زهقنا من سماع المقولة بان الثراث الديني الذي ورثناه طاهرومقدس ومتعالي وان العيب فينا فقط ! ولا ينبغي اجراء اي دراسة موضوعية متأنية وتاريخية وعلمية بعيدا عن العاطفة والتعصب عليه.
ان هذا الثراث ينبغي ان تدرس كحركة اجتماعية وسياسية يعبر عن مرحلة تاريخية معينة عن حياة مجموعة بشرية كانت حينها منغمسة في مشاكلها وتناقضاتها ومتأثرة بميحطها البيئي الخشن والقاحل وتتصرف تبعا لتلك الظواهر الطبيعية والاجتماعية الانية حينها وتتطور وتتحول كاي حركة اجتماعية اخرى و ادت الى انتاج احداث ووقائع كرد فعل لهذه التناقضات والصدامات والارهاصات وانطبعت وترسخت هذه الاحداث كوقائع طاهرة مقدسة في العقل الجمعي في المجتمعات التي عاصرتها او التي اتت بعدها، ولازالت تولد افكارا تسير باتجاه دائري وتشرنق نفسها بمرور الايام!!.
ورغم ان هذا الثراث تمثل مرحلة معينة من تاريخ وتفكير ونمط معين من حياة القبائل العربية الصحراوية البدائية عاشت حياة القحط والحروب الا انها انتقلت كتاريخ واحداث مقدسة متعالية وبقوة رهيبة الى الاجيال التي اتت بعدها والى الشعوب التي اسلمت! فانظروا الى باكستان وافغانستان والعراق والقتل الطائفي فيهما كنماذج لهذا الانتقال العشوائي!!.
فالشعوب المبتكرة والحضارية مثل الشعب العراقي والمصري فقدت ثقافتها ولغاتها الاصلية و تحولت منذ القرن السابع الميلادي بفعل هذا الثراث المفروض عليها عنوة او بفعل عوامل التحولات الديمغرافية الى شعوب بدائية و استهلاكية للثقافة وغير ابتكارية وتغيرت بفعل انظمامها الى المنظومة العربية الاسلامية الى شعوب لا تستطيع في القرن 21 الى بناء وانتاج ما فعلته اجدادهم قبل الاف السنين , فالمصريون الذين بنوا الاهرامات وابتكروا علوم الكيمياء لا يستطيعون الان فعل شئ سوى الانقلابات والثورات والدوران في دائرة مغلقة, والعراقيون الاوائل من السومريين والبابليين الذين علموا البشرية الكتابة وابتكروا المضخات الهيدروليكية لنقل الماء الى اعالي الجنائن المعلقة في بابل وكتبت فيها بدايات الشعر والموسيقى والغناء الرومانسي بل واكتشف المنقبون الامريكان في جنوب العراق مولدة كهربائية يدوية لتوليد الكهرباء تعود الى اكثر من 3000 سنة ولا يعرف لاي غرض استخدمت, وها هم الان لا يعرفون كيف ينظفون مدنهم وحتى الشركات التنظيف الاجنبية فشلت لعدم تعاون الشعب!!!.
في الواقع ان هذا الثراث تحتاج الى عمليات تفكيكية واركيولوجية لمعرفة الاسباب التي تجعل من انفسنا ومجتمعاتنا نخدمها ولا يخدمنا ولا يفيدنا وان يكون العنف والفساد الاقتصادي والاداري والتخلف والكسل والهروب من العمل في مجتماعاتنا ودولنا ضاربا اطنابه بكل قوة. وبكلام آخر ما السبب في توليدها المستمر للحروب والظلم واللاعدل والفساد على كافة الاصعدة والدوران في دائرة مغلقة ؟!
فالثراث خدم مجتماعاتنا بشكل سلبي بما لا يخدم العصرنة والتقدم والعدالة, والمشكلة الكبيرة التي تواجهنا ان المتمتعين بالامتيازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في بلداننا لا يتبنون غير الافكار المحافظة بخصوص الثراث والاسلام معا, لان مصالحهم يتعارض مع الحداثة الفكرية والعقلية والتحرر والعدالة , فالهدف من تنظيرهم الايديولوجي هو لتغطية واقع سياسي معين وخلع الشرعية عليه.
ان بذور التحرر الفكري بدأت في مجتماتنا الاسلامية قبل حوالي الف سنة في عهد الدولة العباسية وربما من تاثير الفلسفة الاغريقية متمثلة في الفكر المعتزلي في فترة خلافة المأمون ولفترة وجيزة ولكنها اجهضت حينها بالحركة الحنبلية والتي تولدت عنها بعدة فترة عقيدة اكثر تشددا وتخلفا والمتمثلة بالوهابية السلفية!!.
فما الفائدة من تكرار القول ان الخليفة او الامام الفلاني كان عادلا, ونحن نعيش الظلم والمأساة والتشرذم ونفرح قلوبنا بشذرات من التاريخ!.
ان مجتمعنا العراقي يواجه اليوم مشاكل كثيرة منها نفوذ رجالات الدين والسياسة وخاصة بعد ان دمجت السياسة بالدين فكانت الكوارث والانتهازيين والوصوليين والعشائرية والطائفية حتى على صعيد ادارة الدولة , وان شعوبنا ومنهم الطبقة المتعلمة ترزخ الآن تحت ثقل الثراث . فلو كان هذا الثراث الديني ممنهجا ومدروسا وموجها نحو الطموحات المشروعة والعدالة والقيم الانسانية النبيلة لما رأينا اليوم هذا الكم الهائل من الفساد والخراب والحروب الطائفية, بل اصبح اليوم هذا الثراث كجهاز آلي يعمل تلقائيا فتهيج الشعوب فتخوض الحروب وتثير المشاكل للاشئ!!.
ان هذا الثراث لا زال تضخ السموم لهذه الشعوب المغلوبة على امرها فتلحسها وهي في حالة اللاوعي وهو تطحنها في رحاياها الضخمة القذرة!!!
انظروا الى قضية الخلافة بعد الرسول فلا زالت ومنذ اكثر من الف واربعمئة عام على نفس القوة من الجدل العقيم حول من هو الاحق في الخلافة بعد الرسول علي بن ابي طالب ام غيره؟.
انظروا الى المهاترات من هي الأفضل بنت الرسول ام زوجة الرسول عائشة ؟ بل انظر والى الكتب التي طبعت من اجل الترويج لهذه الافكار التي لا تغني ولا تسمن من جوع ، وبالتالي لطبقة من المجتمع الإسلامي !!.
كم من الجهود بذلت ومن الطاقات هدرت وكم من الكتب كتبت وكم من المدن والدول خربت وسقطت وكم من الدماء استنزفت وكم من الرووس قطعت من جراء الاستثمار السياسي والإيديولوجي لهذه القضايا؟
لهذا يجب دراستها دراسة تاريخية علمية معمقة والنظر الى الواقع الاقتصادي والنفسي والقبلي العشائري التي كانت تحيط لهذه القضايا بعيدا عن شرنقتها بهالة من القداسة ومن ثم اسقاط الممنوعات عليها!.
ولا زالت هذه القضايا طازجة كيومها الأول وهي اصبحت لا تختلف كثيرا عن السؤال عن من هي من الاخرى, الدجاجة من البيضة ام البيضة من الدجاجة؟!!.
فلا زال هذا الثراث تفرش مع المائدة كل يوم وكل ساعة ، ولا زالت النفوس تقتات وتنهش هذا الثراث المسموم وبشراهة ثم تتقيأها دما عبيطا!.
وهكذا تدور الدواليك.
فالانتقال من حالة الوعي الديني الخرافي الى حالة الوعي الواقعي وحصر الدين في القيم الروحية والأخلاقية مع التاكيد على العدالة وتقنينها ضرورة ماسة في ادامة مجتمعاتنا بشكل انسيابي بدون اضطرابات!!
وتوجيه هذا الثراث بقراءة علمية جديدة بعيدا عن الخرافات بما يخدم العصرنة والتطوروالسلم وتحمل فكر واراء الاخرين والتعايش السليمي حاجة ملحة لشعوبنا التي تتآكل من الداخل بالاضافة الى خباثة ومصالح الدول الاستعمارية التي تراعي مصالحها بالاستفادة من هذا الموروث الديني المتشابك بتوجيهها بما يخدم مصالحها.
[email protected]