تنوعت حسابات الفلاسفة في تقييم الوجود، فالفيلسوف الألماني جورج فيلهلم فريدريش هيجل.. أحد أهم مؤسسي المثالية، أواخر القرن الثامن عشر، عد الجدل التاريخي، محركا لنمو البشرية، وقال كارل ماركس، بالديالكتيك المادي، محركا.
الجدل.. أي الديالكتيك.. توزع بين تاريخية هيجل المثالية ومادية ماركس الشيوعية، فلسفة ترخي سدولها من رأس الستارة.. في ألمانيا، على العالم كله، فحتى الفكر الرأسمالي، يدور في فلك المادة والمال والاقتصاد وشؤونهما المتداخلة، بحيث حققت الوجود وقومت كيانه، متساميا الى: “أحسن تقويم”.
لكنه طغى “يفسد فيها ويسفك الدماء” لذا تجيء الحروب والاوبئة والمجاعات، لتذكره بضعفه.
“خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ”.
الرب ينتهج الثواب والعقاب، في تقويم مسارات الطبيعة؛ فكلما تفوق العلم، أنسفحت المنجزات المدخرة.. متسربة من ثقب جهل أسفل الخزانة.
ولهذا أهين كبرياء البشرية مرتين، عبر التاريخ.. المرة الأولى: عندما قال دارون بأن أصل الإنسان قرد، تلك النظرية التي حطت من رفعة معنى أن يكون الإنسان فوق الجميع، إنسياقا مع شعور إبليس بأن الله خلقه من نار وخلق الانسان من تراب.. عائد الى الثرى “على آلة الحدباء محمول” مهما زاغ عن قدره.
نظرية دارون، فندتها الخريطة الجنية والكروموسومات والـ DNA لكن هيبة الملوك والمقدسين والأباطرة والحسناوات.. سقطت، برغم عدم إقرار النظرية بايلوجيا – حيويا.
تلقت الإنسانية صفعة مهينة ثانية، عندما أثبت غاليلو أن الأرض ليست مركز الكون، وأنها كوكب هامد يتبع الشمس، دائرا حولها ليستمد وجوده من لهيب نورها الساطع المضيء.
فلا برج بابل ولا هامان ويأجوج ومأجوج ولا هرقل ولا… ولا قسطنطين: “أنا الدولة” ولا فرعون: “أنا ربكم الأعلى” ولا… يحزنون.
والآن.. نتلقى الإهانة الثالثة، التي تمد أثرها الى عب المستقبل وغيب الآتي.. گورونا فايروس لا يرى بالعين المجردة، حط جبروت الطغاة وأجاء بالعلماء الى منطقه؛ فلم يجدوا سوى إتقائه.. متوارين في البيوت هرباً وليس مواجهة.
ولأن المثل الشعبي يقضي بأن: “الثالثة فيها المنايا” فلا أظن جائحة گورونا ستمر من دون تبعات مستقبلية تنعطف بمجرى التاريخ، محققة جدليتها في ديالكتيك يهجن الكبرياء ويهذب التعالي و(يرهدن) المندفعين السادرين في غيهم يعمهون؛ كي يخضعوا لمنطق الواقع الميداني، بعد أن ثبت ألا صوت يعلو على تجربة گورونا وديالكتيكه.