18 ديسمبر، 2024 10:00 م

هل تتحول اربيل الى ثكنة عسكرية اميركية

هل تتحول اربيل الى ثكنة عسكرية اميركية

انسحاب القوات الأمريكية من قواعدها في العراق أثار جملة من التساؤلات والشكوك حول مغزى الانسحاب, هل جاء نتيجة لقرار البرلمان العراقي الذي أظهر تباينا واضحا بين الأحزاب السياسية من خلال التصويت عليه, فقد رفضت الاحزاب الكردية القرار, كما كان لها دور فعال في إقناع الأحزاب السنية بعدم الحضور و حرمان البرلمان من النصاب القانوني اللازم, الموقف الكردي سجل امتنان ومباركة واشنطن.

ليس من باب التكهن بان الرفض الكردي مثل رسالة واضحة من القيادة الكردية للولايات المتحدة مفادها ان الاقليم يقدر بشكل كبير التحالف الوثيق بينهما منذ عام ٢٠٠٣, وان الاقليم حليف استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط تستطيع الولايات المتحدة الاعتماد عليه في مواجهات التحديات المشتركة.

طالما ما حلم الاكراد ان يرافقهم الاميركيون على طريق تحقيق الاستقلال والانفصال عن العراق, لاسيما وان انسحاب القوات الاميركية سيكون كارثيا على الاكراد العراقيين لهذا تستميت حكومة الاقليم لبقاء القوات الاميركية لان انسحابها يعني فقدان عنصر القوة والابتزاز الدائم للحكومة المركزية ويصبح موقفهم ضعيف امام بغداد.

الواقع ان الاستثمار الأميركي للاكراد لم يكن وليدة اللحظة, حيث كانوا العنصر الحاضر دوما في الصراع مع بغداد منذ خمسينات القرن الماضي وإذا استثنينا( العامل الاسرائيلي) لبرهة قصيرة, نجد واشنطن تبنت مطالب أكراد العراق تدريجيا, ومما عزز الاهمية الاستراتيجية للقوات الكردية لتحقيق الاهداف الاميركية في العراق,عندما تحول الإقليم الكردي قبل بدء العدوان الاميركي عام ٢٠٠٣ الى قاعدة عسكرية خلفية لواشنطن, إذا وضع الحزبان الكرديان القوات الكردية تحت امرة القوات الاميركية الغازية من اجل مشاركتها في العدوان ضد النظام السابق, وبذلك شكل الإقليم البوابة الرئيسية الثانية بعد الكويت لغزو العراقية, بعد أن رفضت تركيا السماح للقوات الأميركية استخدام أراضيها كمعبر للغزو.

من خلال ذلك برزت مزايا الاستثمار الأميركي في البعد العسكري والسياسي, وظهرت في واشنطن اصوات بعض الساسة والعسكريين على السواء تشيد بأن القوات الكردية هي القوة الوحيدة المؤتمنة بالتوظيف في خدمة الاستراتيجية الأمريكية في العراق, بل ذهب بعض العسكريين لأبعد من ذلك بالقول ان المسلحين الاكراد هم بمثابة القوات البرية الاميركية على الأرض في اشارة واضحة لطمأنة قلق الشارع الأميركي من عدم توفر النية لاستخدام القوات الاميركية مباشرة في ساحات الصراع ولأهمية الإقليم في الاستراتيجية الاميركية أقدمت واشنطن على توقيع اتفاقية عسكرية مع اربيل لبناء خمسة قواعد لها بمناطق تحت سيطرتها قرب سنجار واخرى في منطقة اتروش وحرير اضافة الى قاعدتين في حلبجة بمحافظة السليمانية, والاتفاقية قضت أيضا بدفع الاميركان رواتب المسلحين الاكراد لمدة عشرة سنوات مع تدريب القوات الكردية فضلا عن تجهيزها وتسليحها بأحدث الاسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة, في حين لم تصرح به واشنطن رسميا عن بناء قواعد عسكرية في شمال العراق.

وفي هذا السياق أكد مسؤول الاتحاد الوطني الكردستاني في مخمور رشاد كلالي ان القوات الاميركية إقامت قاعدة عسكرية جديدة تضم مختلف انواع الاسلحة والمعدات المتطورة في جنوب اربيل كما ان لاسرائيل مخازن أسلحة في الإقليم.

من البديهي ان تواجد القوات الاميركية في قاعدة حرير وتطويرها فإنها ستساعد واشنطن في احتواءها للمنطقة برمتها وعلى نحو خاص احتواء إيران وسوريا والعراق ولبنان وتركيا وكل ما يطلق عليه( التهديدات الكامنة لاميركا) مما يجعلها اسرائيل ثانية في المنطقة.

هذه التسريبات والمعلومات اثارت انتقاد اوساط نيابية وسياسية لقرار حكومة الاقليم بشأن الموافقة على منح واشنطن قاعدة عسكرية في اربيل, واشارت الاوساط انه لا يجوز لحكومة الإقليم ولا اية حكومة محلية أن تتخذ قرار دون موافقة الحكومة المركزية لانه سيثير النزاعات بين ابناء الشعب العراقي واضافت بان الاقليم يصدر قرارات فردية ويتعامل وكأنه دولة مستقلة, كما ان امتلاك القوات الاميركية قاعدة في اربيل إنما هو انتهاك لسيادة العراق وتحريض لساسة الإقليم على الإخلال بنظام الفيدرالية الذي يمنع اي حكومة محلية من توقيع اتفاقات عسكرية وامنية مع دول اجنبية دون علم الحكومة في بغداد.

لذا يرى مراقبون ان واشنطن تريد حقا أن تحول إقليم شمال العراق الى ثكنة عسكرية لقواتها بديلة عن قاعدة( انجرليك) في تركيا , كما أنها تستغل الأزمات في العراق لخدمة ذلك الانتشار الذي لم يواجه الى الان باجراءات حقيقه من قبل الحكومة العراقية والبرلمان, كما تريد واشنطن ان تحكم قبضتها على آبار النفط في شمال العراق.

الهاجس الاميركي-الاسرائيلي المشترك يعيد للواجهة رهان الطرفين على دق اسفين لتمزيق وحدة العراق,لذلك على القيادة الكردية ان تعي ان مصلحتها ووجودها يبقى ضمن عراق ديمقراطي موحد,وان الوجود الاميركي في العراق والشرق الاوسط هو مرحلة عابرة.