رغم الأجواء الرمضانية التي يستعد لها المسلمون سنوياً في كافة أنحاء العالم ، وما فيها من قدسية خاصة ، ورغم الصعوبات التي فرضتها وباء الكورونا والحظر السائد على معظم الأنشطة الأقتصادية ، فقد تحولت آمال أكثر من أربعة ملايين متقاعد إلى مجهول عندما وجدوا أنفسهم أمام تصريحات و وعود متضاربة من المسؤولين تتبخر وتختفي عند وصولهم إلى منافذ ومكاتب الصرف الأهلية ، وهم يتواجدون بأعداد من (كبار السن والمرضى والمعوقين رجالا ونساء) في واجهات مكاتب الصرف بأنتظار الفرج بعد أن أغلقت المصارف الحكومية أبوابها نظراً لدخولنا عطلة نهاية الأسبوع ، وتحولت مواقع التواصل الأجتماعي إلى منصة لتداول موضوع الراتب التقاعدي في أجواء مشحونة باليأس والترقب والقلق والأنتظار . والكارثة أن أمواج الإشاعات تتلاطم مع التصريحات المتضاربة والمتناقضة الصادرة من المسؤولين التي كانت كما يلي :-
صرح مدير عام هيئة التقاعد منتصف الأسبوع الماضي (في قناة الآفاق) أن متطلبات الرواتب قد تم إكمالها من يوم الخميس (2020/4/30) وأن الهيئة كانت بأنتظار إشعار من وزارة المالية بأطلاق الرواتب إلا أن الأشعار قد تأخر (يعني أن سبب التأخير من وزارة المالية) .
ثم لحقه بتأريخ (5/ 5/ 2020) صدور قرار من مجلس الوزراء المرقم (97) لسنة (2020) ، الذي تضمن ( قيام وزارة المالية بإيقاف التمويل بأشكاله كافة لحين قيام الحكومة القادمة بدراسة الموضوع ، واتخاذ القرارات الملائمة لمعالجة إنخفاض الإيرادات بسبب إنخفاض أسعار النفط باستثناء المنحة الحكومية المقدمة لشريحة الفقراء ، ولرئيس مجلس الوزراء بالتشاور مع وزير المالية إطلاق الصرف عند توفر السيولة لحالات الضرورة القصوى وبما لا يتعارض مع القوانين ذات الصلة وتوجيهات السيد رئيس مجلس الوزراء الصادرة تنفيذا لها ) ، ونظراً لنفاذ هذا القرار من تأريخ صدوره فقد تبخرت الرواتب التقاعدية لشهر أيار الحالي ، كما إختفت التصريحات الرسمية للمسؤولين سواءاً في وزارة المالية أو في هيئة التقاعد الوطنية التي من شأنها طمأنة المتقاعدين ، مما جعل البعض يربط بين توقف الصرف وصدور هذا القرار ، رغم أن القرار لم يشر إلى رواتب المتقاعدين .
ثم لحقه تصريح صادر من وزارة المالية بتأريخ (2020/5/6) هذا نصه :-
(تناقلت بعض وسائل التواصل الاجتماعي خبراً مفاده بانه سيتم قطع او إستقطاع رواتب المتقاعدين … تنفي وزارة المالية هذا الخبر وبمتابعة من قبل السيد رئيس الوزراء والسيد نائب رئيس الوزراء وزير المالية وسيتم اطلاق رواتب المتقاعدين ابتداءاً من يوم غد الخميس … لذا اقتضى التنوية) .
وقد تم التأكيد على تصريح وزارة المالية المذكور من قبل موقع رئيس الوزراء السابق السيد عادل عبدالمهدي من خلال التنويه الصادر عن مكتبه بتأريخ (2020/5/8) وهذا نصه (( أن رئيس مجلس الوزراء السابق السيد عادل عبد المهدي سبق وأن وجه وزارة المالية باطلاق رواتب المتقاعدين يوم الاربعاء الماضي (٦ أيار ٢٠٢٠) وان ذلك تم بالاتفاق مع وزير المالية السابق السيد فؤاد حسين ، وقد اكدت ذلك وزارة المالية ومديرية التقاعد العامة واشارت الى اطلاق الرواتب مباشرة ، لذا اقتضى التنويه وتوضيح الحقائق كما هي ، ونهيب وسائل الاعلام بتوخي الدقة والموضوعية وعدم نشر اخبار مفبركة تثير قلق شرائح مهمة من المواطنين)) .
وفي نفس اليوم (2020/5/8) وبعد الأتصال الهاتفي المشترك بين رئيس الوزراء الجديد ونائب رئيس البرلمان تم الأيعاز بأطلاق رواتب المتقاعدين يوم السبت (2020/5/9) الذي كان قد أوقفها (رئيس الغياب الطوعي) و رئيس الوزراء السابق .
وبتأريخ (2020/5/9) تم تحقيق أول إجتماع لمجلس الوزراء الجديد حيث تم التصويت على عدة قرارات أهمها (تخويل السيد رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية صلاحية اطلاق رواتب المتقاعدين ) ، و (إلغاء قرار مجلس الوزراء السابق رقم (٩٧) لسنة ٢٠٢٠ بشأن موضوع ايقاف التمويل ، الى جانب الموافقة على مشروع قانون الاقتراض المحلي والخارجي لتمويل العجز المالي لعام ٢٠٢٠ واحالته الى مجلس النواب استنادا لأحكام المواد الدستورية ) .
وبعد ساعات من صدور قرارات مجلس الوزراء الجديد صدر التنويه التالي من هيئة التقاعد الوطنية هذا نصه ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …. إشارة الى ما تم تداوله حول التأخير الحاصل في صرف الرواتب التقاعدية ، اصدر مجلس الوزراء الموقر قراره القاضي بالغاء القرار ( ٩٧ ) لسنة ٢٠٢٠ وخول المجلس دولة رئيس مجلس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي ومعالي وزير المالية صلاحية اطلاق تمويل الرواتب التقاعدية حيث اكملت هياة التقاعد الوطنية اجراءاتها وسيتم التوجه غداً لاستلام كتاب تمويل رواتب المتقاعدين للمباشرة بالاسراع في صرف الرواتب التقاعدية بشكل عاجل وتطمئن الهيأة المتقاعدين بإن رواتبهم مؤمنة ولا صحة لمايتم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي لذلك اقتضى التنويه )هيأة التقاعد الوطنية (2020/5/9) .
الخلاصة …
ما يعيشه المتقاعدون اليوم تعد سابقة خطيرة جداً لم تحدث في تأريخ الدولة العراقية قديماً وحديثاً ، وإن كانت الحجة هي موقف السيولة والنقد وإنخفاض أسعار النفط ، وغيرها من التبريرات فإنها مرفوضة لأن الرواتب التقاعدية لا علاقة لها بالموازنة ، فهي تصرف من صندوق تقاعد الموظفين الذي تتكون إيراداته من التوقيفات التقاعدية للموظفين وعوائد إستثمارية من الرصيد المتوفر من المبالغ المتأتية منها كما نصت عليها المادة (٩- أولاً ) من قانون التقاعد الموحد .
أن إصدار قرار من مجلس الوزراء السابق بايقاف صرف الرواتب ، يتنافى مع إختصاصات وواجبات حكومة تصريف الأعمال ، والمبادىء الدستورية ، ويتنافى مع البرنامج الذي قدمته الحكومة أمام ممثلي الشعب بالحفاظ على حقوق المواطنين .
ماذا تتوقعون من المواطن المتقاعد الذي أفنى سنين عمره في خدمة هذا الوطن ، وهو ينتظر راتبه التقاعدي في خضم هذه الصعوبات التي فرضتها وباء كورونا ، وفي أجواء شهر رمضان المقدس ، ثم تطلبون من المواطن عدم تصديق الأشاعات التي تنطلق هنا وهناك مثل ، عدم توفر السيولة النقدية ، أو أن الرصيد الخاص برواتب المتقاعدين قد تم التصرف أو التلاعب به ما دام الموضوع له علاقة بعدم توفر السيولة النقدية ، أو ربما تمت سرقتها !! .
لا بارك الله بكل تصريحاتكم المتناقضة والكاذبة ، والمؤسف أن ممثلي الشعب صامتون تجاه هذا الغبن المتحقق بشريحة تصل أعدادهم إلى أكثر من أربعة ملايين !!! وكان المفروض من الحكومة الجديدة أن تبادر إلى توضيح الأشكال وتوجيه الأنتقاد (على الأقل) إلى الحكومة السابقة لأصدارها قرار بأيقاف رواتب المتقاعدين ، إن لم يكن في إستطاعتها محاسبة المقصرين والمسؤولين عن سبب التأخير ، قبل قيامها بإلغاء القرار المرقم (97) ، والتقديم بأعتذار الى أكثر من أربعة ملايين متقاعد بسبب التأخير في صرف رواتبهم وتعويضهم ، والتعهد بعدم تكرار التأخير مستقبلاً ، ولكن …. لو أمطرت السماء حرية … لرأيت العبيد يسارعون بفتح مظلاتهم .