قضية قديمة يتجدد الحديث بها بين اونة واخرى ويتكرر النقاش ليدور باسبابها وجدواها وانعكاساتها الثقافية والابداعية وخصوصا في مجال كتابة الشعرالحديث والنصوص الجديدة رغم ان الفنون الابداعية الاخرى تشاركها الطرح بنفس الاسس والتصورات كالقصة القصيرة جداً والقريبة من النص الشعري وبعض الروايات الغامضة او صعبة الفهم او اللامباشرة والتي تعتمد التكنيك الفني الجديد والحبكة الصعبة اذ تحتاج اكثر من قراءة لفك رموزها وطلاسمها وحل معادلاتها وتحري تلك التقنيات الفنية والتي تحكم سياقه وتسير صوب وجهته التعبيرية والتامل في ما يريد كاتبها فهل هوحقاغائص في االلاوعي والفوضى والهذيان الممل ومتاهات احلام يقضته والتعقيدات التي تؤدي الى غياب المعنى وانحسار الفكرة أوتشتتها … ام ثمة اشياء ماوراء السطوريريد ان يوحي بأشياء وراء كلماته . …رغم هذا فالعمل يشدنا بغرائبيته واكتشاف تلك البؤر الحداثية والاستفادة من طريقة طرحه وتوظيفه للرمز او الاسطورة وابتكاراته الجديدة او استفادته من الواقع وطرحه الجديد المستفز اذا جاز لنا القول ….
لكننا في الشعرالحديث والنص الذي يبهرنا ويستوقفنا كثيرا لنستدرك جديته ولغة الشاعرالمبدع في تخطيه للمتداول وحرصه على التغييروالتجاوزوالتفاعل الحي مع العالم في ادواته وطرح ثقافته باسلوب جديد متقن ولغة شعرية تكاد تكون خاصة به وبقصائد عصية الفهم على بعض القراء والمتابعين أوحتى النقاد ربما تضطرهم لأكثر من قراءة فتحتاج الى تفاسير وشروحات لفهم معناها ومحتواها ومضامينها فالكثير من الشعراء يعتقد ان الغموض اكثر جمالا والقصائد العظيمة لا تعطي اسرارها بسهولة وتحتاج الى تواصل وتفاعل وخبرة ومعرفة بالشاعر وادواته ((فالشعر يعيد انتاج حكاياتنا حفاً )) والحالة الشعرية هي حالة حالمة متمردة لكن هذا التبرير رغم جماليته وصورته الشعرية الغائمة وتناغمه مع رؤية الشاعر ادى الى عزوف الكثير من القراء والمتابعين عن تلك النصوص وبالنتيجة عزوف الناشرين عن طبع ونشر مثل هذه النصوص وهذه قضية مهمة شغلت المبدع فأي محتوى وانتاج يجب ان يخضع لتلك العلاقة الجدلية التفاعلية بين النص والمتلقي قارئا متذوقا كان ام ناقدا ام متابعا ليوازي معادلة النص الموضوعية في جدوى الانتاج التفاعلية لتحقيق المزيد من عمليات البحث والتواصل مع المبدع
فلا القصيدة الطويلة تكون كلها شعرا ولا القصيدة القصيرة يتركز في كلماتها الشعراحيانا ولا الوضوح هو عنصر مباشرة في الشعر والغموض ليس دائما عنصر اثراء للقصيدة خصوصا اذا بالغ الشاعر في الابهام واوغل في رموزه الصعبة وذهب بنا بعيدا في رحلته الفنية وعمق رؤيته فثمة علائق ووشائج تربط الكلمات لتعيد رصفها لتبرز معنى اخر وتبوح اكثر مما تتحدث وتحفز القاريء والمتلقي الى اجراء مزيد من البحث والتقصي والاسئلة الاخرى ويفتح مجالا واسعا امام احتمالات لا حد لها من التأويل ويتيح للقاريءحرية تقرير الاتجاه الذي يمكن ان يسلكه في رحلته وسط المتاهة لان ثمة طيفا من المعاني المحتملة تتواجد بصورة متشابكة في ثنايا ذلك العمل واذا كان اتخاذ هذا الموقف يتمثل بحيازة الشعر للواقع ونفخه لروح الحياة في كينونة ذلك الواقع عبر التسمية كما يقول ((هيدجر ))….
……..