17 نوفمبر، 2024 3:41 م
Search
Close this search box.

دور الاعلام في مواجهة الازمات.. انتشار كورونا وارتفاع العنف الاسري (انموذجا)

دور الاعلام في مواجهة الازمات.. انتشار كورونا وارتفاع العنف الاسري (انموذجا)

تصاعد دور الإعلام في الاونة الاخيرة بعد التطور الحاصل في مجال الاتصالات والتكنلوجيا و صحافة التواصل الاجتماعي، وبرز هذا الدور بشكل لافت للانتباه خلال الازمات، خاصة ان من المهام الرئيسية  للاعلام نقل الاخبار والمعلومات و صناعة رأي عام، وأصبح من الأهمية ان تطور وسائل الاعلام من ادواتها و سياساتها بما يتوائم وادارة الازمة في ظل الحداثة والتوسع .

العاملون في هذا المجال بالذات يدركون جيدا اهمية الاعداد الدقيق لادارة الازمة ، خاصة ما يتعلق بالمعلومات ونوعها و حجمها وكيفية توظيفها، بما تحقق الهدف الاساسي من تغطية تلك الازمة، و هذا في النهاية يتطلب الانفتاح على كل الجهات ذات العلاقة دون استثناء؛ حتى تتمكن المؤسسة المعنية بالتغطية الاعلامية لتلك الازمة من خلق اعلام موضوعي قادر ان يصل الى كل الاطراف المشتركة في تلك الازمة، بغض النظر عن توجهاتهم و سياستهم والذين هم بالتالي جزء من فئات المجتمع وانعكاس له.

ان تجاهل او اخفاء أي معلومة تتعلق بازمة معينة دوليا او اقليميا او وطنيا، قد يترتب عليه  كارثة كبيرة  وهذا امر في غاية الخطورة، وهنا تبرز مسؤولية الاعلام في التعريف بها و التفاعل مع مجرياتها للحد من  الكارثة التي المترتبة عن الازمة، و الاستعانة  بالدروس المستخلصة في كيفية ادارة الازمة الاعلامية لتجارب سابقة.

ان خطوات اجراءات ازمة الاعلام والاتصال تتطلب مراحل عدة تبدا.. بدراسة الموقف ليبنى عليه تقييم عام و خطة عمل و استراتيجية تنطلق من البيانات المتاحة للازمة، و كيفية تحديثها باستخدام معلومات دقيقة بمصادرها، و اتخاذ القرار بتوجيه رسائل اعلامية للجمهور المستهدف والمعني بالازمة، مع مراعاة بيئة ونوع ذلك الجمهور، و كيفية التاثير فيه لخلق راي عام وانتشار الرسالة في اوسع اطار ضمن الجهة المستهدفة.

تأثير الاعلام في ادارة الازمة:

للاعلام تاثيرات عدة قد تأخذ طابع سياسي او اقتصادي او اجتماعي، كلا حسب طبيعة الازمة و تداعياتها، و نوع وسيلة الاعلام؛  فعلى سبيل المثال ادوات الاعلام المرئي تختلف كثيرا عن ادوات الاعلام المقروء، و بالتالي ما يترتب عن ادارة الازمة لتلك الوسيلة سيكون تأثيره مقرونا بعوامل عدة..مرتبطة باستقلالية المؤسسة، و مصداقيتها، وحجم الموارد المتوفرة ماليا و بشريا، اضافة الى حجم الجمهور الذي تؤثر فيه و مساحتها ، و بكل الاحوال فقد اثبتت اغلب الدراسات الميدانية، ان للاعلامالمرئي اثر اكبر بكثير من الاعلام المقروء كونه يوظف المادة الصحفية، بقوالب اعلامية مرئية تكون ذات انعكاسات بصرية وعقلية، تولد رأي وسلوك لدى الفرد اسرع بكثير من المادة المكتوبة، خاصة شريحة الافراد البسطاء من عامة المجتمع .

وا مام انتشار وسائل الإعلام الجديد (الصحافة الاجتماعية) اخذ دور الاعلام المرئي (التلفزيون) يأخذ مسارات اخرى مختلفة، فاغلب المؤسسات الاعلامية بدأت تغير من استراتيجية عملها كي تتمكن من مواكبة التطور الحديث من خلال نشر المادة التلفزيونية بشكل مختصر و مكثف من حيث المعلومة والوقت حتى تتمكن في النهاية من ان تكون مادتها المنتجة.. مادة دسمة تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير، بما يتيح لاحقا الوصول الى المساحة الاوسع من المادة المنتجة ،لرؤية مضمونها بالكامل عبر منصة اليوتيوب على سبيل المثال.

وهكذا أسهمت شبكات التواصل الاجتماعى، و وسائل الإعلام الجديد التفاعلية في التعبئة وصناعة الرأي، خاصة بعد ارتفاع معدلات حملات المدافعة والمناصرة التي تنظمها بعض منظمات المجتمع المدني الاعلامية ازاء ازمة او قضية معينة، و رغم تأثير وسائل الاعلام واهميتها في ادارة الازمة، الا انها بذات الوقت كانت ذات مردود سلبي في نقل الرسالة الاعلامية للازمة، خاصة امام الكم الهائل لمواقع التواصل الاجتماعي وتنوعها، والاعداد الكبيرة التي تديرها؛ باختلاف تخصصاتهم و ثقافتهم وتوجههم، و هذا اثر في تشتيت الرأي العام.

لقد اثبتت التجربة الحية لكثير من الدول في مجال اعلام الازمات، ان هناك منافسة حقيقية بين الاعلام التقليدي والجديد، و الاخير استطاع ان يطور من ادواته؛ ليشكل مصدر قلق لبعض الجهات المختصة في صناعة الرأي العام.. لما يتميز به الاعلام الجديد من سرعة و قدرة على الوصول والتأثير و صناعة راي قد ينسف كل العمل الذي تقوم به تلك الجهات، ما لم يوظفوا ادوات و وسائل ادارتهم للازمة اعلاميا بالشكل الصحيح، بما يتماشى وحالة التطور الحاصلة، اضافة الى عنصر المصداقية والمهنية في نقل المعلومات، و هذا يقودنا الى ضرورة وجود قانون للحصول على المعلومات ينظم هذا الجانب، و يمنح الحرية الحقيقية امام وسائل الاعلام لتحقيق إعلام يسهم في مواجهة الأزمات، وليس إعلامًا يؤدى إلى اختلاق أزمات أو التهويل من بعضها.

ازمة كورونا و ارتفاع معدلات العنف الاسري انموذجا:

شهد العالم منذ أكثر من ثلاثة اشهر حالة طوارئ نتيجة جائحة كورونا التي شكلت تهديدا حقيقيا على حياة الإنسان، و هذا دفع الإعلام بمختلف تخصصاته العمل على مواجهة الازمة، من خلال التوعية والتثقيف بالوباء واجراءات الوقاية ونقل المعلومات، و نسب الاصابة و وسائل التخفيف منها. وبهذا الصدد توسع عمل الاعلام الجديد خاصة ان الازمة كانت عالمية لم تقتصر على مدينة بعينها او دولة محددة فنجد ان اعلام مواقع التواصل الاجتماعي، وحد جهوده في ادارة الازمة رغم اختلاف الرسائل والادوات، واصبح الوسيلة الاكثر فعالية في الحد من انتشاره بعد فرض الحظر المنزلي مستثمرا ارتفاع مستخدمي تلك المواقع و الموبايل الذي من خلاله يمكن فتح اغلب بوابات ومنصات التواصل الاجتماعي والتي بسببها اصبح العالم اشبه بقرية صغيرة تتداول فيها المعلومة والاخبار بشكل سريع واكثر انتشارا.

لم يكتفي الاعلام بنقل احصاءات لمستوى انتشار الفايروس بل صار ينقل ما ترتب عن هذه الازمة العالمية من اثار اجتماعية واقتصادي و سياسية، و في الجانب الاجتماعي ركز الاعلام على ارتفاع معدلات العنف الاسري نتيجة الحظر المنزلي واخذت مواقع التواصل الاجتماعي على عاتقها مهمة نقل القصص والحوادث والصور، لحالات قتل وترهيب و ضرب و حتى انتحار، و في حالة فريدة ظهرت مجموعة من النساء البريطانيات عبر مواقع التواصل و تظهر عليهن اثار الكدمات على وجوهن وهن يروين قصص تعرضهن للعنف داخل المنزل، كما تداول الاعلام خطاب الامين العام للامم المتحدة في اشارته لاوضاع النساء و ارتفاع ظاهرة العنف الاسري بعد  انتشار جائحة كورونا .

نقل معدلات العنف الاسري والاسباب التي تقف وراء انتشاره، والتي كان من ابرزها العامل الاقتصادي وارتفاع نسبة الفقر بعد ان فقدت كثير من العوائل مصدر معيشتها الوحيد.. كل هذا ساعد ان تكسر بعض الدول حاجز الصمت عن ما يحصل من عنف اسري فظهرت حالة ملاك الزبيدي في العراق بعد ان احرقت نفسها نتيجة العنف الحاصل داخل منزلها، و اصبحت قضية راي عام تداولتها وسائل الاعلام بمختلف انواعها، ولعل ظهور اهل الضحية وهم ينددون بما ترتب عن الحادث واهمية ان ينال الجاني العقاب كان حافزا لنساء اخريات، لكشف حجم العنف الاسري المنشر داخل تلك المجتمعات.

وسائل الاعلام في العراق في هذه المرحلة ادارة الازمة الحاصلة بمحورين الاول انتشار وباء عالميوالثاني ارتفاع معدلات العنف الاسري المصاحب للوباء، و ظلت تنقل الاخبار والحوادث من خلال اللقاءات والصور و استطاعت ان تصنع رأي عام في اغلب الاحيان مساند للضحية، لكن بذات الوقت لم تستطع ان توجه الرأي العام ماذا يريد بالضبط؟ وكيف تتم المعالجة؟ ومن المسؤول لوضع الحلول والمعالجات التي تكون كفيلة بتغيير البيئة القانونية في جانب العنف الاسري، والاجراءات والقرارات الناجمة عنها، كي يكون هناك حساب عادل يحد من هذه الظاهرة و اجراءات ميدانية حقيقية تكفل رعاية اجتماعية واقتصادية كافية خلال الازمة .

بحكم تجربتي الشخصية في مجال الاعلام والمجتمع المدني في العراق اعتقد ان السبب في عدم انتقال الاعلام سواء التقليدي او الجديد بتحقيق هدفه من تعبئة الرأي العام الى اجراءات حقيقية من قبل صانع القرار تحد من هذه الازمة  هي :

1- الانتشار الواسع في مواقع التواصل الاجتماعي جعل من تناول ظاهرة العنف الاسري خلال ازمة كورونا يأخذ توجهات وتصورات و رسائل مختلفة اختلفت حسب الجهة الناقلة للخبر و سياستها و مستوى وعيها.
2- ضعف قدرات وسائل الاعلام ( افراد و مؤسسات) في ادارة الازمات اعلاميا، و عدم وجود ستراتيجية محددة لها .
3- طبيعة المجتمع الموجود والافكار التي يتبناها القائمة على التمييز على اساس النوع الاجتماعي .
4- عدم وجود سياسة واضحة لاعلام الدولة بسبب المحاصصة، و غياب العمل المؤسساتي الرصين الذي يتبنى القضايا المجتمعية بموضوعية ومهنية
5- غياب الاعلام المستقل و هيمنة الاحزاب على اغلب المؤسسات الاعلامية
6- ضعف الموارد المالية المخصصة لادارة حملات اعلامية بصدد الازمة الحالية، بطريقة تضمن العدالة والشفافية.
7- ارتفاع نسبة الفئات المجتمعية البسيطة غير المتعلمة والتي تكون اكثر عرضة للتأثر بالرسائل الاعلامية الموجهة والمؤدلجة والبعيدة عن المهنية.
8- انشغال اغلب المؤسسات الاعلامية بالمشهد السياسي و تشكيل الحكومة .

أحدث المقالات