن تعرف الأرض التـي تقف عليها، والعالـم الذي تنتمي إليه، فـهي مهزومة لا مـحالة.
رابعـًا: لا تنتظـر الدعم الـخارجي، فربـمـا لـن يصلك أبدًا، ثـق بنفسك، ولا تقلل من قيمتهـا، واستخدم قدراتك ولـو كانت مـحدودة، فكم من الأشجار كانت بدايتهـا حبّة صغيـرة؟
خامسًا: حاول أن تتـرك وراءك بصمة فـي هذه الـحياة، ولا تكن من الذيـن يـجلسون فـي الـمكان نفسه، ولسنواتٍ طويلة، لا غيّـروا شيئـًا، ولا فكّـروا فـي تغييـر الـمكان.