18 ديسمبر، 2024 9:14 م

بالأمَسِ إغتِيلَتْ نِينِوى الحدباء… وَغَداً سَتُغْتَالَ أخُتُها بَابِلُ الفيْحاءُ

بالأمَسِ إغتِيلَتْ نِينِوى الحدباء… وَغَداً سَتُغْتَالَ أخُتُها بَابِلُ الفيْحاءُ

” الجُزْءُ الثَانِي ”
رَابِعاً : الأسْرُ الآشوري لليهود :
أمام هذا الإضطراب بدأ الغزو الآشوري عام (723) ق.م حيث قاد الملك الأشوري (شيلمنصر الخامس) حملة على المملكة الشمالية ، ومما تجدر الإشارةُ إليه أن الملك شلمنصر الخامس إستلم الحُكم بعد (تغلث بلاسر الثالث) في عام (727) ق.م وفرض جزية كبيرة على مملكة إسرائيل، إلا أنّ (هوشع) الذي كان آخر ملوك إسرائيل، إمتنع عن دفع الجزية لآشور، وحاول أن يعقد حلف دفاعي مع مصر ضد آشور (سفر الملوك الثاني 17: 4) لم تكن حالة مصر في ذلك الوقت تسمح لها بِتقديم مساعدة حقيقية لِلملِك الإسرائيلي (هوشع) لذلك في عام 724 ق.م هاجم (شلمنصر الخامس) إسرائيل، ولم تواجه قواته مقاومة كبيرة من جانب الإسرائيليين ، فإحتل الآشوريون كل البلاد ما عدا العاصمة الإسرائيلية (السامرة) التي كانت حصينة وإستطاعت أن تقاوم الحصار لِثلاث سنوات ، وقبل أن ينجح في هذه الحملة العسكرية توفي الملِك شلمنصر الذي كانت وفاته في سنة 722 ق.م ، إلا أنّ قائد الحملة العسكرية الآشورية إستمر في العمليات العسكرية بعد وفاة الملِك الآشوري وإستطاع بعد حصارٍ دام ثلاث سنوات أن يحتلّ العاصمة الإسرائيلية (السامرة) في عهد الملِك الآشوري (سرجون الثاني) (722 – 705 ) ق.م الذي خلّف الملِك (شلمنصر الخامس) بإحتلال مدينة (السامرة) وهكذا تمّ القضاء على مملكة إسرائيل وكان ذلك في سنة 722 ق.م (سفر الملوك الثاني 17: 6 ، 18: 9) بعد تدمير مدينة (السامرة) وتمّت إعادة تنظيم إدارة إسرائيل وأصبحت البلاد مُجرد ولاية آشورية بإسم “سامريا” يحكمها حاكِم آشوري ، الذي أتم تقويض إسرائيل كان الملك (سرجون الآشوري) سنة 721 ق.م حيث فرض الجزية على المملكة الجنوبية التي تضم القدس ، ما بين عامي (705 و 681) ق.م ، قام سرجون وخلفه سنحاريب بسلسلة من الحملات والعمليات الحربية ضد المدن الكنعانية والفلسطينية وبلغت ذروتها عام 701 ق.م بحصار القدس ، وتذكر المصادر التأريخية أن (ربشاقي) القائد الآشوري جاء في جيش كبير ودك أسوار المدينة وكان رجاله مزودين بالسيوف والنبال والتروس والأقواس والرماح ، ولهم مركبات خفيفة يجر الواحد منها حصانان وكانتا لهم وسائل نقل منظمة …
خَامِساً : القضاء على مملكتَي إسرائيل و يهوذا :
كانت مملكة (يهوذا) بلاد صغيرة حائرة بين الإنحياز الى جارتها الغربية “مصر” أو جارتها الشرقية “آشور” المتنافستَين على النفوذ والسلطة في المنطقة ، وفي النهاية قرّر (حزقيا) ملك مملكة (يهوذا) الإنحياز إلى مصر لكنَّ هذا الإنحياز أغضب الملِك الآشوري (سنحاريب) (705 – 681) ق.م ، الذي قرّر القيام بحملة عسكرية على مملكة (يهوذا) لإخضاعها والقضاء عليها ، لذلك قام ملِك مملكة (يهوذا) بإرسال وفد إلى مصر طلباً للمساعدة، فوعده المصريون بِتقديم المساعدة والعون العسكري للمملكة ، إلا أنهم لم يُقدموا أية مساعدة لِمملكة (يهوذا) لقد إنتقد النبي (إشعياء) الملِك (حزقيا) في إعتماده على ملِك مصر بدلاً من إعتماده على الرب (سِفر إشعياء 30 : 1-7، إشعياء 31: 1) وهكذا إستطاع الآشوريون إحتلال مملكة (يهوذا) والقضاء عليها وقاموا بِسَبي سُكّانها .
يذكر الملِك الآشوري (سنحاريب) في كتاباته المنقوشة على جدران قصره في (نينوى في الموصل) عن حملته العسكرية على مملكة (يهوذا) وقضائه عليها ما يلي :
{أما (حزقيا) اليهودي فلم يرضخ لِسُلطتي ، فحاصرتُ (46) مدينة من مُدنه المُحصّنة ، عدا القرى المجاورة التي لا يُحصى عددها ، وإستوليتُ عليها كُلّها بإستخدام أنواع الآلات الحربية والمنجنيقات ، مما ساعدنا على الإقتراب من الأسوار وإختراقها ، وقد أخذنا منهم (مائتي ألف) نسمة رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً مع حيواناتهم من الخيول ، والبغال، والحمير، والجِمال كبيرة وصغيرة لا تُحصى ، هذه كلها غنائم إستولينا عليها، وهو شخصياً جعلتُه حبيساً في (أورشليم) في قصرِه كالطير في القفص ، وأحطتُه بأكوامٍ من الأتربة للتضييق على كل مَن حاول الخروج من المدينة} . ()
أما التوراة فتقول عن الحملة العسكرية لِـ(سنحاريب) على مملكة (يهوذا) وأخذه الجزية ما يلي :
{وفي السنة الرابعة عشرة للملِك (حزقيا) صعد (سنحاريب) ملِك آشور على مدن يهوذا إلى ملِك آشور في لاكيش وقال له لقد أخطأتَ فإنصرف عني ، ومهما تضرب عليّ أنفّذ إليك ، فضرب ملِك آشور على (حزقيا) ملِك يهوذا مئة قنطار فضة وثلاثين قنطار ذهب} (الملوك الثاني 18: 14 – 16).
قام (سنحاريب ) بِترحيل المُسبيين وعوائلهم إلى منطقة (حرّان) ومناطق ضفة (الخابور) الواقعة قرب نينوى والبليخ وأحلّ محلهم آراميين من إقليم حماة ، إنّ جمع المُسبيين اليهود في منطقة واحدة هو خِلاف سياسة الملوك الآشوريين الذين سبقوا (سنحاريب ) حيث كانوا يقومون بِتشتيت السبايا في أماكن نائية ومتفرقة ومنعزلة ، بعيدة عن بعضها البعض لِمنعهم من التجمّع وممارسة تقاليدهم وثقافتهم والتكتّل على أمل العودة إلى مناطقهم التي تمّ إبعادهم منها .
تذكر التوراة ما يلي حول الحملة العسكرية التي قام بها (شلمنصر الخامس) على مملكة إسرائيل :
{(1) فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ لآحَازَ مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ هُوشَعُ بْنُ أَيْلَةَ فِي السَّامِرَةِ عَلَى إِسْرَائِيلَ تِسْعَ سِنِينَ، (2) وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلَكِنْ لَيْسَ كَمُلُوكِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ. (3) وَصَعِدَ عَلَيْهِ شَلْمَنْأَسَرُ مَلِكُ أَشُّورَ فَصَارَ لَهُ هُوشَعُ عَبْداً وَدَفَعَ لَهُ جِزْيَةً (4) وَوَجَدَ مَلِكُ أَشُّورَ فِي هُوشَعَ خِيَانَةً، لأَنَّهُ أَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى سَوَا مَلِكِ مِصْرَ وَلَمْ يُؤَدِّ جِزْيَةً إِلَى مَلِكِ أَشُّورَ حَسَبَ كُلِّ سَنَةٍ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ مَلِكُ أَشُّورَ وَأَوْثَقَهُ فِي السِّجْنِ (5) وَصَعِدَ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَصَعِدَ إِلَى السَّامِرَةِ وَحَاصَرَهَا ثَلاَثَ سِنِينَ (6) فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِهُوشَعَ أَخَذَ مَلِكُ أَشُّورَ السَّامِرَةَ، وَسَبَى إِسْرَائِيلَ إِلَى أَشُّورَ وَأَسْكَنَهُمْ فِي حَلَحَ وَخَابُورَ نَهْرِ جُوزَانَ وَفِي مُدُنِ مَادِي وفيها سُبي غالبية الشعب إلى أشور، وجاؤوا بِغرباء وأسكنوهم في إسرائيل}. (سفر الملوك الثاني : 1- 6)
سَادِسَاً : لَمحةٌ عن بابِل التأريخ والحضارة :
وَرَدَ ذِكرُ مدينة بابل في الكتب السماوية الثلاث التوراة والإنجيل والقرآن ، وقد حكمت بابِل العالم ثلاث مرات في عهد (نبو خذ نصر وكورش الأخميني والإسكندر المقدوني) كانت بابِل أكبر مدينة في العالم خلال الفترة ( 1770 – 1670) ق.م ، وأصبحت مرةً ​​أخرى أكبر مدينة في العالم خلال الفترة ( 612 – 320) ق.م ، وربما كانت أول مدينة يصل عدد سكانها فوق 200،000 نسمة ، كانت بابِل مزدحمة مليئة بالصخب تجذبُ الناسَ إليها من كل مكان ،وقد كان المصريون القدماء إبّان عصر الفراعنة يدرسون الأدب البابلي بكامل تفاصيلهِ باللغة البابلية على الرغم من إختلاف اللغة ، وهذا ما أكدتهُ الإكتشافات الأثرية بتل العمرانة عاصمة مصر القديمة بعهد (الملك أخناتون) حيثُ عُثر على الكثير من الألواح الطينية باللغة الأكدية وباللهجة البابلية ، ومنها لوحٌ بابليٌ يتحدث عن فقدان الإنسان للحياة الخالدة والتحول إلى الفناء بعد الموت …
ومن الجدير بالذكر إعتبار تلك المعتقدات عراقيةُ الأصل ومنافية تماماً للمعتقدات المصرية القديمة حيثُ كان الإعتقاد السائد في مصر القديمة بالحياة ما بعد الموت والعمر الثاني وتجدد الحياة ، الغريب بالأمر إكتشاف نقاط من الحبرِ الأحمر على الألواح البابلية وذلك دليلٌ حتمي على مواجهة الصعوبات بالترجمة ، ويرجع سبب بذل كل تلك الجهود في أعمال الترجمة هو إعتبار اللغة الأكدية بالعراق القديم هي اللغة الديبلوماسية الأولى في العالم القديم حيثُ تفرعت إلى عدة لهجات منها اللهجة البابلية ، لذلك السبب كانت دول العالم القديم بمختلف ثقافتها تدرس وتحاول أن تترجم وتُتقن اللغة الأكدية . ()
سَابِعَاً : الأسْرُ البَابِلي لليهود :
ألأسْرُ البابلي لليهود والذي رُوِجَ له بمصطلح بـ(السبي البابِلي) هو فترةٌ في التأريخ اليهودي تم فيه أسرُ يهود مملكة يهوذا القديمة على يد نبو خذ نصر الكلداني بن نبو بلاسر في بابل في العراق القديمة ، حيث قام نبو خذ نصر بإجلاء اليهود من فلسطين مرتين ؛ مرةً في عام (597) ق.م ، والمرةُ الثانية في عام (586) ق.م ، قام نبو خذ نصر بتعيين “صدقيا” ملكاً على يهوذا إلاّ أن هذا حاول التحالف مع المصريين ضد البابليين ، رافضاً دفع الجزية على غرار ما فعلت ممالك مدن كنعانية أخرى ، أعد الزعيم البابلي حملةً كبيرةً أدت إلى حصار القدس سنة (587) ق.م ، وبدعمٍ مِنْ الحاميةِ المصرية الموجودة داخل مدينة القدس صمدت القُدس نحو عامٍ كاملٍ إلى أن إجتاحتها القوات البابلية سنة (586) ق.م وقامت بتدميرها ، فيما هرب صدقيا وبعض أفراد حاشيته ، ولكن رجال نبوخذ نصر لاحقوه وإستطاعوا القبض عليه في شمال أريحا ، فَحُمِلَ إلى الملك البابلي الذي أمر بقتله ، وساق نحو أربعين ألفاً من الأسرى إلى بابل ، وفي هذه الحملة أخضع نبوخذ نصر مُدناً كنعانية أخرى قبل أن يعود إلى بلاده لتكتمل ملامح إمبراطورية الواسعة ، وقد حظيت الحملة البابلية على أرض كنعان وبلاد الشام بحيزٍ واسعٍ من إهتمام الرواة والإخباريين نظراً لأنها أسفرت عن تدمير القدس كما أنها وضعت حداً للصراعات التي شهدتها المنطقة والتي إستمرت منذ إنتهاء السيطرة المصرية .
ساعد المصريون (يهوياقيم) على تولي مملكة يهوذا بعد موت أبيه (يوشيا) ولكن ياقيم لم يستطع الصمود أمام تقدم قوات نبوخذ نصر الذي إحتل القدس سنة (546) ق.م ، وأسر سبعة آلافِ مسلحٍ وألفَ عاملٍ ، حيث إقتادهم وساقهم ومعهم يهوياقيم إلى بابل ، وهكذا دانت أرض كنعان وبضمنها (مملكة يهوذا الصغيرة) للحكم البابلي الجديد ، تقدم (الفرعون ينخحو الثاني) صوب بابِل وأثناء تقدمه جرى تصدٍ لقطعاته ، إلا أنه سحق المقاومة وتجاوز أرض كنعان ليلتقي بالبابليين عند الفرات لكنّه تعرض لهزيمةٍ قاسيةٍ على يد نبوخذ نصر ، ومما تجدرُ الإشارةُ إليه أنَّ البابليون وهم من العموريون كانوا قد أسقطوا الإمبراطورية الآشورية في شمال العراق بعد إحتلوا نينوى عاصمة الآشوريين سنة (612) ق.م ، وقد تمت العودة لليهود إلى أرض فلسطين مرةً أخرى بعد سقوط الدولة الكلدانية على يد الملك الفارسي قورش الكبير (كورش بَزُرك 590 – أغسطس 530) ق.م مؤسس الإمبراطورية الفارسية الأخمينية الذي وعد اليهود بالعودة إلى أرض فلسطين ….

” تَتِمّةَ المَقال في الجزء الثالث والأخير “