الشعر الحقيقي احساس دائم بالحياة والجمال والتواصل مع الأشياء ومايدور حولها فالشاعر حين يحاول ان يجسد لحظات القلق والخوف والريبة أورسم لوعة الأنتظار أو غربة نهارغامض وطويل أو ضياع دائم لفرصة الانتظار او حزن متكالب لا يعرف سره ومغزاه وحين يجلس على محور الأشياء يتأمل في سر الكون يغذي عواطفه واحاسيسه وعقله على مآثر الماضي العظيمة وذكرياته الصعبة الموغلة بالتكرار يتنهد مع تقلب الزمن وفصوله يراقب مرور الاشياء وتغيراتها المتكررة وهو يفكر في تعقيد العالم وحالة التطوروالتناقض في الواقع … فالسعي وراء الشعر يجب ان يبدأ بتقرير هذا المسعى فالمرء في ميدان الشعر كما يقول ((ارشيبالد مكاليش )) بحاجة الى رائد ثقة رجل رأى واستبان ثم عاد ولن يكون هذا الرائد الا شاعراً…اما النقاد فهم كمن يضع خرائط لجبال العالم الذي يرودونه غير انهم لم يتسلقوا تلك الجبال قط …))
يوجز لنا شاعر الصين ((لوتشي )) وهو القائد العسكري الذي حكم عليه بالأعدام 303م لخطأ ارتكبه في احدى معاركه حين استطاع ان يجد وقتاً لكتابة مايسمى بالصينية (( فو)) وهو قصيدة نثرية مطولة تتحدث عن الادب عامة وعن الشعر خاصة …وفي تلك القصيدة يتحدث بما يناسب عصرنا الحاضر وحين نتأمل الآراء نراها محض تعبيرات جاهزة تنم لوحدها عن لمع من المعرفة تشع من وراء الجبال التي يجب ان يقطعها الساعون وراء الشعروالمتحمسون لكتابته والمتخبطون في تجاربه والمتعطشون لدراسته والخوض في غماره محاولين لأن يكون لهم شأن في التجديد والتطور والخصوصية وصراحته في تعرية الذين خاضوا غمار اللعبة متكأين على تجربة الفشل المتكرر والمواهب الضالة ليلخص كلامه بقولته المشهورة (( ان كل ما استطيع قوله قد أثبته هنا )) ونرى رأيه في القصيدة السوية المكتوبة ……
………
((يجلس الشاعر على محور الأشياء
ويتامل سر الكون
يغذي عواطفه وعقله على مآثر الماضي
واذ يتقلب مع الفصول الاربعة
يتنهد لمرور الزمن
وأذ ينظر الى ملايين الاشياء
يفكر في تعقيد هذا العالم
فيحزن لتساقط الاوراق في الخريف المفعم عنفواناً
فتملؤه غبطة اكمام الزهر الناعمة في الربيع العطر
ويعاني البرودة وقلبه حافل بالرهبة
فأذا اطمانت روحه حول نظرته للغيوم
ورؤى نتاج الأسبقين الفائق
واخذ يتغنى بالعبير النقي
الذي خلفه القدامى المتفوقون
وتجول في غابة الادب ممتدحا تناسق الفن العظيم
واذ اهتز هزة المنفعل
رمى بالكتب بعيداً
وتناول ريشته ليعبر عن نفسه في كلمات…))*
المقطع منقول من كتاب الشعر والتجربة للشاعر الناقد ارشيبالد مكاليش…
…….