بدءا وحتى لايخرج الكلام من موضع النص والسياق فيفهم على انه ميل او ميلان لقبيلة كتلوية او جهة سياسية او قطب اقليمي ,بل في حقيقة الأمر انني اخوض في منهجية الرصد والتشخيص الواقعي المنطلق من فهم وادراك علمي لمنطق سياسي يعي ان احد الاركان الاساسية لرسم كيان دولي في خارطة الوجود السياسي , يقع في طبيعة وادارة المصالح القومية مابين تلك الدول من جهة و من جهة اخرى قائم على القاسم المشترك الجيوسياسي , لا ان ينبري التشخيص بلباس التسقيط و الشخصنة التي تنحسر رؤيتها في مديات مبتورة الافق, وهو مايدفعني الى بالتوقف في ابعاد زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الى العراق مؤخرا في خضم الاستعدات الغربية الرامية الى تشغيل الماكنة العسكرية في الارض السورية , والراغبة في قلب التربة السياسية في الشرق الاوسط على وجه اعم.
بداية ان اعرابات المشهد الاقليمي في الظرفية الراهنة هو اخطر ما يشهده الشرق الاوسط خلال المئة عام المنصرمة, فربما تبادل الادوار والاختلاف في ميزان القوى العالمية فضلا عن شكل ومضامين الارادات الدولية مع يترافق معها من انشطار تكنولوجي عسكري سريع الانتشار والدمار , قد اجلست منطقة المتوسط فوق بركان الاحتمال و المنعطف , حتى بدأت تباشير ولادة محرقة عالمية بشرية تقترب من خط الشروع , وهنا نتكلم عن “تفاحة ادم” سوريا التي قد تحذف وتشطب وتضيف الكثير في قاموس الثابت والمتحرك في المعادلة الدولية, فأذا ما نظرنا باتجاه مايحدث الأن سنجد اننا امام طوفان عارم يحمل في مجراه الشكل الاثني والمذهبي والديني , كادوات تنفيذ بغطاء انساني من أجل ضرب العمق الاستراتيجي لبعض الدول الواقعة تحت خط الاستواء السياسي ,ايران , سوريا ,العراق.
اذا نحن نتكلم عن شواخص وضعها البيت الابيض اهداف له مع الاختلاف في التوقيت في اطلاق الرصاص, غير انها حتما ستكون بقعة الزيت التي تنسكب في سوريا وتمتد فوق حدود الدول الاخرى , وبما ان ايران اليوم الجملة الاوسطية الثقيلة في كتاب الولايات المتحدة لماذا لايراعى ان تلك الزيارة الايرانية الى العراق , هي بمثابة قراءة للنص في تداعيات الحدث و اجراءات استباقية في مواجهة اسقاطات التحرك الغربي تجاه دمشق في التربة العراقية,فلماذا قرأها البعض في حدود الصفقة المخلة بالشرف .
حقيقة مازال البعض من السياسين في العراق متمسكا ببطاقة المد الاقليمي على حساب الذات الوطنية , فبقاء ايران لاعب مؤثر في المشهد الدولي سيعكر صفوة المياه للمسارالسعودي التركي القطري الراغب في نشر وباء الاسلام المتطرف فوق حواضن العروش المتساقطة ربيعيا ,ولم يفهم ابدا انه اذا ماحدثت ان وقعت الولايات المتحدة في الفخ السوري , ستجر المنطقة بأسرها الى اتون الاحتراق والمحرقة, رغم انني قلت مسبقا ان امريكا لن تقدم على ضرب سوريا واوضحنا حيثيات واسباب ذلك في مقالنا السابق “سوريا لن تضرب” , مع ان معظم القوى السياسية في العراق وعلى مختلف مشاربها الفكرية والدينية قد فهمت الرسالة مما يفضي اليه الحل العسكري في سوريا لتطلق موقفها الواضح والمعلن بالاصطفاف وراء المخرج السياسي للازمة السورية .
التعامل مع الاخر في الميزان الدولي يجب ان ينطلق من معادلة الارقام والاوزان لها , فأيران الشاه التي كتب عنها عميد الصحافة العربية محمد حسنين هيكل ابان ثورة مصدق “ايران فوق بركان” ليست هي ايران الخميني , التي كتب عنها “مدافع اية الله” ,وبالتالي علينا ان نفرق بين مشروع وطني قائم على مصالح وطنية وبين انسلاخ وطني قائم على مشروع اقليمي.