قال تعالى في سورة فاطر/43(( ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله)).
الأمر الذي لا يدركه النظام الحاكم في ايران، انه من السهل ان تضحك على شعبك، ولكم من الصعب أن تضحك على العالم كله، ومن السهل ان تضحك عليه لفترة قصيرة، ولكن من الصعب ان تضحك عليه دائما، حبل الكذب قصير مهما تفنن به النظام الحاكم، وان حبل الثقة بين النظام الحاكم والشعب سيقصر تدريجيا، كلما استمر النظام في الكذب والخداع على شعبه، وفي نهاية المطاف سينقطع الحبل حتما.
بعد الإخفاقات المتكررة لنظام الملالي، اعلن المرشد الاعلى للثورة الاسلامية الخامنئي الجهاد ضد الكورونا، بعد ان فشل محور المقاومة في الجهاد من أجل تحرير القدس، وكان الحوار المقاوم الإسلامي قد تم عبر رسالة وزير الصحة الايراني الى المرشد الأعلى، الذي أمر كافة المستشفيات والمراكز الصحية بعدم تقديم المعلومات لأية جهة كانت محلية او اجنبية عن اعداد المصابين بالفايروس، فجاء رد المرشد على رسالة الوزير” ان الشعب الايراني بكل مكوناته وأطيافه الى جانب القطاع الطبي، سيُدهش العالم بتحقيقه لشعار( سنهزم كورونا)”. ثم أعلن الخامنئي الجهاد على الكورونا ” الكوادر الطبية الايرانية قدمت نماذجا من التضحيات والإيثار في الايام الماضية، وهي بمثابة دروس لنا جميعا، وتعكس مسؤوليتها وتعهدها الديني والانساني اللذين تتمتع بهما كوادرنا الطبية، هؤلاء يجاهدون في سبيل الله”.
فهل سيتحول فيلق القدس الى فيلق الكورونا، والجهاد في سبيل القدس الى الجهاد ضد الكورونا؟
من جهة أخرى ناشد الخامنئي شعبه بالدعاء لمواجهة تفشي الكورونا، على اعتبار انه لم يبق إلا الدعاء من أجل مواجهة الوباء، ولم نعرف هل يقصد دعاء الجوشن الكبير ام الصغير ام غيرها من آلاف الأدعية التي تزخر بها كتب الشيعة لحل كل المشاكل وقضاء الحوائج، على اعتبار ان أدعية أهل السنة غير مستجابة، لأنه لا توجد فيها واسطة بين المعبود والعابد (أي الأئمة). لكن كلام خامنئي يعني اليأس والقنوط، وليس التفاؤل من مكافحة الفايروس، بمعنى انه حكم على الجهاد الجديد بالفشل، قبل أن يبدأ محور المقاومة الإسلامية بتهيئة إستحضارات المعركة، ويستبدل جبهاته في العراق وسوريا ولبنان واليمن بجبهة الكورونا.
وكالعادة كذب الخامنئي على شعبه والعالم عندما زعم بأن” المسؤولين الايرانيين أعلنوا بكل مصداقية وشفافية منذ اليوم الأول لإنتشار فايروس كورونا في البلاد، ووضعوا الشعب في صورة حقيقة الأمر”. ويبدو ان سجية الكذب لا تفارق المرشد الأعلى ونظامه، فهذه الكذبة مفضوحة لدرجة كبيرة وتثير سخرية العالم، فإن كان النظام كذب بشأن الطائرة الأوكرانية ثلاثة أيام، فإنه لحد الآن يكذب بشأن حقيقة عدد الوفيات والإصابات بالفايروس. ويبدو ان الخامنئي تجاهل تصريحاته السابقة بأن الفايروس مؤامرة على ايران بهدف الحد من مشاركة الايرانيين في الإنتخابات، التي شهدت أدنى مشاركة شعبية منذ تسلم الملالي الحكم. كما ان عدد من النواب والمسؤولين الايرانيين سبق ان اتهموا النظام بإخفاء المعلومات عن عدد الوفيات والاصابات بالفايروس، وفضحوا إدعاء النظلم بأن (الفايروس تحت السيطرة) في الوقت الذي كان منجل الفايروس يحصد رقاب الإيرانيين ومنهم بيت الخامنئي نفسه والبرلمان الايراني (20) مصابا.
صرح (عبد الكريم حسين زادة) عضو البرلمان الايراني في 6/3/2020 ان” الجثث في مدينة قم تتراكم، وان عدم عزل مدينتي قم ورشت سيجعل ايران الأولى من حيث عدد الإصابات بكورونا”. علما ان الحرس الثوري الايراني يرفض فرض حجر على قم، حيث ذكر رئيس الاستخبارات في الحرس الثوري” ان قم هي شرف الإسلام”. ولا نعرف مكة المشرفة هي شرف من حسب رؤية الأمعي؟
الأغرب منه ان وزارة الخارجية الايرانية رفضت المساعدات الامريكية والأوربية بشأن مكافحة الكورونا، وصاحب ذلك هجوما على الدول الغربية (بريطانيا، فرنسا والمانيا)، فقد اعتبرها روحاني دولا خبيثة، واشار الخامنئي بأنه هذا الدول الثلاث ذيول للولايات المتحدة الامريكية، بسبب التطورات الأخيرة في الملف الننوي والتي كشفتها منظمة الطاقة الدولية وتقارير فرق التفتيش بأن ما تخصبة ايران يتجاوز الحد المقرر بأكثر من ثلاثة أضعاف.
لكن ما الذي حصل فعلا؟
اكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية ان المساعدات الأوربية من بريطانيا وفرنسا والمانيا وصلت الى ايران عبر دبي، بقيمة (5) مليون يورو لمكافحة الفايروس. الدول الخبيثة الثلاث ساعدت النظام الملائكي لمكافحة الكورونا، لقد إنقلبت المفاهيم رأسا على عقب، فمن الشيطان ومن الملاك؟
ما يزال شبح المؤامرة مخيما على عقول النظام المتحجرة، ففي الوقت الذي انتشر الفايروس في معظم دول العالم، وكانت ايران مصدرة للفايروس للكثير منها فإن (العميد غلام رضا جلالي) رئيس منظمة الدفاعي المدني الايراني صرح ” ان نشر الخوف الفزع من تفشي الفيروس في ايران يدعم نظرية هجوم بويولوجي منظم على الصين وايران”. مع ان دولة التآمر (امريكا حسب رؤية النظام) تعاني من الفيروس ورصدت (8.3) مليار دولار لمكافحته.
رفض النظام الايراني وفد (اطباء بلا حدود) الذي جاء الى ايران للمساهمة في القضاء على الكورونا او الحد من انتشارها، وكان الوفد يصطحب مستشفى ميداني ومحملا بعدد كبير من الأقنعة الواقية والمعقمات والأدوية والأسرة والعدد الطبية، ووصف النظام الايراني المنظمة بأنها” قوى أجنبية غير مرحب بها”،علما ان المنظمة التي تتخذ من فرنسا مقرا لها، هي مؤسسة انسانية غير ربحية وليس لها علاقة بالجوانب السياسية. إن رفض الخامنئي يثير الحيرة في الوقت الذي بلغت فيها الوفيات (10500) مواطن وتفشى الفيروس في (31) محافظة، فقد برر النظام رفضه لمساعدة المنظمة لأن الرئيس الفرنسي أعلن عن تأييده للحصار الامريكي المفروض على ايران، علما ان الحرس الثوري الايراني يعتبر المنظمة “خاضعة للمشوع الامريكي”، دون ان يقدم دليلا واحدا. مع ان المنظمة لا تمثل لا الرئيس الفرنسي ولا الامريكي، وهذا الرفض انما يعني ان طلب ايران قرضا من صندوق النقد الدولي لمكافحة الفيروس كان لأغراض دعائية داخلية على اعتبار ان الحصار الامريكي يقف وراء عدم قدرة ايران على مواجهة كورونا.
قال الخامنئي في آخر تصريح ” ان الأعداء من الإنس والجن، هم موجودون، وهم يساعدون بعضهم البعض في الكثير من البلدان ويتعاونون ضدنا”.
قد فهمنا ان عالم الأنس يعادون النظام لأنه يمثل الدولة الراعية الأولى للإرهاب، لكن ما بال عالم الجن يعادي النظام الايراني؟ الم يقل النظام ان الحصار الأمريكي على ايران وفر فرصة للتنمية الإقتصادية، على أساس ان النمو العلمي والإقتصادي في ايران أكثر من جميع دول العالم. ولكن كيف يفسر النظام طلبه الإقتراض من صندوق النقد الدولي، والحصول على قرض روسي بمقدار (5) مليار دولار ـ هذا قبل تفشي وباء كورونا ـ علما ان الميزانية لهذا العام حددت سعر النفط الايراني بـ (50) دولار للبرميل، علاوة على تبرع الإتحاد الأوربي (20) مليون يورو لدعم النظام في مكافحة الكورونا؟ بل ان الأمين العام للأمم المتحدة ناشد دول العالم بمساعدة النظام الإيراني دون غيره من دول العالم لمكافحة الفيروس بناء على إتصال من وزير الخارجية محمد جواد ظريف.
إن التناقضات في تصريحات المسؤولين الإيرانيين تثير الحيرة، مثلا خاطب الرئيس روحاني الشعب الامريكي مستعطفا” ان العقوبات الامريكية الحقت الضرر بالعديد من المواطنين الايرانيين على صعيد صحتهم ووظائفهم ودخلهم”. مع ان روحاني نفسه سبق أن قارن بلاده بالدول الاوربية كبريطانيا وفرنسا وبرلين موضحا ” ان متاجر هذه الدول افرغت من السلع، والمستشفيات عاجزة عن إستقبال المرضى، بينما ايران وفرت هذه المواد، وخاصة المواد الغذائية والصحية”. ويأتي تصريح محمد جواد ظريف ليدخلنا في متاهة جديدة بقوله” ان ايران لا تستطيع شراء الأدوية، حتى وان كانت تمتلك الموارد، والإيرانيون يموتون، دون ان يحرك المجتمع الدولي ساكنا”. ومن المعروف ان الإدارة الامريكة أعفت المواد الغذائية والأدوية من الحصار. بل ان حكومة ايران باعتراف مدير مكتب روحاني (محمد غازي) أقرت بإختفاء مليار دولار من خزينة الدولة كان مخصصا لشراء الأدوية والسلع الاساسية.
في خضم هذه التناقضات في التصريحات، أين يا ترى الحقيقة، هل مع الخامنئي والجن، اما مع روحاني المتفائل ام مع ظريف المتشائم؟
قال الأفوَه الأوْدِيّ:
لا يصلح الناسُ فوضى لا سراةَ لهمْ … ولا سَرَاةَ إذا جهالهُم سادوا
(قواعد الشعر).