النوم سلطان , ووسيلة لأكل الأوطان , وإبتلاع البشر الحيران , المرهون بالتداعيات والخسران , وأداة إستعبادية لإستلاب حقوق الإنسان.
والنوم المقصود ليس الذي تحتاجه المخلوقات لأنه ظاهرة فسيولوجية لابد منها لكي تقوم بنشاطاتها اليومية , وإنما المُراد نوم الأمم والشعوب المفروض عليها بالمنوّمات المتنوعة وما أكثرها.
فعندما تنام الأمم والشعوب يفوز منوِّموها , ويَغنمون ما يريدونَ بسهولة وأمان.
ومجتمعاتنا إبتُليَّت بالمنوّمات المتكالبة عليها , فكل ما يدور في ربوعها يسعى لتنويمها , فالحكومات والأحزاب والبرلمانات والسلطات الأخرى هدفها تنويم الشعب وإستباحة الوطن.
والمنوّمات تبدأ بالفقر والمرض والتجهيل , والحرمان من الرعاية الصحية والكهرباء والماء الصالح للشرب , ومن أبسط الحاجات الأساسية للبشر.
ومن أفظع المنومات التي يتحقق الإستثمار فيها هو الطائفيات والمذهبيات , والمتاجرة بالدين عن طريق الأحزاب التي تسمي نفسها دينية.
أما المجاميع المسلحة فهي إحدى المنومات الشديدة التأثير والخطورة , ومن المعروف أن الحكومات المتعاقبة تسعى لتنويم الشعب بتوزيع قطع الأراضي على المواطنين , ودفعهم لإستنزاف أعمارهم يركضون وراء بنائها الذي يكلفهم الجهد والوقت والطاقات.
ويمكننا أن نستحضر ما لا يُحصى من المنوّمات المشؤومة المفروضة على الناس , لتخديرهم ومصادرة وعيهم , وتعطيل تفكيرهم , وتحويلهم إلى آلات لاهثة وراء السراب.
فعندما ينام الشعب تفوز الكراسي القابضة على أنفاسه والمجتهدة في تنويمه ومنع يقظته , وتلك سياسة دائبة في مجتمعاتنا , وبمؤازرة الطامعين التابعين , الذين يكنزون السحت الحرام , ويحسبون أنفسهم من الصالحين , والفساد في عهودهم عميم.
فهل لنا أن ننكر المنومات ونتيقظ من الحرمان من أبسط الحاجات , التي توهمت الأجيال بها على أنها مَكرَمات؟!!