5 نوفمبر، 2024 2:37 م
Search
Close this search box.

كورونا .. ما أحقرك وما أنفعك

كورونا .. ما أحقرك وما أنفعك

كورونا ، لا اعرف كيف أتحدث معك فأنت فيروس وقد أصبحت اليوم تتقن كل اللغات لان سوءك انتشر في كل البقاع وصيتك السيئ أصبح له أثرا وعنوان ، إنا عراقي من أصول عربية وأجيد بعض اللغات ولكن ليس لغة الجراثيم والفيروسات والميكروبات لان ديني الإسلامي علمني الطهارة ليس من الوضوء وإنما من تعاليم القرآن التي تحترم الإنسانية جميعا وتعتبر الموت وإيذاء الآخرين من اكبر الموبقات ، وأنا اليوم لست بصدد معاتبتك او معاقبتك لأني املك الصلاحية عن نفسي ولم يخولني أحدا بالتحدث نيابة عنه قط ، لقد دخلت بلادي العراق وهو بلد الحضارات ومهبط الرسل والأنبياء والصالحين وفيه مقامات كبار القوم ومنهم أهل البيت الأطهار والعلماء وأصحاب الأفضال ، وأنت لم تدخل عنوة او من قوتك التي تتباهى بها بل جئت متسللا كالسارق من خلال الحدود ربما في طائرة او في حافلة او في شاحنة لنقل الغذاء بحدود البر ، ورغم إن أهلي في العراق كرماء لحد النخاع إلا إنهم لم يفرشوا لك مضايفهم العامرة ، ولكنهم لم يطردوك لأنك خدعتهم ومن طيبتهم سكتوا عنك ظنا انك سوف لم تؤذيهم لكثر ما لحق بهم من ظلم وضيم ، وبصراحة إنهم في البداية لم يعرفون شرورك ولهذا عاملوك معاملة الفيروسات الأخرى التي عرفت مقدار حجمها وهم أخوة لك مثل الايبولا والسارس وغيرهم الذين جلبوا أنفلونزا الطيور والكبد الفيروسي وغيرها من الأمراض ، وربما فاتك بسبب صغر سنك او حداثة ظهورك للعلن بأن العراقيين من شدة كرمهم فقد توطنت عندهم فيروسات وطفيليات مثل السل الرئوي والملا ريا وشلل الأطفال والحصبة والبلهارزيا ، ولكنهم ليسوا مثلك لأنهم عرفوا مقاديرهم فسكنوا بعض المناطق دون إيذاء وان مدوا ذيولهم قطعناها إربا فورا لأننا خبرنا أساليبهم وصارت لدينا خبرات وأدوات تقي شرورهم وعلاجات تلغي عدواهم بساعات او أيام ، ولأنك تختلف عنهم فقد عاملناك بالمثل وأكثر لكي لا تؤذي العراق ولا تجعل من أهله معبرا لبقية البلدان لأننا نحمي ونعامل سابع الجيران بكل احترام وتقدير ، ولم يكن قدومك خاليا من أسوأ النيات لأنك اعتقدت انك ستفتك بنا طولا وعرضا لأننا من الناحية العملية بلا نظام صحي ليس من سنين وإنما منذ عقود ، فما صرفته الحكومات على هذا النظام ذهب في جيوب الفاشلين والفاسدين الذين تسببوا بالموت والدمار والتخلف وأنت على شاكلتهم في الغدر والموت .
نحن نعلم انك كنت تعتقد إن العراق هو الصيد السهل عليك في ظل الفوضى وحالة عدم الاستقرار والفشل في تشكيل حكومة بموجب الدستور ، وكنت تظن انك ستطال العراقيين فتكا لأننا لا نملك غطاء سريري يكفي لأكثر من 40 ألف من السكان ونحن اقتربنا من الأربعين مليون عددا وفينا من يعاني نقص المناعة من قلة الغذاء الصحي وتفشي السرطان والأمراض المزمنة وفقر الدم وهشاشة العظام ورهافة القلب وتورم العيون لما ذرفناه من دموع على الشهداء والغائبين ، وفي قدومك غير المرحب به انخفضت أسعار النفط كرد فعل لما سببته من كساد اقتصادي للعالم فأوشكنا على مشارف الإفلاس ولا تتوفر لدينا كميات كافية من الأموال لبناء المستشفيات وشراء أجهزة التنفس في ظل صراع مع الوقت لأن عطوتك للمصاب بك لا تتعدى بضعة أيام وبعدها يبدأ الهلاك ، نعم أيها الفيروس المتلون الذي يحاول تطوير نفسه لأنواع ، لقد حاولت وحاولت ونحن لم يكن لدينا سوى الاستعانة بالله والاعتماد على ما تبقى من كوادرنا الطبية والصحية بعد أن هربت أعدادا كبيرة منهم للخارج بحثا عن جنسية وعمل وأمان لان بعضهم أما مثل حمام الكاظم او جزع العيش في البلاد ، وكدت أن تفوز يا كورونا ولكن هذه المرة اجتمعت الغيرة بالمهنية والإنسانية بالعراقية وهي واحدة من المرات النادرة التي تصاعد فيها الدخان الأسود ليعلن عن حالة قتال ضروس شهد مثله العراقيون في محاربة الطائفية او في طرد الدواعش الأنذال ، ولكن ليس بمستوى هذه المزاجية التي يحتاجها القتال بين حامل لسلاح مدمر وحامل لسيف أشبهناه مجازا بسيف ذو الفقار وكانت ساحة المنازلة مفتوحة فاتخذنا ما يتيسر من تدابير حين لزمنا البيوت ، ولأنفسنا بتنا حاجرين ومن تستدعي الضرورة خروجه لانجاز واجب آخر يتسلح بالكمامة والكفوف فيخرج ليقدم أعلى ما لديه وحين يعود يتطهر بأقوى الكحول حتى وان كانت نسبته أكثر من 70% ، وقد برز فينا وتفوق في هذه الأيام جيشنا الأبيض الذي كان لك اشد الأعداء رجالا ونساء بأطبائه وممرضيه وكوادره وسواق الإسعاف وموظفي الخدمات والعاملين قياديين وتنفيذيين وبكل المستويات والاختصاصات وهذا الجيش عمل بلا تشكي ولا أعذار بحسب ما يتيسر من الإمكانيات ، لم نقهرك بالتمام والكمال ولكنا دفعنا شرورك بعيدا وتحملنا أقسى الظروف واشد المعاناة ، فقد جاع منا الكثير وحرمنا من معظم ملذات الحياة وكادت نسائنا أن تجزع ملازمتنا البيوت بلا دخل وأعمال لولا أننا تعاملنا معهن بلطف ، وهجر بعض الرجال المقاهي ونارجيلتها بطعم الفواكه ونسوا الملاهي والبارات والكافيات بنسائها الفارعات والمطاعم وما تحويه من أطيب الأكلات ، وقبلنا بالباقلاء والطماطة والبيض وامتدحنا أردأ الطبخات رغم إن بعضها لا يتجرع طعما او مذاقا او لون ، وعلى طريقتنا العراقية المعروفة ( فزعنا) عليك رجالا ونساء فزعة الفرسان في كل المحافظات ، ونسينا او تناسينا كل الخلافات والاختلافات ولم يساعدنا في محنتنا إلا عددا محدود جدا من الأصدقاء ورغم كل الظروف لم نتوسل بك يا كورونا بل قلناها بأعلى صوت ( طز فيك ) .
أيها الفيروس الذي ينتشر كالبرق من عطسة او لمسة وتبحث عن الحياة في أجسادنا الطرية لكي تقتل وتهرب ، لم ننته معك لان لك وجود في بعض الأماكن والأجسام كما إن لك إخوان في اغلب البلدان ، سنبدأ اليوم بتجريب طريقة جديدة في التعامل معك ليس بإعلان الهدنة او الاستسلام بل لممارسة حقنا في الاحتفال ببحبوحة نصر بالرفع الجزئي لحظر التجوال ، وهي فترة تم الحساب لها وقد نعود لها متى ما وجدنا الحاجة للرجوع ، ولأنك تدخل بلدنا للمرة الأولى وستكون الأخيرة بإذن الله ، فانا سنريك طريقتنا في الحياة التي ألحقت الهزيمة بهولاكو والتتر والمغول وبريطانيا وأمريكا وغيرها التي حاولت استعمار العراق وفي هذه المرة سنتعامل معك على المكشوف ، وهذا السر أعلنته الجهة المسؤولة عن التعامل البروتوكولي مع الوباء ، وسنقولها علنا إننا سنعود للعمل والحياة عل مراحل ودرجات فنحن نؤمن بأمر الله ولكننا نتحدى الصعاب بلا يأس لكي نعيش مستقبلنا بالحذر المطلوب بتعقل تام ودون عصيان ، إذ سنخرج للحياة علنا بكمامات طبية لكي نحذر من شرورك وعدواك لأنك غدار ، كما سنستخدم سياراتنا العادية او الفارهة بعدد محدود من الركاب ونراعي التباعد وعدم الملامسة عند انجاز الأعمال وسوف نعاتب ونعاقب بحزم كل من يخرق التعليمات ، وسنضطر في هذه المرة لهجر العادات القبيحة في الاحتضان والتقبيل لأنها دخيلة أصلا وتشكل صورة منبوذة في اللكلكة والتعامل النفعي ، وحتى التحايا التي نصت عليها كتبنا السماوية سنمارسها ونرشدها بالشكل الصحيح فالسلام عليكم والرد عليه وعليكم السلام هو البديل عن المصافحة وستكون في أيادينا الكفوف التي لا يجوز من خلالها المصافحة حسب قواعد الاتكيت ، نعم أيها الفيروس لقد عقدنا العزم على أن نقهرك وقد دخلنا مرحلة جديدة في القتال بدل الدفاع او الدفاع والهجوم معا لقهرك وإبعاد شرك عن العالم اجمع ، فاعتماد هذه السياسات التي كان لابد منها لم تلهينا عن واجبات أخرى، فقد كان لنا رجال في البلاد وخارجها يقضون الليل والنهار في التوصل للقاح يبعد شرورك ويجعل إصابتك للبشر من المستحيلات وأخبارها تنبؤ بخير كما إن قومنا قد توصلوا إلى علاجات مؤكدة إلى حد كبير استطاعت أن تقلل من فترة العلاج ونزيد الشفاء وتجعل الوفيات في اقل المستويات ، ولا نريد أن نتباهى بأنفسنا كثيرا لأنك لا تزال عدوا موجود ونحن نتربص لك بالمرصاد، وبعد أيام سندخل رمضان وستجدنا أكثر عزما وقوة بروح العمل والإيمان ، الكلام معك كثير أيها الفيروس اللعين وسنترك الحديث عنك عندما نتمكن بالتعاون مع الإنسانية جميعا لنجعلك جزءا من الذكريات ولا يضرنا انك دخلت كتب التاريخ ، لان دخولك سنجعله مفيدا لنا ولمن يريد في تغيير نظرة البشر ليعظهم البعض وطريقة التعامل والتصرف بين الدول والشعوب ، وأخيرا نقول لك ما أحقرك عندما تتخذ شكل الفيروس ولكن ما أنفعك عندما تكون عبرة لكل الناس للعيش بأمان .

أحدث المقالات

أحدث المقالات