في الحقيقة والواقع فإنّ “الصحوة” الدينيّة ما هي في حقيقتها إلّا ؛ أوّلاً : صحوة بفعل فاعل , وثانياً : مادّتها “إكسير أو ترياق الصحوة” خليط من تعفّن وسموم ل”طعام” فكري متفسّخ وآسن تغيّر لونه وطعمه وجافت رائحته ونتنت منذ عصور , والآن هي في طور الكيمياويّة ذات الدمار الشامل , عمل “الطامعون” على تجريعنا إيّاه لهذا النوع من الطعام منذ قرون ولغاية اليوم حتّى وإن كنّا نحمل نفس جينات هذا الفايروس الفكري , وبالقوّة , عبر إعلام مُهيمَن عليه من قوى طاغية منها من “كلّم الله تكليما” وقال له اذهب يا ولدي ابطش بالعراقيين , ومنها من “ينتظر” المهدي ليشرب معه الشاي والبادَمْ وكعك السيّد قبل مباشرته جزّ رؤوس النواصب ! .. إعلام لا يسمح لأيّ صوت منافس يجده خصماً له , حتّى وإن كان عصرنا عصر الانتشار البشري الواسع والاحتكاك الاجتماعي الأوسع عصر تقاربت فيه الافكار والمعرفة والتواصل الإنساني من أقصى كوكبنا إلى أقصاه بثواني معدودة وباستزراع مساحات من الأراضي وسقيها في آن , تعادل جميع ما استصلحه الانسان قديماً عصر يسابق فيه الانسان الريح والطير يسبقهما بثواني معدودة أفقيّاً وعموديّاً وبعشرات الأميال! عصر غاص فيه الإنسان عميقاً في أعمق أعماق المحيطات وأحصى وسجّل واستثمر جميع مخلوقاته , عصر اكتشف فيه الانسان أوّل منصّة إطلاق انطلقت منها أولى بذور جميع الأجناس والمخلوقات , عصر اكتشف فيه الانسان عناصر مكوّنات الذات “المادّيّة” بالذات “الغير مادّيّة” ..
رب العالمين الّذي يرى ولا يُرى “خوفاً منه علينا” أن لا يحيق بنا ما حاق بني إسرائيل وحاق نبيّهم موسى < حين رأوه > فهلكوا عن آخرهم < ومن أوّل نظرة ! > حين خرّ بهم الجبل دكّاً”.. ربّ العالمين , ووفق ما هو مثبّت في القرآن بصيغ تفصح عن نفسها , حين يبعث رسول لاحق لرسول سابق سبقه بعشرات أو بمئات السنين ؛ لقوم أو لأقوام أصبحت عاداتهم تقاليدهم “حيَلهم” تنجيمهم سلوكيّاتهم أفكارهم أهدافهم جميعها قديم فيبعث الله مع رسوله “لإصلاحهم” دعوة فيها كلّ شيء جديد مع الاحتفاظ بجوهر المضمون الأزلي ؛ كتاب لغة تعبير معجزات حجج ترتيل تنجيم معالجات وعيد تضحيات .. لذا فلا غرابة من ربّ العزّة أن يعلّمنا “نحن المسلمين” على سبيل المثال أنّ لكلّ قوم يلون استوجبت مخاطبتهم بخطاب يختلف عن خطاب من سبقهم , أي أنّ صحف إبراهيم مثلاً , هي غير صحف موسى , لتغيّر الزمان والمكان وطبيعة المجتمع “الديموغرافيّة” , وهما معاً , صحف إبراهيم وصحف موسى , هنّ غير مزامير داوود أو تعاليم إدريس أو نوح أو بنيامين .. كما وهنّ جميعاً غير “القرآن” في خطابه الإصلاحي لعموم الناس ( وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين ) كتاب رسالي جديد في كلّ شيء ( لكي يُستساغ هضم تعاليمه من قبل كافّة الناس ) , لم يخاطب ناس بعينهم كما يزعم اليوم الدجّالون المعمّمون كي يستمرّوا بمصادرة أموال البلهاء الجهلة ويضعون “الطابوگه” جاثمة فوق رؤوسهم العفنة يوعدوهم بجنّة أقسم بالله لن يشمّوا شمّةُ واحدة من عطرها ولا حتّى نَفَساً واحداً من عفونة مجاريها , بل هم , ومن يتّبعون , جميعهم في النار خالدون ( إذ تبرّأ الّذين اتُّبِعوا من الّذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب , وقال الّذين اتَبعوا لو أنّ لنا كرّة فنتبرّأ منهم كما تبرّأوا منّا , كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار ) ! .. لنلاحظ هنا ماذا يقول أحد المدلّسين “أحد المفسّرين يعني” يلقّب ب “السدي” : < هم “الشياطين” يتبرّأون من أتباعهم ! > ولا يعترف ويقول إنّما المعنيّون “المتبوعون” هم نحن ! , في حين ما عناه القرآن واضح . هذه مو من عندي .. هذا كلام الله وأين تفرّون منه يا أتباع ويا متَّبوعون , هي مسألة وقت تموتون وترجعون إليه فيلقي عليكم تلك الحجج وأولاها ( لقد كرّمنا بني آدم ) وانظروا كيف يضحكون عليكم “ساداتكم” بعد آن تركتم كلام الله واتبّعتم قول “السادة” فأصبحتم أحطّ منزلة عند الله من القردة : “ذبهه براس عالم واطلع منهه سالم”!..
القرآن كان يخاطب قوماً غير قوم عيسى .. وكلّ عصر ما , سيأتي بعد عصر محمّد وخطابه “الإسلاميّ” الإنسانيّ مع بقاء نفس الجوهر ونفس المضمون , لذا وجب والحالة الطبيعيّة هذه مخاطبة مجتمعات عصرنا هذا الّذي نحن نعيشه فيما لو سلّمنا جدلاً سريان ظروف تلك الرسالة لغاية عصرنا أيضاً “وأنّها لم تنقطع” ! , فلابدّ ومخاطبة عقول أفراد ومجتمعات عصرنا هذا بخطاب “ديني” جديد يختلف عن سابقه , وأعني بالسابق القرآن !! مع إبقاء نفس المضمون كي يلائم عصرنا ويُعجز من يريد محاجّته , لا أن يكون خطاب مفبرك منتفخ “البراهين” كما يحصل اليوم عبر مشايخ وأدعياء دين هم ليسوا أكثر من عناصر ضمن مخطّط كبير يراد منه إعادتنا إلى عصور الظلام والانحطاط الفكري بعد خلوّ الساحة من الفكر اليساري الّذي هو من وقف خلف علوم العصر لا غيره , وبعد أن أعادوا العراق , والدور على سوريّا وانتقلوا به من عصر الصناعات الواعدة إلى عصور الاستهلاك فقط , بضائع من كلّ قطر ومن كلّ بلد “أغنية” عصور ما قبل الزراعة والبرونز والتاريخ ! , فادّعوا هؤلاء “السادة” و”المفتون” ولكي يُحشروا القرآن في عصرنا حشراً أضافوا إليه ما ليس فيه ما ليس هو بحاجةٍ إليه ليثبتوا “إعجازه” فطلوه بمواد التجميل والمساحيق العصريّة وزوّقوه وألبسوه آخر مبتكرات أزياء ودور الألبسة والعرض وأشهرها ليقولو : انظروا ! ها هو “القرآن” يحتوي آخر النظريّات العلميّة وآخر ما توصّل إليه العلم ؛ وما علوم الفضاء والكيمياء وعلوم الحروب و”الغزوات” وما التفجيرات الّتي تعمّ العراق منذ 10 سنوات ليست سوى حصيلة “دين جديد” هو الاسلام بعينه كخطوة أولى تسبق “الظهور”! هكذا يُلبِس على الناس نَسَكة كهوف الخفافيش وخرّيجو خرائب دراكولا وكهنة توابيت المومياء وعناكب وعقارب صحارى الإفتاء الأصفر ؛ تركوا جانباً ( الرحمة والدعوة إلى الله بالحسنى والدعوة ل”وإنّك لعلى خلق عظيم” ) وهداية الناس مسلمون وغيرهم للطريق القويم بسلوكهم القويم المفترض , وأبدلوه بدعوات إلى الجري خلف صندوق الانتخاب والمنصب والجاه والثروة يسعون لها لهاثاً على الفضاء وأمام أنظار العالمين , وبدلاً من أن يرتدوا ملابس اللصّ للتنعّم بما ستفتحها عليهم “صناديق العجائب” والّتي هي من رحم مغارة علي بابا كي لا يُفتضح أمرهم ؛ “غترة أو كلاو أسْوَد بفتحتين للعينين! وسروال أسود وحذاء أسْوَد مطّاط وقفّازات مطّاطيّة سوداء ومصباح يدوي أسود وسلال قماش سوداء لخزن المسروقات ؛ ولكي لا تكشفهم أجهزة الكشف عن المتفجّرات كاشفة الروائح النتنة أبدلوها بلحية طويلة محنّاة بحنّة أو غير محنّاة وبحف للشاربين وبدشداشة بيضاء قصيرة وب”عليجة” سوداء للمسروقات وبسِواك للتلهّي بدل “العِلكة” وهم في طريقهم “للصناديق” كي تكون أسنانهم بلون دشاديشهم وقويّة تصلح لقضم وطحن ما في الصندوق بسلاسة وبيسر لأنّ الإسلام دين يسر لا دين عسر ! .. وقبل هذا وذاك أبدلوا “الفوز” بالانتخابات إلى “غزوة” انتخابات ! ليلبسوا على عامّة الجهّال الموسوسون من الّذين سرت عليهم سنّة التفسّخ العقلي والتمسّك النصّي , تبدّلت حالة اشتياق أحدهم ل”مسّ القرآن” لتتحوّل مع بدء عهود الظلام إلى كوابيس ورعب وتوجّس وانتظار بلاء محدق وخوف شديد من القرآن عند الهم بمسّه أو لمسه , تساوى كمّيّة الحذر منه نفس كمّيّة حذر “مسّ” أيّ “شبّاك” لقبر أيّ مخلوق مات وتحوّل تراباً منذ قرون ؛ وبعد الطرق الطويل على رؤوسهم ؛ سب وشتم ميّت له “شبّاك” لا يختلف مردوده الانتقامي لدى أتباعه عن كلّ مسّ أو شتم أو سبّ أيّ صنم من أصنام الجاهليّة لدى أتباعه في عصور ما قبل الاسلام ..