نظم الدستور العراقي الاحكام الخاصة بتعيين بعض أصحاب المناصب الهامة، وجعل الامر يدور بين السلط التنفيذية والبرلمان ومن المناصب التي نظمها الدستور موضوع الدرجات الخاصة، اذ نصت المادة (61 / خامسا / ب) منه على انه (يختص مجلس النواب بالموافقة على تعيين كلٍ من (السفراء وأصحاب الدرجات الخاصة، باقتراح من مجلس الوزراء).
كما أشار قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل لذلك بموجب المادة (8 الفقرة ثانيا) اذ جعل تعيين الدرجة الخاصة باقتراح من الوزير المختص وموافقة مجلس الوزراء، وعلى ان تقترن تلك الموافقة بتصويت مجلس النواب.
وبعيدا عن الدخول في النقاش القانوني والفقهي حول موضوع الدرجات الخاصة، فأننا نشير الى التعريف الذي قدمه المشرع العراقي حول الموضوع فقد اشارت المادة (2) من تعليمات رقم 11 لسنة 1968 الى تعريف الوظيفة ذات الدرجات الخاصة بانها (كل وظيفة في اية دائرة رسمية او شبه رسمية او مؤسسة او مصلحة حكومية ينص في قانون الملاك رقم (25) لسنة 1960 وتعديلاته او في أي قانون اخر او نظام على انها ذات درجات خاصة) ، كما أشار قانون الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة رقم (10) لسنة 2008 في المادة (6) / ثانيا، على ان المقصود بذوي الدرجات الخاصة هو الموظف الذ يشغل وظيفة (مدير عام أو ما يعادلها فما فوق).
اما الفقه القانوني فقد قدم تعريفا للدرجة الخاصة بقوله (كل موظف او مكلف بخدمة عامة يشغل احدى الدرجات او الوظائف الخاصة الوارد ذكرها في قانون الخدمة المدنية او الجدول الملحق بقانون الملاك او أي قانون ذي صفة خاصة، ويتم تعيينه باتباع إجراءات خاصة تتمثل في ترشيح شاغلها اما من قبل مجلس الوزراء او مجلس القضاء او رئاسة الجمهورية واستحصال موافقة مجلس الوزراء ومجلس النواب على تعيينه فيها لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة) ([1]).
من العرض أعلاه يتضح ان التعيين في الدرجة الخاصة يتم من خلال:
أولا: ترشيح من الجهة المختصة
ثانيا: موافقة مجلس الوزراء
ثالثا: تصويت مجلس النواب على ذلك
وعلى الرغم من كل هذه الضوابط القانونية نجد ان الفساد المالي والإداري في الدولة العراقية تجاوز هذه الأمور من خلال مخالفة هذه الضوابط بدون خوف ورادع من القانون.
ونشير هنا الى قرار المحكمة الإدارية العليا في العراق بالعدد 263 / قضاء موظفين- تمييز/2016 في 29/9/ 2016[2] اذ قضت فيه المحكمة بحق بعدم قانونية ( تعيين مستشار بدرجة وكيل وزارة في الدرجة العليا صنف /ب ) وحددت المحكمة المخالفات الجسيمة الجارية في الموضوع ، فقد جاء في قرار المحكمة (( وحيث ان وظيفة (مستشار) من وظائف الدرجات الخاصة التي رسم لها القانون الية خاصة في التعيين وحدد الجهة التي تملك سلطة التعيين في هذه الدرجة ، وان (نائب رئيس الوزراء) لا يملك سلطة التعيين في هذه الدرجة ، عليه يكون تعيين المدعية في هذه الوظيفة صادر من جهة غير مختصة وبذلك تكون أداة التعيين غير صحيحة وغير منتجة للأثار القانونية المترتبة على التعيين في الوظيفة العامة ، ومن بين هذه الاثار استحقاق الحقوق التقاعدية وان الزام الإدارة بترويج المعاملة التقاعدية معناه الاعتراف بصحة التعيين ومنح المدعية صفة الموظف وهو ما لا يجوز في هذه الدعوى بالنظر لجسامة المخالفة في قرار تعيينها ( كونه صادرا من جهة غير مختصة بتعيين أصحاب الدرجات الخاصة)) وختمت المحكمة قرارها بنقض قرار محكمة قضاء الموظفين الذي كان قد صدر لمصلحة المدعية وتضمن الزام رئيس مجلس الوزراء والأمين العام للمجلس إضافة لوظيفتيهما بترويج معاملة التقاعد للمومأ اليها واحالتها الى دائرة التقاعد ، القرار الصادر عن المحكمة الإدارية العليا أشر مواطن الخلل في التصرفات الإدارية من خلال:
أولا: ان نائب رئيس الوزراء لا يملك صلاحية التعيين للدرجات الخاصة
ثانيا: ان تعيين المدعية في الوظيفة هو امر مخالف للقانون وأنها طيلة فترة عملها لا تعتبر موظفة على ملاك الدولة علما ان تعينها تم في 30/8/2005 ثم تركت الوظيفة (لم يشر القرار لتاريخ ترك الوظيفة) ثم وبتاريخ 10/2/ 2015 قدمت طلبا للأمين العام لمجلس الوزراء طلبا اما بإعادتها للوظيفة او احالتها للتقاعد.
ثالثا: ان ما صدر عن نائب رئيس الوزراء في تعيين المدعية يعد مخالفة جسيمة.
من خلال توجه المحكمة الإدارية العليا المحمود أعلاه ، فأننا نتوجه الى الجهات الرقابية بمتابعة مثل هكذا قرارات مخالفة للقانون ومحاسبة من قام بها، لأنها تمثل بابا من أبواب الفساد الإداري والمالي ، كما نهيب بقضاء المحكمة الإدارية العليا ان يقوم باستخدام صلاحياته من خلال إحالة مرتكبي مثل هذه الأفعال على الجهات القضائية المختصة باعتباره ( مخبرا ) تأسيسا على احكام المادة (1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل كونها تمثل هدرا للمال العام ، كما نهيب بجهاز الادعاء العام ممارسة الصلاحيات الممنوحة له بموجب قانون الادعاء العام المرقم 49 لسنة 2017 واستنادا لنص المادة (2 ) منه والتي حددت جانب من اهداف القانون بانه يهدف الى ( حماية نظام الدولة وامنها والحرص على المصالح العليا للشعب والحفاظ على اموال الدولة والقطاع العام ) مع تفعيل احكام المادة (5) من ذات القانون والذي اوجب البند خامسا منها على الادعاء العام ( الحضور أمام محاكم العمل ولجنة شؤون القضاة ولجنة شؤون الادعاء العام ومحاكم قضاء الموظفين ومحاكم القضاء الاداري ولجان الانضباط و الكمارك ولجان التدقيق في ضريبة الدخل واية هيأة او لجنة او مجلس ذي طابع قضائي جزائي) وكذلك تفعيل احكام البند ثاني عشر من المادة نفسها ، والمتضمن منح الادعاء العام صلاحية ( التحقيق في جرائم الفساد المالي والاداري وكافة الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة المنصوص عليها في قانون العقوبات رقم (١١١) لسنة ١٩٦٩ (المعدل) طبقا لأحكام قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (٢٣) لسنة ١٩٧١ المعدل على ان يحيل الدعوى خلال (٢٤) اربع وعشرين ساعة الى قاضي التحقيق المختص من تاريخ توقيف المتهم ) .
كما ونقترح على المشرع العراقي بضرورة اجراء تعديل على قانون مجلس شورى الدولة يلزم محاكم القضاء الإداري ومحاكم قضاء الموظفين وبنص صريح بإحالة أي حالة يشك بوجود مخالفة قانونية فيها على رئاسة الادعاء العام او الجهات الرقابية كالنزاهة او ديوان الرقابة المالية وحسب الحالة لاتخاذ إجراءات تحقيقية بحق المخالف مع اعلام الأمانة العامة لمجلس الوزراء بذلك ومجلس النواب، وذلك لضمان مساهمة الجميع في القضاء على الفساد المالي والإداري.
المستشار القانوني المساعد : ماجد شناطي نعمه
[1] – مصدق عادل طالب ومالك منسي الحسيني – النظام القانوني لذوي الدرجات الخاصة –دون عدد طبعة- دار الكتاب العربي-بغداد -2011 – ص 26.
[2] – نشر القرار في مجموعة قرارات مجلس الدولة وفتاواه – الصادر عن مجلس الدولة – بغداد – ص 322 .