في 7/8/1979 أطلق الخميني صرخته المدوية التي أمر فيها بجعل آخر يوم جمعة من كل شهر رمضان من كل عام يوماً عالميا للقدس، داعيا الجماهير الإيرانية والعربية والإسلامية إلى أن تخرج، في هذا اليوم، إلى الشوارع والساحات والميادين، لتهتف بالموت لإسرائيل، ولتعلن عن قرب صلاتها في حرم القدس الشريف، ولكن بعد زوال إسرائيل كلها من الوجود.
وتنفيذا لوصيته، وتخليدا لصرخته المدوية التي أطلقها قبل أربعين عاما، بالكمال والتمام،رفعت الجماهير العراقية العريضة الوفية للإمام، يوم أمس، جدارية كبرى في ساحة بيروت في بغداد، وعليها صور الخميني وخامنئي والقتيلين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، استعدادا للاحتفال بهذا اليوم العظيم.
وبهذه المناسبة المقدسة، أيضا، وكعادته كل عام، يخاطب المرشد الأعلى، علي خامنئي، قائدُ الثورة الإسلامية، الفلسطينيين والعرب والمسلمين ليعاهدهم، مجدَّدا، على أن يفيبوعده فيمحو (لهم) إسرائيل من الوجود، ويحرر قدسهم، وفلسطينهم، كلها، من النهر إلى البحر، ولكن عندما تسمح الظروف.
ومنذ العام 1979 والنظامُ الإيراني لا يتوقف عن الهتاف بموت إسرائيل، ولكن لا يموت غيرُنا بالعشرات، وأحيانا بالمئات، تارة بمفخخات أعوانه ووكلائه العراقيين واللبنانيين واليمنيين، وأخرى برصاص اليهود الذي يتساقط في فلسطين وسوريا ولبنان.
ومنذ تسع سنوات، وجمهوريةُ الولي الفقيه تجدد قسَمَها بأغلظ الأيمان على أنها سوف تنتقم لدماء ضباطها وجنودها ووكلائها العراقيين واللبنانيين الذين يحصدهم طيران اليهود في سوريا ولبنان والعراق، وعلى أنها ستثأر لهيبة حليفها بشار التي يلطخها الإسرائيليون بالدم كل يوم، وكل ساعة، ولكرامة الإمام المجاهد حسن نصر الله التي أصبحت (الحائط الواطي) لصواريخ نتنياهو الذي لا يُخفي شماتتَه بها وبنا وبعرب فلسطين بعد كل غارة من غاراته التي لا تنتهي.
وفي أعقاب كل غارة يغضب قادة الحرس الثوري وزعماءُ محور المقاومة والممانعة فيهددون بأن “ هذا (العدوان الغاشم) لن يمر دون رد. ولكنهم يتركون مكان الرد وزمانه للظروف.
ولكن الحقَّ الذي لابد أن يُقال هنا هو أن الغالبية العظمى من الجماهير الإيرانية والعربية والإسلامية قد كشفت اللعبة، مبكرا، وآمنت بأن دعاوى النظام الإيراني الفلسطينية خاوية من مضمونها، وذلك لأنه بالكاد يحافظ على بقائه واقفا، ويبذل الغالي والرخيص لضمان ما تبقى من وجوده (نفسِه) في العراق وسوريا ولبنان، وربما في إيران ذاتها. وماوعودُه الفلسطينية تلك إلا وسيلتُه التي لا يملك غيرها ليَخرج على الناس بثياب المجاهد المقاوم الممانع القادر على الفعل، ولتبرير تدخلاته الاحتلالية في بعض دول الجوار، ولاستمرار ابتزاز شعوبها، ونهب ثرواتها، وإذلالها.
والفئة القليلة التي تواصل تصديق شعاراته، وتشاركه في ترويجها، فهي إما أن تكون مغفلةً تَمكّنَ من استغلال جهلها أو تديّنها بخطابه الطائفي المغشوش فأوقعها في حباله، أو مستفيدةً منه ومن حاجته إلى مجندين يقاتلون بالنيابة عن جنوده وضباطه لخدمة أهدافه القومية التي لا شغل لها بالدين والطائفة، ولا بفلسطين.
فليس يُعقل أن تكون أربعون سنة غير كافية لإفاقة هذه الفئة المُضلَّلة من غفوتها، ولتفتيح عقلها وقلبها وروحها وإقناعها بأن دعاواه الفلسطينية كذب ورياء.
ولابد أن يكون الذين رسموا، وكتبوا تلك الجدارية الضخمة المُهينة للهوية الوطنية العراقية، ورفعوها في ساحة بيروت ببغداد، والتي تَعِدُ بالصلاة في القدس قريبا، أكثرَ من وليهم الفقيه ومن قادة حرسه الثوري تزويرا ونفاقا وغشا وخديعة، لسبب بسيط هو أنهم الأقرب إليه، والأكثرُ قدرةً على إدراك ضعفه وهزاله وعجزه عن حماية نفسه، داخل حدوده ذاتها، خصوصا في أيامنا هذه التي تتصاعد فيه احتجاجات الغاضبين العراقيين واللبنانيين واليمنيين والفلسطينيين المصرين على تحرير أنفسهم منه ومن وكلائه الفاسدين المفسدين، وفي أعقاب ما فعلته به عقوبات الرئيس الأمريكي ترمب وكورونا وأسعار النفط وتهاوي العملة، وما خفي كان أعظم.
وفي كل عام يعِدنا بالصلاة في القدس قريبا، واليهود يضاعفون مستوطناتهم، ويضمون أراضيَ عربيةً جديدة.
فقد ذهبت القدس حين أمر ترمب بإهدائها لإسرائيل واعترف بها عاصمة موحدة لدولة اليهود، وسوف يضم الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل، ولا يسمع نتياهو ولا ترمب سوى الهتافات والبكاء على الأطلال والوعد الذي لا يتحقق.
وكأن أربعين عاما من الوعد بمحو إسرائيل وتحرير فلسطين ليست كافية.
وكأن على الفلسطينيين أن ينتظروه أربعين سنة أخرى ويسفحون فيها بحارا أخرى من الدم والدموع.
ومنذ أربعين سنة والقائد المؤسس الخميني، ووريثُه، حسينُ هذا الزمان، لا يَقدِران إلا على الضعفاء والفقراء والمساكين الإيرانيين والعرب والمسلمين. يقتلان هنا، ويحرقانهناك، ويعتقلان هذا، ويغتالان ذاك، ويُهجران أؤلئك، ويملآن كل أرض يطآن ترابها ظلما على ظلم، وجهلا على جهل، وفقرا على فقر، ولا يخافان من الله، ولا يستحيان من عباده أجمعين.
ألم ترَ كيف يُسلط وكلاءَه العراقيين لدمار أهلهم العراقيين الذين لا يؤمنون بقدرته على الصلاة في القدس في يوم من الأيام؟
وألم تروا كيف استعان في سوريا بحليفه (المجاهد) فلاديمير بوتين ليسانده على ذبح السوريين الكفرة الذين لا يريدون تحرير القدس الشريف؟.
وألم يستعن الإمامُ المجاهد حسن نصر الله بأموال الولي الفقيه وسلاحه ورجاله لقهر جماهير شعبه اللبناني التي لا توافق على تحرير فلسطين، ولا تريد محو إسرائيل من الوجود؟
وانظروا كيف تقاتل جماهيرُ يمنية عريضة، بصواريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانيةورجالها وأموالها، جماهيرَ يمنيةً أخرى لا توافق على رمي اليهود الصهاينة في البحر الأبيض المتوسط؟.
وخلاصة الخلاصة هنا أنهم لا يفقهون، أو أنهم يفقهون ولكن لا يستحون.
(سنصلي في حرم القدس قريبا). نعم. ولكن متى، وكيف؟ الله أعلم.