فى مثل هذه المناسبات يغنى المحتفلون, المتفائلون, كالعاده : happy birthday to you , اما بلغة شاعرنا الكبير معروف الرصافى فهى حسرات والم ومستقبل مجهول , “عيد باى حال جئت ياعيد”, حقا اننا اليوم اسؤ حالا عنما ما كنا عليه فى سنة تاسيس الحزب الشيوعى العراقى. بماذا نحتفل,او ما يدعو الى الاحتفال,الوضع الكارثى الذى يعيشه الوطن والشعب, فيروس الكورونا الذى يهدد الصحه العامه للشعب, ام سرقة ثروات العراق وتحويلها الى الخارج , ام حزب جماهيرى كان يتمتع بقاعدة جماهيره واسعه تنشط فى مختلف شرائح المجتمع وكانت تعقد علية امال البناء والمستقبل.ان اعياد الميلاد السابقه, على الاقل من مذ عام 2003 لا تتجاوز العاده والمناسبه للتذكير بالبطولات السابقه والفخر والاعتزاز بالاف الضحايا التى يفتخر الحزب بهم, والحق ان الحزب يفتخر بالموتى لعدم وجود, منذ سنين طويله ما يمكن ان يعتد ويفتخر به. لقد ضاعت ايام العشق الاولى وتبخرت الامال والاحلام بشعب حر ومستقبل سعيد. انى لا اتجنى على الحزب الشيوعى وتاريخه النضالى بأن اخطاء مستمره قاتله وانعدام الرؤيا للتحولات العالميه وانعدام استقلالية القرار السياسى عدم تخطى حالة الخوف والجبن ضد اعتداءات وتجاوزات القوى السياسيه المحليه قد افرزت هذه الحالة البائسه: ان هذا الحزب الكبير يحتمى اليوم برجل,هو ليس دينيا ولا علمانيا ولا سياسيا, لايمتلك اى انجاز ذاتى سوى انه ابن احد كبار علماء الدين, وفى هذا الزمن الردىء اصبح توارث المكانه الدينيه يقود الى احتلال المكانه السياسيه, وهذا التوارث لا يختلف عن وراثة بيت او ثروه التى يحدد تأثيرها فى اطارها العائلى. ان الاشكاليه الدينيه/ السياسيه وجدت صداها فى شرائح واسعه فى المجتمع التى وجدت ضالتها فى غوغائية الشعارات وهمجية السلوك الاجتماعى وقدسيه الموروثات الطائفيه واحتفالاتها المليونيه والتى اكتسبت حركيه ذاتيه. ان الحزب الشيوعى العراقى هو اقدم الاحزاب السياسيه التى تبنت ايديولوجيه واضحة المعالم منذ البدايه وتقوم على فلسفة الاشتراكيه العلميه, وفى تعبئته الجماهير والعمل اليومى اعتمد نموذج دولة الاشتراكيه التى يعمل لبنائها فى الاتحاد السوفيتى, دولة العمال والفلاحين بقيادة حزب الطليعه الحزب الشيوعى. نشأ وتطور الحزب الشيوعى العراقى بقيادة (فهد, يوسف سلمان يوسف) الذى قصد الاتحاد السوفيتى ودرس التجربه علميا وعمليا وقام بنقلها وتطبيقها محليا, ان هذه العمليه تقود الى التقليد وليس الابداع فى التفاعل مع الشروط الموضوعيه القائمه فى العراق. كان الحزب الشيوعى فعالا جدا فى تعبئة الجماهير ووجد صدى كبير فى صفوف المثقفين, الدارسين والطلبه وكذلك فى صفوف العمال والفلاحين ولكن بنسبه اقل كثيرا. ان التطبيقات الاشتراكيه” جملة مفردات السياسيه الاجتماعيه”, التصنيع كهربةة البلاد, وعملية التعليم والنظام الصحى, كانت قمة الاغراء والطموح لدى المتلقى العراقى الذى يعيش فى تخلف ونقص فى كل المجالات., هذابالاضافه الى ودوره الفعال فى المظاهرات والاحتجاجات الشعبيه الكبيره ضد بعض توجهات وسياسة العهد الملكى. كان ومازال الحزب الشيوعى العراقى يمثل الشعب العراقى فى هيكليته الاجتماعيه والقوميه والطائفيه, انه حزب الوحده العراقيه بأمتياز, هذا بالاضافه الى التاكيد على نشر الثقافه والتعليم والحقوق العامه كما كان يربى ويبعث فى كوادره الاخلاص للشعب والوطن, وهو ايضا اول من الذى طرح موضوع المراة العراقيه, حقوقها اهميتها وضرورتها فى بناء الاجيال وبالتالى فى بناء الوطن., وليس اخيران اعضاء الحزب والاصدقاء والمؤيدين لا ينتظرون من الحزب مراكز فى الدوله او المساهمه فى الثروه التى سوف تنهال على الحزب فى نهاية المطاف, خلافا لدوافع الذين ينتمون لاحزاب السلطه او القوى التى سوف تصل اليها. انهم فى امانتهم واخلاهم وكفائتهم مؤهلين لبناء الدوله ومجتمع القانون ولكن!!
من القضايا التى تشكل موضع نقد واسع ادعاء الحزب احقيته واحتكاره لتمثيل وتجسيد الحداثة والثقافة والفنون وكل من كان خارج هذا الاطار يعتبر متخلف, رجعى ولا ياخذ محمل الجد وقد انعكس هذا الفهم النرجسى على الفعل السياسى وامكانية عقد التحالفات مع القوى السياسيه الاخرى. من اشكالية التعبئه الجماهيريه العاطفيه المباشره للحزب التى اخذت فى النقد المستمر والتشكيك وتجريم كل ما تقوم به حكومات العهد الملكى, قد قاد هذا الموقف الى صعوبه التفريق بين السياسه والحكم والممتلكات العامه والذى افرز ضعف الشعور وتنمية الانتماء الوطنى , كما انها بددت فرص الاستثمارات الاجنبيه وامكانية دخول صناعه وتكنلوجيا حديثه الى العراق. ان هذا الفهم والقاعدة الشعبيه الواسعه, خاصة اتخاذ القرارات لم يقوم على عملية ابداع ذاتى قائمة على دراسة مداخلات الشروط الموضوعية وملابساتها وانما الى عملية تقليد نموذج قاد الى رفع شعارات ومطاليب مثل” حزب الشيوعى بالحكم مطلب عظيمى” وافرز حالة خوف, رفض وعداء من قبل الضباط الاحرار وبالتالى الى قطيعه كارثيه للحزب الشيوعى ولمسيرة الثوره. ان فقدان الرؤيا المبدئيه, فى الوقوف مع الضباط الاحرار وتامين دعم وزخم الشارع العراقى لها, استطاع البعثيون والقوميون بالاتفاق والتعاون الامريكان والانكليز التخطيط للقضاء على الثوره وتم لهم ذلك فى شباط 1963. ان نتائج الثوره المضاده معروفه ومشخصه خاصة بجرائم “الحرس القومى” الذى اخذ يصطاد, يعتقل, يغتال يرمى فى السجون كل من وقف فى طريقهم, اما الاعلان الرسمى بمطاردة وقتل الشيوعيون من قبل الحاكم العسكرى فهى تعتبر جريمة اباده للشيوعيين العراقيين. ان هذه المأساة والخراب الذى حل بالبلد وضخامة التضحيات البشريه كان الحزب الشيوعى العراقى احد الفاعلين الرئسيين فيها ويتحمل جزءا كبيرا من المسؤليه لها, وذلك من خلال الرويا والتقدير الخاطىء للظروف الموضوعية فى العراق والقوى الفاعلة التى كانت على اتصال دائم من القوى الاجنبيه المؤثره تاريخيا فى العراق. ان مرحلة من التطلع الثورى والامل فى بناء مجتمع ودولة قانون قد انتهت, وكما يبدو انها بعد حوالى 60 عاما مازالت تبعاتها مستمره والى امد غير مسمى. وليس هذا فحسب , ان اخضاع التجربه السابقه الى التحليل العلمى الدقيق بعيدا عن التبعيه الفكريه لم يحصل ولم يتم وضع ستراتيجيه جديده تأخذ بنظر الاعتبار نجاح نفر قليل من البعثيين فى تموز عام 1968 بعلاقاتهم وتجربتم فى التخطيط للانقلابات والتحكم بمجرياته, هذا بالاضافه الى سيطره صدام على الحكم باجهزته الامنيه والمخابراتيه وقسوته اللامحدوده, خاصة بعد النجاح الذى تحقق فى عملية تاميم النفط. لم يدرك قادة الحزب الشيوعى النزعه الفرديه والنرجسيه والشعور بالعظمه والقيادة التى لا تتلائم مع مشاركة قوى سياسيه اخرى وخاصة تلك التى لها تاريخ وقواعد شعبيه. كانت” الجبهه الاشتراكيه القوميه” بقيادته بداية لتسليط ضربة قاضيه للحزب الشيوعى والتخلص منه لفترة غير قصيره.,وكما يبدو فان منح االحزب وزاره او اثنين, السماح بالعمل السياسى وفتح مكاتب فى المناطق السكنيه واصدار جريده ناطقه باسم الحزب وممارسة دور المثقف والستراتيجى وكتابة المقالات من قبل الاعضاء غاية وهدف يراودهم منذ زمن طويل, انه نوع من العشق بالارجحيه الثقافيه وقيادة عملية التنوير. انها فترة ممارسه حره للحزب اتاحت الفرصه فى كشف العدد الكبير من قياداته الذين كان يتم تسجيل الوظيفه والسكن وطبيعه النشاط من قبل ادوات حزب البعث, وعندما اكتملت عملية جمع المعلومات حلت الضربه القاضيه, القتل, التشريد, الاعتقال, السجن …الخ ولم يستطيع الا اعداد قليله من الكوادر الحزبيه من الهروب الى خارج العراق. ان هذه الضربه القاضيه قد افرزت خلافات كثيره فى القيادة العليا وادت الى انقسامها وانعكستهذه الانقسامات فى سترايجيات حرب العصابات فى شمال العراق وفى منطقة الاهوار. سوى ان نجحت فى بضعة عمليات ام لم تكن موفقه, فشلت وذلك اولا لانها لم تقوم على دراسة علميه وانما انفعاليه اراديه وتعظيم القوة الذاتيه, بالاضافة الى قوة النظام وجبروته وما يتشدق به من انجازات وطنيه. ان الحزب الشيوعى العراقى يعيش اوضاع غاية فى الصعوبه خاصة منذ سقوط الاتحاد السوفيتى والمنظومه الاشتراكيه وخسارة الاحزاب الشيوعية دورها المؤثر فى البلدان الغربيه, هذا بالاضافه الى ان التطورات الاقتصاديه الاجتماعيه فى روسيا اليوم والصين الشعبيه لا يمكن تسميتها اشتراكيه او تعتمد الاشتراكيه العلميه, انها فى واقع الامر نموذج لراسمالية الحزب والدوله والقطاع الخاص واصبح ذكر اسم الحزب الشيوعى والاشتراكيه فى الخطاب السياسى نوع من الشرعية اللفظيه. السؤال يفرض نفسه على قيادة الحزب الشيوعى العراقى, ما هى خططه وستراتيجيته فى جملة التحولات الدوليه, وما هى مفردات عمله كحزب شيوعى فى دولة المحاصصه الفاسده, هل سوف يتجاوز اخطائه وقراراته السابقه بقرارات اكثر علميه وقوة شعبيه مؤهلة لطرح المستقبل الجديد.