ضحي (مقاييس اللغة)
الضاد والحاء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على بُروز الشيء. فالضَّحَاء: امتداد النَّهار، وذلك هو الوقت البارز المنكشف. ثمَّ يقال للطعام الذي يُؤكل في ذلك الوقت ضَحاء. قال:ويقال ضحِي الرَّجلُ يَضْحَى، إذا تعرَّضَ للشَّمْس، وضَحَى مثلُهُ.
ويقال اضْحَ يا زيد، أي ابرُزْ للشَّمْس.
والضَّحِيَّة معروفة، وهي الأُضْحِيَّة.قال الأصمعي: فيها أربع لغات: أُضْحِيَّة وإضْحيَّة، والجمع أضَاحِيّ؛ وضَحِيَّة، والجمع ضحايا؛ وأَضْحاةٌ، وجمعها أُضْحىً. قال الفرّاءُ : الأَضْحَى مؤنّثة وقد تذكّر، يُذهَب بها إلى اليوم.
وأنشد:وإِنما سُمِّيت بذلك لأنَّ الذّبيحة في ذلك اليوم لا تكون إلاَّ في وقت إشراق الشَّمس.
ويقال ليلَةٌ إِضحيَانةٌ وضَحْيَاءُ، أي مضيئةٌ لا غيمَ فيها.
ويقال: هم يتضحَّوْنَ، أي يتغدَّوْن.
والغَداء: الضَّحاء.
ومن ذلك حديث سلمة بن الأكوع: “بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم نتضَحَّى”، يريد نتغدَّى.
وضاحية كلِّ بلدةٍ: ناحيتُها البارزة. يقال هم ينزلون الضَّوَاحيَ.
ويقال: فعل ذلك ضاحيةً، إِذا فعله ظاهراً بيّناً. قال:
عَمِّي الذي منعَ الدِّينارَ ضاحيةً دينارَ نَخَّةِ كلبٍ وهو مشهودُ
وقال:
وقد جزتْكُم بنو ذُبيانَ ضاحيةً بما فعلتم ككيل الصَّاع بالصّاعِ
فأمَّا قولُ جرير:
فما شَجَرات عِيصِكَ في قريشٍ بعَشَّات الفُرُوع ولا ضَواحِ
فإنَّه يقول: ليست هي في النَّواحي، بل هي [في] الواسطة.
ويقال للسَّماوات كلِّها الضَّواحي.
وقال تأبَّطَ شرّاً:
وقُلّةٍ كسِنانِ الرُّمح بارزةٍ ضحيانة
فهي البارزة للشمس.قال أبو زيد: ضَحَا الطريق يَضْحُو ضَحْواً وضُحُوّاً، إِذا بدا وظَهَر. فقد دَلَّت هذه الفروعُ كلُّها على صحة ما أصّلناه * في بروزِ الشَّيء ووُضوحه. فأمَّا الذي يُروى عن أبي زيدٍ عن العرب: ضحَّيت عن الأمر إذا رفقت، فالأغلب عندي أنَّه شاذٌّ في الكلام. قال زَيد الخيل:
لو أنَّ نصراً أصلحَتْ ذاتَ بينِها لضحَّت رُويداً عن مصالحها عمرُو
ضحا (الصّحّاح في اللغة)
ضَحْوَةُ النهار بعد طلوع الشمس، ثم بعده الضُحا، وهي حين تشرق الشمس، مقصورة تؤنّث وتذكّر.
والضَحاءُ أيضاً: الغَدَاء، وإنّما سمِّي بذلك لأنه يؤكل في الضَحاء. قال ذو الرمّة:
بها مثل مَشْي الهِبْرِزِيِّ المُسَـرْوَلِ ترى الثَور يمشي ضاحِياً من ضَحائِهِ
تقول منه: هم يَتَضَحَّونَ: أي يتغدَّون.
وليلةٌ ضَحْياءُ: مضيئةٌ لا غيمَ فيها.
وكذلك ليلةٌ إضْحِيانَةٌ بالكسر.
والأضحَى من الخيل: الأشهب، والأنثى: ضَحْياء.
وضاحِيَةُ كلِّ شيء: ناحيتُه البارزة.
ويقال: هم ينزلون الضَواحِيَ.
ومكانٌ ضاحٍ، أي بارز.
ويقال: فعل ذلك الأمر ضاحِيَةً، أي علانيةً.
والضَواحي: السموات.
وأمَّا قول جرير:
بَعشَّاتِ الفروعِ ولا ضَواحـي فما شجراتُ عِيصِكَ في قريشٍ
فإنّما أراد أنّها ليست في نواحٍ. قال الأصمعي: ويستحبّ من الفرس أن يَضْحا عِجانُهُ، أي يظهر. أبو زيد: ضَحا الطريق يَضْحو ضَحْواً، إذا بدا لك وظهر.
وضَحيتُ بالكسر ضحًى: عرقت.
وضَحيتُ أيضاً للشمس ضَحاءً ممدودٌ، إذا برزْتَ لها.
وضَحَيْتُ بالفتح مثله.
والمستقبل أضْحى في اللغتين جميعاً.
وتقول: أَضْحى فلانٌ يفعل كذا، كما تقول: ظلّ يفعل كذا.
وضَحَّى فلانٌ غنمَه: أي رعاها بالضُحا.
ويقال أيضاً: ضَحَّى بشاةٍ من الأُضْحِيَّةِ، وهي شاة تذبح يوم الأضحى. قال الأصمعي: وفيها أربع لغات إضْحِيَّةٌ وأُضْحِيَّةٌ والجمع أضاحِيُّ، وضَحِيَّةٌ والجمع ضحايا، وأَضْحاةٌ والجمع أضْحًى.
وبها سمّي يوم الأضْحى.
وضَحَّيْتُ عن الشيء: رفقت به.
وضَحِّ رويداً، أي لا تعجَلْ.
إن موضوع الارتباط و العلاقة بين عيد الأضحى و بين شعيرة الحج في مكة المكرمة هو موضوع جدلي, فالجدل فيه قائم بين المسلمين في العالم. فبعضهم يناقش الموضوع بشكل عاطفي و يرى أن عيد الأضحى في كل العالم يجب أن يكون في اليوم الذي يلي يوم الوقوف في عرفة. أما البعض الآخر فيقول أن عيد الأضحى ليس مرتبطاً بيوم عرفة أو بشعائر الحج, إنما هو شعيرة إسلامية منفصلة و مستقلة بذاتها, و يجب أن تحدد تبعاً للرؤية المحلية للهلال.
و فيما يلي نتعرف على حجة أصحاب كل رأي من الجماعتين.
إن العلماء المعاصرين الذين يفصلون بين عيد الأضحى و فريضة الحج و يربطون بينه و بين الرؤية المحلية يرون أن كلا العيدين قد قررا من قبل النبي ( ص ) عندما رأى أحوال أهل المدينة و عاداتهم في الاحتفال بعيدين محليين سنويين, فأبدل النبي ( ص ) ذاكرين العيدين بعيدي الفطر و الأضحى. كما جاء في الحديث الشريف:
حدثنا أبو عبد الرحمن قال: أنبأنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: أخبرنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: أخبرنا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسِ ،: قَالَ: كَانَ لأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ من كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ الْمَدِينَةَ قَالَ كَانَ لَكُمْ يَوْمانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا وَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهمَا خَيْرا مِنْهُمَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النحر.
و هناك بعض الروايات تقول أن الرسول ( ص ) كان قد أدى صلاة عيد الفطر لأول مرة في المدينة و ذلك في السنة الأولى للهجرة.
على أن الرواية الأكثر صحة و الأكثر قبولاً هي أن صلاة العيد الأولى أدّيتْ في السنة الثانية للهجرة, كما يقول الإمام النووي و إبن حجر و عدد كبير من العلماء. حيث يوضح الإمام إبن حجر العسقلاني ذلك قائلاً:
وفرض عليه الصوم بعد سنتين هذا تبع فيه القاضي أبا الطيب وصاحب الشامل وجزم في زوائد الروضة أنه فرض في السنة الثانية وفرضت زكاة الفطر معه قبل العيد بيومين وبه جزم الماوردي وزاد انه صلى فيها العيدين الفطر والأضحى وهذا أخرجه بن سعد عن شيخه الواقدي من حديث عائشة وابن عمر وأبي سعيد قالوا نزل فرض رمضان بعد ما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر في هذه السنة بزكاة الفطر وذلك قبل أن تفرض الزكاة في الأموال وصلى يوم الفطر بالمصلى قبل الخطبة وصلى العيد يوم الأضحى وأمر بالأضحية
ويؤيده ما ذكره ابن حبان وغيره أن أوّل عيدٍ صلاه النبي عيد الفطر ، في السنة الثانية من الهجرة وهي التي فرض رمضان في شعبانها ، ثم داوم إلى أن توفاه الله تعالى.
و سليمان الجمل كالعديد من العلماء الآخرين ذهب إلى أن عيد الأضحى قد فرض في السنة الثانية للهجرة .
وَسُمِّيَتْ بِأَوَّلِ زَمَانِ فِعْلِهَا وَهُوَ الضُّحَى, وَأَوَّلُ طَلَبِهَا كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ كَالْعِيدَيْنِ وَزَكَاةِ الْمَالِ وَالْفِطْرِ
لكن من الناحية الأخرى نعلم أن الحج كان قد فرض في السنة السادسة للهجرة, حتى أن بعض العلماء يذهبون إلى أن الحج فرض حتى بعد ذلك, في السنة الثامنة أو التاسعة للهجرة. يروي الإمام بدر الدين العيني ذلك:
لأن وجوب صوم رمضان نزل في السنة الثانية من الهجرة ، وفريضة الحج في سنة ست، وقيل: تسع،
و يقول الإمام النووي:
لأن فرض صوم رمضان نزل في السنة الثانية من الهجرة ، ونزلت فريضة الحج سنة ست، وقيل: سنة تسع.
إن إختلاف التوقيتات لهاتين الشعيرتين المهمتين بالنسبة لهذه الفئة من العلماء تفسر أن هاتين المناسبتين ليستا مرتبطتين بحال من الأحوال, بل هما كيانان منفصلان. هذا أولاً, أما ثانياً فنرى أن الرسول ( ص ) ربط عيد الفطر بتمام شهر رمضان, فهو أول يوم من أيام شهر شوال, بينما نرى أن عيد الأضحى مرتبط بالعاشر من ذي الحجة. كما أنه لا يوجد أي رواية أن النبي ( ص ) تحرى يوم الحج أو يوم عرفه لإثبات عيد الأضحى على اعتبار الارتباط بينهما و ذلك طوال وجوده ( ص ( في المدينة. بل أنه روي عن النبي ( ص ) أنه كان يضحي بشكل سنوي منتظم خلال العشر سنوات التي عاشها في المدينة كما يروي الترمذي
حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ و هَنَّادٌ ، قالا :حدثنا ابنُ أبي زائدةَ عن حجَّاجِ بنِ أرطأةَ عن نافِعٍ عن ابن عمرَ ، قال: أقامَ رسولُ الله بالمدينةِ عَشْرَ سِنِينَ يُضَحِّي. قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ.
إنها حقيقة مقررة كما رأينا أن النبي ( ص ) كان يحتفل سنوياً بعيد الأضحى مع الصحابة و كانوا يذبحون الأضاحي دون أن يرسل النبي (ص) أياً من الصحابة إلى مكة للتأكد من توقيت يوم عرفة على أساس ارتباط العيد به. فإنه لم يكن من الصعب معرفة اليوم الذي رأي فيه المكيون هلال ذي الحجة ثم يحسب النبي ( ص ) يوم عرفة بناءً على ذلك, حيث أن العشرة أيام الفاصلة بين رؤية هلال ذي الحجة و بين يوم العيد هو وقت كاف لانتقال الخبر من مكة إلى المدينة. بناءً على هذه الحقائق اعتمد هؤلاء العلماء في الفصل بين تحديد أول أيام عيد الأضحى و بين يوم عرفة ، فهم يرون أن عيد الأضحى ليس مرتبطاً بيوم عرفة بشكل مباشر. بل هو مرتبط مباشرة بالعاشر من ذي الحجة.
وقد اتفق علماء الأمة أن يوم النحر هو العاشر من ذي الحجة.
يوم النحر عاشر ذي الحجة
في الحقيقة أن يوم عرفة هو بالضبط التاسع من ذي الحجة كما قاله الفقهاء:
يوم (عرفة) وهو تاسع ذي الحجة
كما أنه ( ص ) وضع قواعد عيد الأضحى دون إرجاعها إلى طقوس الحج أو يوم عرفة كما سنرى في الحديث التالي:
أَوَّلُ مَا تَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا نُصَلِّي ثُمَّ نَرْجِعُ فَتَنْحَر، مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لاِءَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ
حدّثنا قُتيبةُ حدَّثنا أبو عَوانَةَ عن الأسْوَد بن قَيس عن جُندَب بن سفيَانَ البَجَليِّ قال: ضحّينا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُضحاةً ذاتَ يومٍ، فإذا أُناسٌ قد ذبحوا ضَحاياهم قبل الصلاة، فلما انصَرَفَ رَآهُمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنهم قد ذبحوا قبل الصلاة فقال: من ذبح قبلَ الصلاة فلْيَذبحْ مَكانها أُخرَى، ومن كان لم يذبحْ حتى صلَّينا فَلْيَذْبح على اسم الله.
إن الأمة الإسلامية و على مدى أربعة عشر قرناً كانت تتبع التقليد نفسه, و التاريخ يرينا أنه لا يوجد أي خليفة أو عالم كان قد حاول تحري يوم عرفة في مكة أو حاول ربط عيد الأضحى به.
في الواقع أن القيام بهذا العمل سيكون عبء على الأمة و سيشكل صعوبةً بالغةً في تعيين أول أيام عيد الأضحى المبارك. و على ما يبدو فإن هذا السبب هو الذي جعل علماء السلف من الأمة لا يلقون بالاً لهذا الأمر, و يربطون عيد الأضحى بالرؤية المحلية لهلال ذي الحجة بدلاً من انتظار خبر مكة. و كثير من المؤرخين يروون لنا أن بداية عيد الأضحى كانت غير موحدة بين مختلف الأمصار الإسلامية, و كانت مختلفة أيضاً عن الحج في مكة. فعلى سبيل المثال ابن حجر العسقلاني يقول:
شهر ذي الحجة استهل بيوم الخميس بعد أن تراءى الناس الهلال ليلة الأربعاء على العادة بعدة أماكن من الجوامع وغيرها فلم يخبر أحد برؤيته إلا شذوذا، يقول الواحد منهم: إنه رأى، فإذا حقق أنكر، فبحث عن السبب في ذلك فاعتذروا بأنه شاع بينهم أن السلطان إذا اتفق يوم – العيد يوم الجمعة يلزم أن يخطب له مرتين وقد جرب أن ذلك إذا وقع يكون فيه خوف على السلطان، فبلغ السلطان ذلك بعد أيام فأنكره وأظهر الحنق على من ينسب إليه ذلك، فقيل له فإن أحمد بن نوروز، وهو أحد من يلوذ به من خواصه المعروف بشاد الغنم – ذكر أنه رآه ولم يخبر القاضي بذلك، فاستدعاه فاعترف أنه رآه ليلة الأربعاء ومعه جماعة، فأرسله مع المحتسب إلى القاضي الشافعي فأدى عنده شهادته، فلما شاع ذلك نودي في البلد من رأى هلال ذي الحجة ليلة الأربعاء فليؤد شهادته بذلك عند القاضي الشافعي، فسارع غالب من كان شاع عنه دعواه الرؤية في تلك الليلة إلى الشهادة بذلك، فلما استوفيت شروط ذلك نودي بأن العيد يوم الجمعة، فاعتمدوا على ذلك وصلوا العيد يوم الجمعة؛ فلما كان في يوم السبت الخامس والعشرين من ذي الحجة وصل المبشر بسلامة الحاج في آخر ذلك اليوم، وأخبر أن كل من حضر الموقف من الآفاق لم ينقل عن أحد منهم أنه رأى الهلال ليلة الأربعاء بل استوفوا العدة واستهلوا ذا الحجة بيوم الخميس ووقفوا بعرفات يوم الجمعة -، واستمر الأمر بينهم على ذلك وأنه فارقهم آخر النهار يوم السبت، فقطع المسافة في أربعة عشر يوما، ووصف السنة بالأمن واليمن والرخاء مع كثرة الخلائق – ولله الحمد على ذلك.
إن أداء أي عبادة مرتبط بأوقات معينة, فعلى سبيل المثال: يوم عرفة يجب أن يكون في التاسع من ذي الحجة, و تقديم الأضحية يجب أن يكون في العاشر من ذات الشهر, أو في أي يوم من أيام التشريق. و لا يجوز لأحد أن يقف على عرفة قبل أو بعد التاسع من ذي الحجة , كما أنه لا تجوز الأضحية قبل العاشر أو بعد الثالث عشر منه. على أن هناك استثناءات عند الاشتباه غير المقصود . يقول الفقيه الحنفي أبو بكر الكاساني:
فلا يجوز الوقوف بعرفة قبل يوم عرفة ولا طواف الزيارة قبل يوم النحر ولا أداء شيء من أفعال الحج قبل وقته، لأن الحج عبادة مؤقتة قال الله تعالى) الحَجُّ أشهرُ معلوماتٍ) والعبادات المؤقتة لا يجوز أداؤها قبل أوقاتها كالصلاة والصوم، وكذا إذا فات الوقوف بعرفة عن وقته الذي ذكرناه فيما تقدم لا يجوز الوقوف في يوم آخر ويفوت الحج في تلك السنة إلا لضرورة الاشتباه استحساناً بأن اشتبه عليهم هلال ذي الحجة فوقفوا ثم تبين إنهم وقفوا يوم النحر على ما ذكرنا فيما تقدم.
هنالك فرقة من العلماء يرون أن المسلمين في مختلف بقاع الأرض يجب أن يتحروا الرؤية المحلية لهلال شهر ذي الحجة تماماً كما يفعلون في تحديد عيد الفطر, و عليه يستطيعون تعيين العاشر من ذي الحجة كأول أيام عيد الأضحى المبارك.
مناقشة حول هذا الرأي
مفهوم العيد أو الاحتفال السنوي كان موجودا في المجتمع العربي حتى قبل الإسلام. و قد استخدم القرآن الكريم تلك الكلمة واصفا إحدى حالات الحواريين مع سيدنا عيسى عليه السلام:
قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِين.” المائدة:114
كلمة عيد تعني أن هناك حادثاُ سعيداً يتكرر كل عام، يقو ل جلال الدين إبن منظور:
“والعِيدُ كلُّ يوم فيه جَمْعٌ واشتقاقه من عاد يَعُود كأَنهم عادوا إِليه وقيل اشتقاقه من العادة لأَنهم اعتادوه والجمع أَعياد.”
و يقول الزرقاني:
عيد الفطر وعيد الأضحى مشتق من العود لتكرره كل عام، أو لعود السرور بعوده، أو لكثرة عوائد الله على عباده فيه، وجمعه أعياد
كما أن الحج منسك قديم. يقول الله سبحانه في سورة الحج:
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)…
كما أنه من المعروف أن العديد من مناسك الحج مرتبطا ارتباطا وثيقا بسيدنا إبراهيم و السيدة هاجر عليهما السلام, فمن الطواف الى السعي الى الوقوف في عرفة ثم الأضحية. و لقد كان بعض أهل مكة يتمتعون بقدر من الشرف والرفعة والمكانة الخاصة في كل الجزيرة العربية لأنهم كانوا حراس الكعبة و القائمين على تنظيم مناسك الحج.
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4(…. هذه:
فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200(…
ربّما؛ القرانُ لم يعرّف ولم يقم بشرح تفاصيل بعض شعائر الحج, وذلك لأنها كانت معروفة عند العرب وقت النبي ( ص ). فمثالا: لقد ذكر القران أشهر الحج ولكنه لم يسمها:
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)…
قال الإمام القرطبي:
لم يسمّ الله تعالى أشهر الحج في كتابه؛ لأنها كانت معلومة عندهم
و كذلك النبي صلي الله عليه وسلم لم يسم أشهر الحج لأنها كانت معروفة لدى الصحابة.
حدثنا الحسن بن المُثَنى، حدثنا أبو حذيفة، حدثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج”.
وعن ابن جريج، عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل: أيُهَلّ بالحج قبل أشهر الحج؟ فقال: لا.
يقول ابن عباس: “من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهره”.
ولكن ابن عمر سمى أشهر الحج كما يروي إمام مالك في الموطأ:
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ فِي ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى يُدْرِكَهُ الْحَجُّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إِنْ حَجَّ وَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ.”
كما إن النبي ( ص ) لم يشرح للصحابة وقت يوم عرفة أو وقت يوم النحر الأضحية ، أو حتى أوقات أيام التشريق أو التكبيرات, لم يقم النبي ( ص) بشرح أي من تلك المناسك,أو يربط فيه وقوف عرفة باليوم التاسع لذي الحجة أو يربط يوم النحر بالعاشر من ذي الحجة. حيث أن ذلك كان من الحقائق المعروفة عند الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. ولكن مفسرو القرآن وعلماء السلف فقد قاموا فيما بعد بشرح و تحديد تلك الأيام و ذلك بشرحهم ليوم عرفة و يوم النحر على أنهما يومي التاسع و العاشر من ذي الحجة على التوالي.
كما أننا نعلم على اليقين أن الرسول ( ص ) كان يقوم بأداء الحج و العمرة حتى قبل الوحي. و كان يؤدي الحج و العمرة بعد الوحي و قبل الهجرة إلى المدينة.
أورد الترمذي أن النبي ( ص ) قام بحجتين قبل هجرته إلى المدينة .
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ حَجَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ وَحَجَّةً بَعْدَ مَا هَاجَرَ.”
ومن ناحية أخرى فإن الفقيه المالكي محمد الخرشي أورد أن المروي قال أنه ( ص ) لم يترك الحج و هو بمكة قط. يقول الخرشي:
وَحَجَّ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِ الْحَجُّ حَجَّتَيْنِ عَلَى مَا رُوِيَ, وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي الْمَغَازِي أَنَّهُ حَجَّ بِمَكَّةَ حَجَّةً وَاحِدَةً قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَقَالَ: الْمَرْوِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَهُوَ بِمَكَّةَ الْحَجَّ فَقَط.”ْ
يقول صلاح الدين الصفدي:
قال الـحافظ عبد الغنـي روى همام بن يحيى عن قتادة قال: قلت لأنس بن مالك كم حجّ النبـي صلى الله عليه وسلم من حجّة قال: حجّة واحدة واعتمر أربع عُمَر عمرةُ النبـي صلى الله عليه وسلم حيث صدّه الـمشركون عن البـيتِ والعمرةُ الثانـية حيث صالـحوه من العام الـمقبل وعمرته من الـجعرانة حيث قسم غنـيمة حنـين فـي ذي القعدة وعمرته مع حَجَّته» صحيح متفق علـيه، هذا بعد قدومه الـمدينةَ، وأما ما حجّ بمكة واعتمر فلـم يحفظ
و يذكر الحافظ ابن كثير أن النبي ( ص ) لابد أنه قام بعدة حجات عندما كان لا يزال في مكة قبل الهجرة.
قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا زهير، حدثنا أَبو إِسحاق، حدَّثنـي زيد بن أرقم أن النّبـيّ صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشر غزوة، وأنه حجّ بعدما هاجر حجّة واحدة قال أَبو إِسحاق وبـمكة أخرى وقد رواه مسلـم من حديث زهير، وأخرجاه من حديث شعبة. زاد البخاري وإسرائيـل ثلاثتهم عن أَبـي إِسحاق عمرو بن عبد اللّه السبـيعي عن زيد به، وهذا الذي قال أَبو إِسحاق من أنه علـيه السلام حجّ بـمكة حجّة أخرى، أي أراد أنه لـم يقع منه بـمكة إِلا حجة واحدة، كما هو ظاهر لفظه، فهو بعيد . فإنه علـيه السلام كان بعد الرسالة يحضر مواسم الـحجّ، ويدعو الناس إِلـى الله ويقول: (مَنْ رجل يؤوينـي حتـى أبلغ كلام ربـي، فإن قريشاً قد منعونـي أن أبلّغ كلام ربّـي عزّ وجلّ ) حتـى قـيّض الله جماعة الأنصار يـلقونه لـيـلة العقبة أي عشية يوم النـحر عند جمرة العقبة ثلاث سنـين متتالـيات، حتـى إذا كانوا آخر سنة بـايعوه لـيـلة العقبة الثانـية، وهي ثالث اجتـماعه لهم به، ثم كانت بعدها الهجرة إِلـى الـمدينة …”
كما أورد كتاب السيرة بالتحديد أن النبي ( ص ) كان يتعبد كل عام في غار حراء في شهر رمضان.
أن هذه الأقوال والروايات تفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجاور بحراء شهرًا واحدًا، وهو شهر رمضان من كل سنة، وذلك من ثلاث سنوات قبل النبوة،وأن سنة النبوة كانت هي آخر تلك السنوات الثلاث، وأنه كان يتم جواره بتمام شهر رمضان، فكان ينزل بعده من حراء صباحًا ـ أي لأول يوم من شهر شوال ـ ويعود إلى البيت.”
إنَّ هذين العيدين ليسا حدثين منفصلين بل هما مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بفرائض أخرى و بأركان إسلامية أخرى كفريضة الصيام و فريضة الحج إلى مكة, و الرسول (ص) اختار هذين اليومين بهدى من الله تعالى لارتباطهما الوثيق باثنين من أهم العبادات في الإسلام, ألا و هما الصوم و الحج.
و لقد كان من المستحيل على المسلمين في مكة صيام شهر رمضان وذلك بسبب الاضطهاد و التعذيب الذي كانوا يتعرضون له, و كان معظمهم يخفي إسلامه تفاديا للتعذيب النفسي والجسدي الذي كان يواجهه كل من يشهر إسلامه. لذا فإن النبي (ص) أمر بصيام شهر رمضان بأمر إلهي فور توفر بيئة و مناخ آمنين للمسلمين يستطيعون فيهما ممارسة شعائر دينهم بحرية, و كان ذلك في المدينة بعد الهجرة, كما أن العديد من الشعائر الإسلامية فرضت كذلك في نفس الفترة تقريباً مثل زكاة الفطر, و عيد الفطر, و عيد الأضحى, كلها فرضت في السنة الثانية للهجرة .
لكن الحج فرض متأخراً عن ذلك, ذلك أن الأماكن المرتبطة بالحج كالكعبة و عرفة والمزدلفة كلها كانت واقعة تحت سيطرة العدو ، و ما كان يسيراً على المسلمين أن يذهبوا وقت شاءوا لأداء العمرة أو الحج. والله سبحانه وتعالى لا يفرض على المسلمين ما لا طاقة لهم به. لذا فإننا نرى أن نبي الإسلام ( كان يضع القواعد و يحدد للمسلمين أوقات الفرائض و يحدد ماذا و متى و كيف تؤدى كل منها على حسب الحالة والوضع المتاح للمسلمين. فعلى سبيل المثال: الرسول (ص) قام بأداء العمرة أثناء فترة صلح الحديبية و حتى قبل أن يفرض الحج. ثم بعد ذلك أصبح الحج فرضاً و العمر سنة.
إن بعض العلماء الذين يربطون العيدين بالصيام و الحج يعتمدون على سياق الآيات القرآنية الموجودة في سورة البقرة, هذه السلسلة من الآيات تبدأ بالصيام و تنتهي بالحج. فهي تتسلسل بشكل طبيعي كالآتي:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)…
ثم تتعرض الآيات إلى قضية القمر الجديد.
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189( …
يلاحظ القرطبي بأن الله “أفرد سبحانه الحج بالذكر لأنه مما يحتاج فيه إلى معرفة الوقت، وأنه لا يجوز النسئ فيه عن وقته، بخلاف ما رأته العرب، فإنها كانت تحج بالعدد وتبدل الشهور، فأبطل الله قولهم وفعلهم.”
ثم بعد ذلك تذهب الآيات مباشرة لتتحدث عن شعائر الحج و العمرة:
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)…
و تتوج هذه الآيات أخيراً بتكبيرات أيام التشريق.
وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)…
و أبعد من ذلك نرى أن كل شعائر و طقوس عيد الأضحى مرتبطة ارتباطاً مباشراً و مستوحاة من شعائر و طقوس الحج. والقرآن توجه بالمقام الأول إلى الحجاج. والمسلمون الذين يقومون بأداء شعائر عيد الأضحى هم في الحقيقة يتبعون الشعائر التي يقوم بها الحجاج. فمثلا: أشهر الحج الواردة في القران الكريم تبدأ بأول أيام شوال .
فقال ٱبن مسعود وٱبن عمر وعطاء والرّبيع ومجاهد والزهريّ: أشهر الحج شوّال وذو القعدة وذو الحجة
الإمام الشافعي يخبرنا بدقة عن البداية والنهاية لأشهر الحج, فهو يرى أن أشهر الحج و طقوسه تبدأ من اليوم الأول لشوال, الذي هو عيد الفطر و تنتهي في التاسع من ذي الحجة، فيكون عيد الأضحى في العاشر من ذي الحجة أي في اليوم الختامي للحج . يقول الشافعي: “قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} (أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} . قَالَ: أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ. وَلا يُفْرَضُ الْحَجُّ [إلا] فِي شَوَّالِ كُلِّهِ وَذِي الْقَعْدَةِ كُلِّهِ، وَتِسْعٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. وَلا يُفْرَضُ إذَا خَلَتْ عَشْرَةُ ذِي الْحِجَّةِ، فَهُوَ مِنْ شُهُورِ الْحَجِّ، وَالْحَجُّ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ.”
وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
أما العلة وراء ذكر اسم الله تعالى فيقول القرطبي أنه يعني ذكر اسم الله تعالى عند الذبح, وفيه إشارة الى الحج بحسب الآية.
والمراد بذكر اسم الله ذكر التسمية عند الذبح والنحر؛ مثل قولك: باسم الله والله أكبر، اللهم منك
و البدن المذكورة في القرآن تعني الإبل أو أي حيوان يحل ذبحه عند الكعبة.
والبُدْن هي الإبل التي تُهْدَى إلى الكعبة.
يقول القرآن الكريم.
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)…
يقول الإمام القرطبي أن الأمر موجه إلى الحجاج أصلا و أن عامة المسلمين إنما يضحون مشاركة للحجاج و طلباً للثواب.
“لأن الحاج إنما هو مخاطب في الأصل بالهَدْي، فإذا أراد أن يضحي جعله هدياً، والناس غير الحاج إنما أمروا بالأضحية ليتشبهوا بأهل منًى فيحصل لهم حظ من أجرهم.”
حتى تكبيرات التشريق هي أصلاً للحجاج. و عامة المسلمين يتبعون الحجاج في هذا الأمر. الكثير من العلماء لاحظ هذا الارتباط بين شعائر عيد الأضحى و شعائر الحج.
فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202( …
” فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الذِّكْرِ: لا خِلافَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهِ هُوَ الْحَاجُّ، خُوطِبَ بِالتَّكْبِيرِ عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ، فَأَمَّا غَيْرُ الْحَاجِّ فَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ أَمْ لا؟ وَهَلْ هُوَ أَيْضًا خِطَابٌ لِلْحَاجِّ بِغَيْرِ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الرَّمْيِ؟ فَنَقُولُ: أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الأَمْصَارِ وَالْمَشَاهِيرُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّكْبِيرُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَخُصُوصًا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ؛ فَيُكَبِّرُ عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ صَلاةٍ، كَانَ الْمُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ أَوْ وَحْدَهُ يُكَبِّرُ تَكْبِيرًا ظَاهِرًا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ.
قد أوردت تلك الشواهد المتعددة لعلماء الحنفية و الشافعية و الحنبلية لأثبت أن هؤلاء الفقهاء اتفقوا في فهمهم أن شعائر عيد الأضحى كصلاة العيد, و تقديم الأضحية, و حتى تكبيرات التشريق تابعة للحجاج. لذا فإن القول بأن عيد الأضحى هو حدث مستقل بذاته و ليس له أي علاقة بالحج لا من قريب ولا من بعيد, هو قول عار عن الصحة, مجاف للحقيقة. بل على العكس من ذلك فإن عيد الأضحى مرتبط بالحج ارتباط السبب بالمسبب, و هو إتباع دقيق و محاكاة واضحة لبعض شعائر الركن الأخير من أركان الإسلام. و هو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحج مكاناً و زماناً.
و قال الرسول ( ص ) كما روي الإمام أحمد:
حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا عفان ، حدثنا أَبو عوَانة ، حدثنا يزيد بن أَبي زياد ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما مِنْ أَيامٍ أَعظَمُ عند الله، ولا أَحبُّ إِليه من العمل فيهنَّ، من هذه ألأيام العشْر، فأَكْثِروا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحميد.
العبادة في هذه الأيام العشرة أفضل من الجهاد كما قال ( ص) :
كما أن الصيام فيها له أيضاً أجر مضاعف.
“قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلاَ الْعَمَلُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَىٰ مِنْ هٰذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَذِكْرِ اللَّهِ، وَإِنَّ صِيَامَ يَوْمٍ مِنْهَا يَعْدِلُ بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَالْعَمَلُ فِيهِنَّ يُضَاعَفُ سَبْعَمِائَةِ ضِعْفٍ ) عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُمَا.
لذا فإنه لا يوجد شك في أن الأجر المضاعف في هذه الأيام العشرة مرتبط بالتجمع العالمي الأعظم للمسلمين. كما أن ذروة الحج تتجلى في يوم العيد. لهذا السبب فإن المسلمين في كل أنحاء العالم مطالبون بالمشاركة فيه لعلهم ينالون من هذا الثواب الهائل لهذا التجمع الإسلامي العظيم. كما أن صيام غير الحجاج يوم عرفة متصل أيضاً بالوقوف في عرفة و لا يحبذ للحاج أن يصوم حتى يتسنى له القيام و الوقوف و التضرع في عرفة مع باقي الحجاج. غير أن معظم العلماء قالوا بحرمة صيام الحجاج في يوم عرفة ذلك حتى يتمكنوا من التركيز على حجهم و خضوعهم لله. (د. ذي الفقار علي شاه)
إذا رجعنا إلى قصة إبراهيم عليه السلام وسيره بولده وحرمته إلى أرض مكة، وإسكانهما هناك، وما جرى عليهما من الأمر، حتى آل الأمر، إلى ذبح إسماعيل وفدائه من جانب الله وبنائهما البيت، وجدنا القصة دورة كاملة من السير العبودي الذي يسير به العبد من موطن نفسه إلى قرب ربه، ومن أرض البعد إلى حظيرة القرب بالإعراض عن زخارف الدنيا، وملاذها، وأمانيها من جاه، ومال، ونساء وأولاد، والانقلاع والتخلص عن وسائس الشياطين، وتكديرهم صفو الإخلاص والإقبال والتوجه إلى مقام الرب ودار الكبرياء.
فها هي وقائع متفرقة مترتبة تسلسلت وتألفت قصة تاريخية تحكي عن سير عبودي من العبد إلى الله سبحانه وتشمل من أدب السير والطلب والحضور ورسوم الحب والوله والإخلاص على ما كلما زدت في تدبره إمعانا زادك استنارة ولمعانا.
ثم: إن الله سبحانه أمر خليله إبراهيم، أن يشرع للناس عمل الحج، كما قال (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق إلى آخر الآيات) الحج – 27، وما شرعه عليه السلام وان لم يكن معلوما لنا بجميع خصوصياته، لكنه كان شعارا دينيا عند العرب في الجاهلية إلى أن بعث الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشرع فيه ما شرع ولم يخالف فيه ما شرعه إبراهيم إلا بالتكميل كما يدل عليه قوله تعالى: (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا) الأنعام – 161، وقوله تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا، والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى، وعيسى) الشورى – 13.
وكيف كان فما شرعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من نسك الحج المشتمل على الإحرام والوقوف بعرفات ومبيت المشعر والتضحية ورمى الجمرات والسعي بين الصفا والمروة والطواف والصلاة بالمقام تحكي قصة إبراهيم، وتمثل مواقفه ومواقف أهله ومشاهدهم ويا لها من مواقف طاهرة إلهية القائد إليها جذبة الربوبية والسائق نحوها ذلة العبودية.
والعبادات المشروعة – على مشرعيها أفضل السلام – صور لمواقف الكاملين من الأنبياء من ربهم، وتماثيل تحكي عن مواردهم ومصادرهم في مسيرهم إلى مقام القرب و الزلفى، كما قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الأحزاب – 21).
{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} آل عمران:97.{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} الحجّ:27.
إن الله سبحانه أمر خليله إبراهيم، أن يشرع للناس عمل الحج، كما قال “وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق إلى آخر الآيات”:الحج – 27، وما شرعه (ع) وإن لم يكن معلوما لنا بجميع خصوصياته، لكنه كان شعارا دينيا عند العرب في الجاهلية إلى أن بعث الله النبي (ص) وشرع فيه ما شرع ولم يخالف فيه ما شرعه إبراهيم إلا بالتكميل كما يدل عليه قوله تعالى: “قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا”: الأنعام – 161، وقوله تعالى: “شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا، والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى، وعيسى”:الشورى – 13.
وكيف كان فما شرعه النبي (ص) من نسك الحج المشتمل على الإحرام والوقوف بعرفات ومبيت المشعر والتضحية ورمي الجمرات والسعي بين الصفا والمروة والطواف والصلاة بالمقام تحكي قصة إبراهيم، وتمثل مواقفه ومواقف أهله ومشاهدهم “إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَواعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ” البقرة: 158.
“وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوبِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوصَدَقَةٍ أَونُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ* الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ* لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَو أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ” البقرة: 196- 202.
تؤكّد كتب الحديث والمصادر التاريخيّة، أنّ الله تعالى أمر نبيّه إبراهيم عليه السّلام بإبعاد هاجر وولدهما عن زوجته سارة بعدما أحسّت بالغيرة الشديدة منهما، هذا ظاهر الأمر، إلا أن السبب أعمق من ذلك، فإسكان هاجر وولدها إسماعيل(ع) في تلك البقعة المباركة وفي ذلك المكان، سيكون له الدور الفعّال في نشوء حضارة العرب، وبزوغ فجر الإسلام، فكان لا بد من إبقائهما هناك، ومن ثم رفع قواعد الكعبة لتكون محجة للوافدين إلى مكّة. بنى إبراهيم(ع) البيت ونقل إسماعيل(ع) الحجر من ذي طوى، فرفعه في السماء تسعة أذرع، ثم دُلَّ على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيم(ع) ووضعه في موضعه الذي هو فيه الآن، وجعل له بابين:باباً إلى المشرق، وباباً إلى المغرب، والباب الذي إلى المغرب يسمى المستجار. (د.أليس كوراني)&(تفسير الميزان، العلامة الطباطبائي(1/173)
إن الحج الذي جعله الله فريضة من أعظم الفرائض بقوله تعالى : ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ” آل عمران /97 .
وأوجبها في أيام معدودات معلومات . ترمي في حقيقتها وواقعها إلى أهداف كبيرة، تتصل في جانب أساسي منها بالأمة المسلمة س كيانا وقياما وحضارة . وإذا كان الجانب العبادي الصرف في هذه الفريضة متجليا في المناسك المعروفة، فإن هذه المناسك التي تؤدى في الحج تنبئ أيضا بالجانب الاجتماعي وبالأهداف العظيمة المتوخاة منها . ونستطيع أن نتبين هذه الأهداف ونحددها في ضوء ما ورد في شأن الحج من الآيات المباركة والروايات المتضافرة ، وما حف به الحج ، كما في لسان بعض الروايات ، من تأكيدات وصلت إلى الحد الذي
يقول فيه الإمام (عليه السلام) :”لو عطل الناس الحج لوجب على الإمام أن يجبرهم على الحج . .
ولعل من أهم تلك الأحداث والوظائف التي يمكن أن يؤديها الحج بالنسبة إلى المسلمين هي :
أولا : إدخال الأمة المسلمة في تجربة التوحيد والوحدة :
أي بصورة فعلية وليس من خلال مجرد الدعوة والحث على ذلك ، وفلسفة هذا الأمر ؛ أن الشرك الخفي يمكن أن يتسرب إلى النفوس ، وأن دواعي الفرقة والاختلاف متوافرة دائما ، ولذا فلا بد من زرق الأفراد بالمضاد الحيوي ، ولابد من نفي لتلك الدواعي . ومناسك الحج من أقوى عناصر الضد والنفي . فالإحرام حيث الكل بلباس واحد، والتلبية حيث الكل بنداء سماوي واحد ” لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك . . . ” ثم السعي والطواف والإفاضة . كل تلك الشعائر والمناسك ، تجعل الجميع في حالة عبودية وإخلاص ، فتلغى بصورة عملية فوارق اللون والجنس والمذهب والانتماء والمنصب ، فلا خصوصية ولا شأنية ولا امتياز إذ الكل على صعيد واحد عبيد لله الواحد .
وقد نبه الإمام علي (عليه السلام ) إلى هذا المعنى قائلا : ” ألا ترون أن الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم (ع ) إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولانتفع ، ولا تبصر ولا تسمع ، فجعلها بيته الحرام ” الذي جعله للناس قياما “. إلى أن قال (عليه السلام ) : ثم أمر آدم (ع ) ولله أن يثنوا أعطافهم نحوه فصار ذللا يهللون لله حوله ، ويرملون على أقدامهم شعثا غبرا له قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم . … وقال (عليه السلام( في خطبة أخرى :
” وفرض عليكم حج بيته الحرام الذي جعله قبلة للأنام .. وجعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته ، وإذعانهم لعزته . . ..
وفي مقطع من خطبة الزهراء (عليها السلام) قالت : ” وجعل الحج تشييدا للدين .
وقال العلامة الطباطبائي في بيانه المنافع الدنيوية والأخروية للحج : “وعمل الحج بماله من المناسك يتضمن أنواع العبادات من التوجه إلى الله وترك لذلك الحياة وشواغل العيش والسعي إليه بتحمل المشاق والطواف حول بيته والصلاة والتضحية والإنفاق والصيام وغير ذلك . . ثم قال :إن عمل الحج بماله من الأركان والأجزاء يمثل دورة كاملة مما جرى على إبراهيم (عبيه السلام ) في مسيرة في مراحل التوحيد ونفي الشريك وإخلاص العبودية لد سبحانه.
ولعل من المناسب أن نذكر أيضا ما استظهره الشيخ جوادي آملي من أسرار الحج قائلا : ” إن العبادة، أية عبادة كانت يعتبر فيها الخلوص ، قال تعالى : “ألا لله الدين الخالص “، إلا أن تجلي ذلك الخلوص في بعضها أظهر، وطرد المشرك في بعضها أقوى وأجلى، ومن ذلك الحج حيث إن التوحيد قد تمثل به ، وصار هو بأسره من البدو إلى الختم مثالا للتوحيد وطردا للشرك . . ثم لا ريب بعد ذلك أن تكون كلمة التوحيد، والإخلاص للحق تعالى يقودهم إلى وحدة الكلمة ، ووحدة الموقف ، ووحدة الهدف.
ثانياً : التقريب بين المسلمين والتالف بينهم :
إن الشريعة الإسلامية لشريعة واقعية ، بمعنى أنها وإن كانت تهدف إلى غايات سامية ومرامي بعيدة، وتضع الوسائل العملية لبلوغها ، إلا أنها في عين الوقت تنظر إلى الواقع الحياتي بما هو عليه من تعقيد وبما ينطوي عليه من إشكاليات ، وبما يموج به من حقائق . ولذلك ونظرا لطبيعة الظروف الموضوعية التي تمر بها الأمة : فإن هدف الوحدة وإن كان مطلوبا فعلا، إلا أنه تكتنف تحقيقه صعوبات جدية ، وإذا كان موسم الحج (الأيام المعلومة والمعدودة) يمكن أن تخلق شعورا عاليا بالوحدة والتوحد إلا أن الناس عندما يتحللون من الإحرام ، ويعودون إلى أوطانهم تبدأ العوامل الموضوعية تفعل فعلها،ومن هنا كان الحج ناظرا إلى تحقيق هدت أقرب واقعية، وأيسر منالا، ثم هو لا يقل أهمية وخطرا عن هدف الوحدة ، وذلك هو هدف (التقريب بين المسلمين) من خلاك تحقيق فهم مشترك ، وتفهم واطلاع كل ، فريق بما عليه الفريق الآخر من أداء لنفس المناسك والقيام بنفس الأعمال ، وانكشاف لما يدين به الجميع من توحيد الرب تعالى ، ونفي الشرك عنه ، والشهادة للنبي الأكرم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم ) بالنبوة والرسالة وتعظيمه وتبجيله ، وحينئذ سيرى كل فريق الفريق الآخر على حقيقته ، وسيجد الجميع أنفسهم أنهم يؤدون مناسك واحدة ، ويقومون بتلبية واحدة ، ويتوجهون إلى قبلة واحدة ويفيضون إفاضة واحدة . وسيجد المسلمون أنفسهم أيضا في صلواتهم وقيامهم وسعيهم وطوافهم أنهم ينطقون بالشهادتين ويهتفون بنداء واحد . وسيكتشف الجميع أنهم أبناء ملة واحدة، وأنهم أمة من دون الناس . وأن دماءهم عليهم حرام وأموالهم عليهم حرام وأعراضهم عليهم حرام ، كحرمة يومهم و كعبتهم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه كما صرح بذلك أمين الله على وحيه خاتم المرسلين نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
وعند ذاك سينكشف أمامهم زيف دعاوى الخصوم ودعاة التفرقة، والمروجين للأراجيف التي يطلقها الأعداء ضد مذاهبهم ومدارسهم الكلامية أو الفقهية .
وليس هناك أهم من الحج مؤتمرا تعلن فيه الحقائق ، وتتبين فيه العقائد ، وتتضح فيه أسباب التآلف والتقارب .
وقد أشار العلامة الطباطبائي إلى هذا المعنى قائلا : “فإذا اجتمعت أقوام وأمم من مختلف مناطق الأرض وأصقاعها، على مالهم من اختلاف الأنساب والألوان والسنن والآداب ، ثم تعارفوا بينهم وكلمتهم واحدة هي ككلمة الحق ، وإلههم واحد وهو الله عز اسمه ، ووجهتهم واحدة هي الكعبة – البيت الحرام – حملهم اتحاد الأرواح على تقارب الأشباح ، ووحدة القول على تشابه الفعل .
ثالثا : التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي :
لا ريب أن التبادل في التجارات مدعاة لنمو الثروات وزيادة الدخل ورفاه المجتمع ، وأن تبادل الخبرات والتعاون الاقتصادي له أثره الكبير على تقوية الأواصر، والإسهام في سد احتياجات الأمة المعاشية ، وربما يقود استمرار التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي إلى تحقيق التكامل الاقتصادي في الأمة والاكتفاء الذاتي ، وبذلك يتحقق ما يهدف إليه الشرع الشريف من أبى تكون الأمة المسلمة (أمة من دون الناس) ، يسود بينها التعاضد والتعاون ، وتنفتح على الأمم وفق عهود والتزامات متقابلة .
ولقد وردت في كتب التفسير وفي الروايات ما ينبئ بكون الحج يؤدي مثل هذه الوظيفة المهمة، ويحقق تلك الأهداف الكبيرة . فقد ذكر الزمخشري في الكشاف لمناسبة تفسير قوله تعالى : ” وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات .. ” الحج 27 – 28.
قال : ذكر المنافع – أي في الآية – لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة، دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات . … وإليه ذهب أبو السعود. ونقل ابن كثير رواية عن ابن عباس فسر فيها منافع الدنيا بما يصيبون من التجارات ونقل الطبرسي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أن المنافع في الآية التجارات . وأورد هذا المعنى الرازي ي تفسيره قال في المسألة الأولى : ” أنه تعالى لما أمر بالحج في قوله : ” وأذن في الناس بالحج ” ذكر.
حكمة ذلك الأمر في قوله تعالى : ” ليشهدوا منافع لهم ” قال : واختلفوا فيها فبعضهم حملها على منافع الدنيا، وهي أن يتجروا في أيام الحج . . . وأوضح منهم ما صرح به العلامة الطباطبائي في الميزان قائلا : “وقد أطلقت المنافع ولم تتقيد بالدنيوية أو الأخروية ، والمنافع نوعان : منافع دنيوية ، وهي التي تتقدم فيها حياة الإنسان الاجتماعية ويصفو بها العيش ، وترفع بها الحوائج المتنوعة وتكمل بها النواقص المختلفة من أنواع التجارة والسياسة والولاية والتدبير وأقسام الرسوم والآداب والسنن والعادات ومختلف التعاونات والتعاضدات الاجتماعية وغيرها.
وقد جاءت بعض الروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ولسانها يصرح بذلك . فعن هشام بن الحكم قال : “سألت أبا عبدالله (عليه السلام) فقلت له : ما العلة التي من أجلها كلف الله العباد الحج والطواف بالبيت ؟ فتال : إن الله خلق الخلق . . . إلى أن قال : وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين ومصلحتهم من أسر دنياهم ، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ليتعارفوا ولينزع كل قوم من التجارات من بلد إلى بلد. . .
ونقل في الوسائل وعيون الأخبار بأسانيد عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا (عليه السلام ) ، في حديث طويل قال : “إنما أمروا بالحج لعلة الوفادة إلى الله عز وجل وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف العبد تائبا مما مضى ، مستأنفا لما يستقبل مع ما فيه من فيه من إخراج الأموال وتعب الأبدان والاشتغال عن الأهل والولد، وحظر النفس عن اللذات ، شاخصا في الحر والبرد، ثابتا على ذلك دائما، مع الخضوع والاستكانة والتذلل . ثم قال (عليه السلام) : مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع لجميع من في شرق الأرض وغربها ، ومن في البر والبحر، ممن يحج وممن لم يحج ، من بين تاجر وجالب وبائع ومشتر.
رابعا : جعل حركة الفرد المسلم لا تنفصل عن الأمة:
إن الفرد المسلم في الحج يشعر شعورا قويا، ويدرك إدراكا واضحا أنه فرد في أمة ، عليه أن يتصرف ويتخذ المواقف انطلاقا من هذه الصفة .
وإذا كان الإسلام قد ربى الفرد المسلم على مثل هذا الشعور كما هو الأمر في صلاة الجماعة، أو في الجمعة أو في العيدين ، وغيرها من العبادات ذات الصفة الجماعية، فلأنه ربما لا يتأتى له مثل هذا الأمر بلحاظ أن بعض هذه العبادات ليست إلزامية، وبالتالي فهو يستطيع التحلل منها. ولكن الأمر في الحج مختلف تماما فهو يجب أن يؤدي المناسك ضمن (الأمة) كفرد فيها يتحرك بحركتها، ويقف المواقف معها، ويشهد المشاعر معها، ويطوف بطوافها، ويسعى معها، ويفيض معها وينحر معها ، ويفعل كل أفعال الحج مع الأمة مجتمعة . وبذلك سيدرك الفرد المسلم أنه لا كيان له إلا بكيان الأمة ولا هوية لا إلا هوية الأمة المسلمة ، وأن المسلمين ذمتهم واحدة يسعى بها أدناهم .
ومن هنا أيضا يتحرك المسلمون – بعد وعي تلك الحقيقة – ليعلنوا الموقف الموحد إزاء الشرك والكفر وهذا ما كان يهدف إليه الحج الأكبر كما نطقت به الآية المباركة : ” وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله . . ” التوبة/3
وفي رواية عن الإمام (عليه السلام) قال : “عليكم بحج البيت فأدمنوه ، فإن في إدمانكم الحج دفع مكاره الدنيا عنكم وأهوال يوم القيامة.
لقد فرض – الله تعالى – الحج في أيام معدودات معلومات ، وفيها يلزم أن يكون جميع الحجيج حاضري المسجد الحرام ، بدءا من عرفة بلحظ أن (الحج عرفة) كما ورد، إلى أيام التشريق وهي يوم الأضحى ، عاشر ذي الحجة وثلاثة أيام بعده كما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) وهذا ينبئ بأن هذه الفريضة المباركة تؤدى مناسكها بحضور الجميع . ولو كانت هذه الفريضة ليس فيها غايات اجتماعية عظيمة لترك تأديتها إلى كل شرد في أي وقت يشاء . ولكن ، لما كان الأمر في الأيام المعلومة فذلك ليكون الحضور عاما ، ولشهدوا المنافع المطلوبة.
إن المناسك جميعا يجب أن تؤدى بطريقة واحدة ، وبأسلوب واحد وبأوقات واحدة، وهي كلها تصب في هدف صهر الفرد وإخضاعه لحركة الاجتماع البشري المتوجه إلى الله تعالى ، طوافا وسعيا ، وهتافا (التلبية) ، وحركة ومواقف في المشاعر الحرام وهي بهذه المثابة والصورة تتحقق بها المرامي والغايات المقصودة .
عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة قال :كتبت إلى أبي عبدالله (عليه السلام ) بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العباس فجاء الجواب بإملائه : سألت عن قول الله عز وجل : ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا .. . ” ،آل عمران /97 يعني : به الحج والعمرة جميعا لأنهما مفروضان . . ،وسألته عن قول الله عز وجل : ” وأتموا الحج والعمرة لله ” البقرة/196 ،قال يعني بتمامهما أداءهما، ، واتقاء ما يتقي المحرم فيهما، وسألته عن قوله تعالى: ” الحج الأكبر ” التوبة/3 ما يعني بالحج الأكبر؟ قال : الحج الأكبر الوقوف بعرفة ورمي الجمار، والحج الأصغر العمرة (
وجاء في الوسائل باب أنه يجب الحج على الناس في كل عام وجوبا كفائيا : أورد محمد بن يعقوب أيضا رواية ينتهي سندها إلى الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام ) أنه قال : “إن الله عز ث جل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام.
وقد وردت عدة روايات في الوسائل ، تحت باب عدم جواز تعطيل الكعبة عن الحج وفي وجوب إجبار الناس عليه ومن ذلك يظهر أن الحج فريضة مستمرة دائمة تهدف إلى تلك الأهداف العظيمة وتحقيق المنافع الدنيوية والأخروية جميعا.(عبد الجبار شرارة)
وبالمناسبة ؛ هنالك كرامة باهرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في محرابه المحفوظ في مسجد النبي بالمدينة 25. 75. 20 وذلك: أن المدينة على ما حاسبه القدماء كانت ذات عرض 25 درجة وطول 75 درجة 20 دقيقة، وكانت لا توافقه قبلة محراب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسجده، لذلك كان العلماء لا يزالون باحثين في أمر قبله المحراب وربما ذكروا في انحرافه وجوها لا تصدقها حقيقة الأمر لكنه – رحمه الله – أوضح ان المدينة على عرض 24 درجة 57 دقيقة وطول 39 درجة 59 دقيقة وانحراف. درجة 45 دقيقة تقريبا. وانطبق على ذلك قبلة المحراب أحسن الانطباق وبدت بذلك كرامة باهرة للنبي في قبلته التي وجه وجهه إليها وهو في الصلاة، وذكر أن جبرئيل (ع) أخذ بيده وحول وجهه إلى الكعبة، صدق الله ورسوله.
هذه القبلة ؛ التي أرادها الله نقطة مقدسة تتوحد عليها وجوه المسلمين ، فتتآخى بهذا التوحد قلوبهم كافة . لكن ؛ مع الأسف الشديد ، أصبح المسلمون جميعاً وقلوبهم شتّى !!!
وهكذا ؛ بعد هذه الرحلة الطويلة للحجّاج المسلمين الوافدين إلى بيته العتيق من كلِّ فجٍّ عميق .. سوداً وسمراً وحمراً وبيضاً وصفر .. فقراءَ وأغنياءَ .. قِصاراً وطوال .. متعلمين وأميين .. علماءَ و جهلة .. ذكوراً وإناثا .. شيباً وشبابا. أتوا إلى الله بقلوبهم التي هاجرت الديار والذمار واتجهت إلى الله وحده لا شريك له ، تلبّيه وتكبرّه بكرة ً وأصيلا :أن لا إله إلا الله خالق كلَّ شئ . . الله الذي فرض على الناس حِجَّ بيته الحرام ـ في العُمْر مرّة ً واجبة وما عداها أجر ـ
سبحان الله الذي قدّر أن تكون ((مكة المكرّمة)) في موقعها الجغرافي هذا .. لا بارداً ولا حرور .. بلداً لا يُلبسُ فيه المخيط ، ولكن يَلبس الحاجُّ فيه ثوبي الإحرام .. كفن دنياه ـ يرتديه بنفسه ـ قبل أن يكفنه به الآخرون آن فراقه الدنيا ، بعد عمر من المضاربات الإقتصادية والصراعات السياسية التي لم تضع في كفيّه إلا كافور القبور ، وهو مسجّىً ، يحمله المشيّعون على آلة الحدباء الخشبية ، بعد أن ترك كل فضة وذهب وماس إلى من سيضحك بعده ، ثم ينتظر الضاحك ذات المصير وعيناه تترقرقان بالدموع الساخنة ، ليضحك الوارثون من بعده أيضا !!!
ثم ؛ يبشرّهم الله ـ يوم العاشر من ذي الحجّة ـ أيّها الناس ـ وهنا؛ لابد الإشارة إلى أن الله ذكر في آية الحج .. (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )، (وإذن للناس بالحج ) وهو يريد بهذه الكلمة (الناس) ولم يذكر سبحانه (وأذن للمسلمين بالحج) لأنَّ ؛ ربّما الذين جاءوا لأداء مناسك الحج ليسوا بمستوى حقيقة وجوهر الإسلام .. لعلهم ؛ أناس ليسوا مسلمين !!!
الله تعالى ؛ يزكي الأنفس ويعرفها دون غيره سبحانه وتعالى ، وليس لأحد تفويض بأن يكفر هذا ، أو يؤسلم ذاك !
لكن ؛ بعض المسلمين بالجنسية يرون أنفسهم ظلَّ الله في الأرض ، ولعل منهم من يرى مالا يراه الرسول محمد (ص) بظنه الجاهل المغرور الغبي ، فتراه يقتل الشيعة لأنهم شيعة ، ويقتل السنة لأنهم سنه ، وكأنّ الرسول الواحد الموحّد (ص) لم يقل : قولوا لا إله إلا الله تفلحوا . وكأنَّ علياً لم يُصَـل ِّ في دير النصارى لأنه بيتٌ طالما عُبِدَ فيه الله سبحانه وتعالى !!!؟
ربّما ؛ لم يحجّ هذا العام إلا الإمام زين العابدين (ع) وناقته وعليُّ بن يقطين في البصرة !!!
ربّما ؛ يحجَّ الناسُ كافة ، لكن؛ ليس لهم من حجّهم إلا متاعب الطريق والطواف والسعي والنحر، وإنْ عادوا بإسم خطير!!!
ربمّا ؛ نستقبل عيدنا هذا العام ونحن نيام نصحو على الإنفجارات التي تيقظنا لصلاة عيد الأضحى الموحّدة على جسر الأئمة بين الأعظمية والكاظمية ، فينهار الجسرُ ومن عليه بالفتاوى التكفيرية الصادرة من بلد الحرمين الشريفين !!!