تأسس هذا المسرح في موسكو عام 1925 , ومرّ طبعا – منذ ذلك الوقت ولحد الآن – بمختلف المراحل المتنوعة وحسب الاحداث التاريخية السوفيتية المعروفة , و التي كانت سائدة آنذاك , وليس هدف هذه المقالة الحديث عن تاريخ المسرح العتيد هذا, اذ اننا نود ان نتحدث هنا فقط عن نقطة واحدة محددة ومتميّزة جدا في مسيرة هذا المسرح , وهي , كما يشير عنوان مقالتنا , مسألة تحويله الى مركز بطراز خاص جدا للفنون , وهي ظاهرة فريدة جدا في تاريخ المسارح الروسية ومسيرتها بشكل عام , لم تحدث سابقا , ولم تتكرر لاحقا حسب معلوماتنا المتواضعة في هذا المجال.
تمّ تحويل هذا المسرح الى مركز غوغول عام 2012 . وجرت تحويرات في نفس تلك البناية , بحيث اصبحت تضم عدة اماكن وقاعات منفصلة عن بعضها البعض , يمكن لها ان تعرض عدة نشاطات ثقافية مختلفة في آن واحد , وتمّ كذلك تأهيل تلك القاعات للعروض السينمائية , وتم تهيئة اماكن في البناية لأقامة معارض لغرض عرض الكتب والمطبوعات كافة وبيعها ايضا , واماكن معدّة لعقد الندوات الفكرية والاجتماعات المختلفة و القاء المحاضرات , واقامة معارض عرض اللوحات التشكيلية , وحتى تم تنظيم مقهى خاص , حيث يمكن لكل من يهتم بالشؤون الثقافية ان يجلس هناك ويدردش مع زملائه حول تلك الامور المرتبطة بتلك الاهتمامات الثقافة في مختلف فروعها وشعابها العديدة . وباختصار , حولّوا مسرح غوغول الى مركزثقافي حقيقي بكل معنى الكلمة لمختلف النشاطات الفنية, مركز يحمل اسم غوغول طبعا ويتناسب مع مكانته الكبيرة والمتميّزة في عالم الفكر الروسي والعالمي , وهكذا بدأ هذا المركز بالمساهمة في الحياة الثقافية الروسية وتفعيلها . وكما يحدث عادة في كل مكان , فقد أثار هذا العمل غير الاعتيادي ردود افعال مختلفة , اذ هناك من تقبّل هذه الخطوات الجديدة بحماس وتأييد كبير , وهناك من وقف ضدها بشدة وحزم ايضا , وكل جانب من هؤلاء كان يدافع عن رأيه ووجهة نظره , ومصالحه طبعا , اضافة الى الثرثارين والطفيليين والمدّعين وذوي النفوس المريضة نفسيا , الذين ( يدلون بدلوهم !!!) في مثل هذه النقاشات والحالات والتغيّرات , وهم ( يوزعون!) النصائح والارشادات والحكم والتعليقات والخلاصات, وهؤلاء – كما هو معروف – يبرزون في كل المجتمعات … .
ترتبط كل هذه التغّيرات في مسرح غوغول باسم الفنان المسرحي سريبرينيكوف , الذي اصبح عام 2012 المدير الفني لهذا المسرح , وهو الذي اقترح تحويله الى مركز , واستطاع الحصول على الموافقات الاصولية اللازمة بشأن تنفيذها .
ولد كيريل سيميونوفيتش سريبرينيكوف بالاتحاد السوفيتي عام 1969 في مدينة روستوف , وبرز هناك في عالم المسرح المحلي لتلك المدينة , وانتقل الى موسكو عام 2000 , واصبح واحدا من الفنانين البارزين الروس في مجال المسرح والسينما , وهو شخصية متميّزة اينما يعمل ويحلّ , ومن المؤكد ان تثير هذه الشخصية الفنية الناجحة الضجة حولها , وقد وصلت هذه ( الضجّة !) حتى الى المحاكم الروسية , التي تحاكمه منذ اكثر من سنتين بتهمة (سرقة!) اموال احدى الفرق المسرحية التي يديرها , ولكن على الرغم من كل هذا الضجيج حوله والحملات ضده , فانه يستمر بعمله الابداعي في المسرح والسينما , والحديث عن هذا الفنان الروسي المعاصر يتطلب مقالة خاصة تفصيلية طبعا كي تعرض ما له وما عليه كما يقولون , ولكني اريد ان اتوقف قليلا عند نقطة طريفة جدا في مسيرة ابداعه , نقطة تكمن في تناوله لبعض روائع الادب الروسي والعالمي وتحويلها الى مسرحيات تعرض على خشبة المسارح , ويمكن الاطلاع فقط على ريبورتوار مركز غوغل لعام 2020 لمعرفة هذه النقطة الفريدة والمتميّزة في ابداع ومسيرة مركز غوغول . نجد في قائمة هذا الريبورتوار تلك الروائع الادبية وتحويلها الى عروض مسرحية في القاعة الكبرى او القاعة الصغرى للمركز , فهناك مثلا رواية غوغول – الارواح الميتة ( والتي يسميها بعض زملائي العراقيين والعرب الانفس او النفوس الميتة خوفا من اجتهادات اللاهوتيين الجدد في عالمنا العربي العاصف !!) , وهناك ايضا رواية الكاتب الاسباني سرفانتس – دون كيخوته , وهناك ايضا اعمال ترتبط بالشعرمثل الشاعر الروسي الكبير نكراسوف ( وهو ابرز شاعر روسي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر) وملحمته الشهيرة , او قصائد ماندلشتام , او آنّا أخماتوفا , او ماياكوفسكي , او بوشكين …
وأنا اكتب هذه السطور تذكرت صورة رهيبة شاهدتها لمسرح بغداد , حيث كانت فرقة المسرح الفني الحديث تقدّم روائعها . الصورة تلك تعرض مسرح يوسف العاني وسامي عبد الحميد وقاسم محمد… وقد تحوّل الى مكبّ للنفايات و الازبال ….