19 ديسمبر، 2024 1:43 ص

احمد حسن البكر: الرجل الأول في انقلاب 30 تموز 1968

احمد حسن البكر: الرجل الأول في انقلاب 30 تموز 1968

محدود الثقافة والمعرفة.. طموحاً..أنانياً.. مراوغاً.. إذا وعد أخلف.. له القدرة على الخداع والتآمر والغدر.. ترك انطباعا بعدم نظافة ملبسه وهندامه.. وكان البعض يطلق عليه كنية “أبو ياخة الوسخة” حتى قيام ثورة 14 تموز 1958.

الغدر .. ميزته:
ـ وصفه عربي فرحان الخميسي.. الذي كان طالباً في الكلية العسكرية معه ثم زميلاً له.. بالغدر.. حيث قال: “كان رجلا طموحاً أنانياً طائفياً متعصباً دينياً.. حيّالاً مراوغاً.. أفكاره قومية بتطرف شديد.. أصدقاؤه: رشيد مصلح ومن بلدته ودورته وعبد اللطيف الدراجي وحسن عبود ومجيد حسين السامرائي وعبد الغني الراوي وجابر حسن وطاهر يحيى.. كل هؤلاء غدر بهم.. وكان حردان التكريتي من طلابه المدللين أيام الكلية العسكرية”.
ـ أكد علاء ألدين الظاهر: “إن أهم ما تميز به البكر الغدر بأصدقائه وزملائه.. فقد نقل لي حاتم مخلص إن حردان التكريتي قبل سفره الى خارج العراق على رأس وفد رسمي زار والده جاسم بحضوره ليقول انه حل كل خلافاته مع البكر حيث كان حردان يعترض على تصرفات الجناح المدني لحزب البعث.. فأجابه جاسم مخلص باللهجة التكريتية «وَلْ كِتَلَك»”!
وبعد مغادرته العراق اتصل حردان التكريتي بصديقه فاضل العساف الذي كان قد أصبح سفيراً في المغرب بعد نقله من مديرية الشرطة العامة ليطلب منه الاستعداد لمرافقته لحضور اجتماع الهيئة العمومية للأمم المتحدة.. ولم يمض يومان حتى عُزل حردان التكريتي من جميع مناصبه.. وعندها اتصل بالعساف مرة أخرى ليخبره بأن: “الجماعة في بغداد سفلة لا ينفع معهم شيْ”.
ـ أما عبد الكريم فرحان في كتابه حصاد ثورة فيقول: “لم يكن ضابطاً لامعاً.. فهو من درجة عسكرية أدنى لكنه أعتقل ورفعته صلته بحزب البعث وعلي السعدي”.. ومع حكم البكر انفتح الباب على مصراعيه لتعيين الأقارب والأصهار وأبناء العشيرة والبلدة والأصدقاء”.. وأضاف: “لم أشاهده ينفعل أو يغضب.. لكنه لا ينس.. وعندما تحين الفرصة ينتقم بقسوة”.. ووصفه بالرجل الشجاع الذي يهمه بلوغ هدفه بصرف النظر عن الوسيلة”.
ـ يقول هاني الفكيكي أحد قيادي البعث: “البكر شخصية موهوبة القدرة على توظيف مظهره البسيط وقدراته الفكرية والسياسية المحدودة.. وكثيرون هم أولئك الذين خدعوا به.. وسموه بالسذاجة.. لكنه يستبطن مكراً لا حدود له.. وقدرة على خداع الخصم والغدر به”.
ـ الوزير جواد هاشم يقول “كان البكر بسيطاً ومتواضعاً في مسكنه وملبسه وتصرفه مع عائلته.. وكانت بساطته في شؤون الدولة الاقتصادية والمالية تصل إلى حد السذاجة.. وكان يتدخل في كل كبيرة وصغيرة.. إلى الحد الذي يدعو إلى التساؤل: كيف يستطيع الرئيس التفكير إستراتيجيا؟ وهل لديه الوقت للتفكير.
ـ كان مصابا بالسكري.. فقد يثور لأتفه الأسباب.. ويتخذ قراراً.. ثم يهدأ بعد ساعة ويلغي القرار!!
ـ هوايته الوحيدة: الاستماع للغناء الريفي.. خاصة (السويحلي).. و (العتابة.. و (النايل)… ومطربه المفضل: ضيف الجبوري.

السيرة والتكوين:
ـ ولد احمد حسن بكر العام 1914 في تكريت.. لأب كان يعمل قاطعاً للتذاكر بالسكك الحديدية.. وبعد أن أنهى الدراسة الابتدائية التحق بدورة معلمين الريفية.. وعين معلماً ريفياً في المدارس الابتدائية بتكريت لستة أعوام.. ولم يفلح في الحصول على الشهادة الثانوية رغم محاولاته المتكررة.
ـ عندما افتتح الملك فيصل الأول صفا بالكلية العسكرية ببغداد خاصاً لأبناء العشائر في الفرات الأوسط والعشائر الجنوبية.. لم يشترط القبول فيه إنهاء الدراسة الثانوية.. التحق البكر وآخرين من تكريت بمساعدة مولود مخلص وتخرج منها بعد تسعة أشهر.. ولم يعين قائداً لوحدة عسكرية.. بل عمل ضابط إعاشة وإدارة وتموين.
ـ يذكر جرجيس فتح الله عندما التحق البكر بدورة الضباط الاحتياط كان خائفاً من آمر الدورة ويخشى منه تأخير ترفيعه.
ـ لم يشارك البكر في حرب فلسطين 1948.. التي أعطت للعديد من الضباط العراقيين الذين برزوا في الحرب نوع من “الشرعية” للتدخل في السياسة فيما بعد.
ـ لم يحصل على “شرعية” بديلة أو مساندة مثل: شهادة الأركان.. أو قيادة وحدات عسكرية كبيرة أو المشاركة في عمليات الجيش القتالية.. وبقيً ضابطا خاملاً دون إي تاريخ عسكري.. ففي المسيب كان يقضي معظم أوقاته مع بعض الضباط المتدينين أمثال: محمد فرج.. الذي قام البكر بإعدامه في كانون الثاني 1970.. أو مع بعض الضباط المسلكين.

البكر.. وثورة 14 تموز 1958:
بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 حاول عبد السلام عارف تعيين البكر آمراً للواء العشرين.. لكن عبد الكريم قاسم عارض هذا الاختيار بسبب عدم صلاحية البكر.. إلا إن عبد الكريم قاسم وافق بعد إلحاح عبد السلام عارف على تعيين البكر آمراً لأحد أفواج اللواء العشرين.. وبعد عزل عبد السلام عارف حاول البكر القيام بانقلاب عسكري.
ـ بعد فشل حركة عبد الوهاب الشواف تم اعتقال احمد حسن البكر في 19 نيسان 1959 وتمت مصادرة أمواله وأحيل على التقاعد.

انتماؤه للبعث:
كان البعثيون يحاولون كسب ضباط في الجيش لإنجاح محاولاتهم الانقلابية.. وفي العام 1961 وجدوا في البكر ذي الرتبة العالية (عقيد) ضالتهم وهو وجد ضالته فيهم.. الذي كان معتقل معهم.. وعن انتمائه للبعث يتحدث حسن العلوي نقلا عن البكر: “إن الويلاد.. أي الأولاد البعثيين أو أبناء تكريت فاتحوه بالانضمام لحزب البعث.. فسألهم: هل تصلون وتصومون؟ قالوا: نعم.. فوافق في الحال على أن يكون بعثياً”.

البكر.. وانقلاب 1963:
بعد انقلاب 8 شباط أصبح البكر رئيسا للوزراء.. فكان ألبعثي الوحيد الذي لا يعرف تاريخاً سياسياً أو حزبياً قبل ظهوره رئيسا للوزراء.

ـ يقول المقدم جلال صدقي.. وهو من زملاء الزعيم عبد الكريم قاسم بالكلية العسكرية كما كانت له علاقة بالبكر في مذكراته: “تنبأ فتاح فال باكستاني للبكر.. عندما كان برتبة ملازم ثاني بأنه سيصبح رئيسا للجمهورية.. فرفض البكر أن يدفع للفتاح فال الخمسين فلساً أجرته.. فنظرً هذا إليه”.

استيراد وسائل تعذيب المعتقلين:
يقول طالب شبيب وزير الخارجية انقلاب 8 شباط : إن احمد حسن البكر ورشيد مصلح وآخرين أسهموا في تجهيز مراكز التعذيب الرئيسة في بغداد بعد 8 شباط 1963 بأجهزة ووسائل التعذيب.. لتعذيب المعتقلين من قاسميين وشيوعيين ديمقراطيين.
لم يمض ثلاث شهور على حركة 18تشرين الثاني 1968 التي قام بها عبد السلام عارف ضد الحرس القومي والبعث وشارك فيها البكر.. حتى فرض عارف على البكر الاستقالة.
ـ عاد بعدها إلى حزب البعث وشارك في المحاولة الانقلابية للبعث في 5 أيلول 1964.. لكن السلطة كشفتها قبل تنفيذها واعتقل البكر لفترة وجيزة حيث أطلق سراحه.. بعدما ألحً عبد الكريم فرحان وسعيد صليبي بالإفراج عنه.. فتم الإفراج عنه بعد وساطة عارف عبد الرزاق المباشرة بعد أن أعلن البكر براءته من حزب البعث واعتزال السياسة والانصراف لتربية أولاده.

البكر.. و18 تشرين الثاني 1963:
شارك البكر بالحركة الانقلابية التي قادها عبد السلام عارف.. لإزاحة الحرس القومي (الجناح العسكري لحزب البعث) في ضربة تم تنفيذها في 18 تشرين الثاني العام 1963.. وكانت ضربة قاسية لهذا الحزب.. وأطلق عليها احمد حسن البكر.. الذي أصبح نائباً لرئيس الجمهورية.. عبارة (الحركة التصحيحية).
كان لابد لعارف أن يعفي بقية قادة الحزب وينهي نشاط حزب البعث.. حيث يذكر الكادر الناصري صبحي عبد الحميد: حين بدأ البكر بإعادة تنظيم حزبه.. من خلال الاجتماعات التي كان يعقدها في القصر الجمهوري.. ثار عبد السلام عارف وطلب من البكر نقل مكتبه إلى خارج القصر الجمهوري.. فاختار البكر مبنى المجلس الوطني.. وكان عارف يراقب تحركات البكر ويتابع نشاطه.. فغضبً البكر واعتكفً في بيته وتوقف عن ممارسة مهماته الرسمية (نائب رئيس الجمهورية).. وقد أرسل إليه عبد السلام عارف حردان التكريتي الذي أصبح نائب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع وكذلك العميد سعيد صليبي (آمر الانضباط العسكري وآمر موقع بغداد) لإقناعه بتقديم استقالته.. في حين أكد سعيد صليبي: إن عبد السلام كان مصمماً على عدم السفر الى القاهرة لحضور مؤتمر القمة العربي الأول (الذي يعقد في 17-24 كانون الثاني العام 1964) ما لم يقدم البكر استقالته.. لأنه كان يخشى أن يشغل موقعه (نائب رئيس الجمهورية) ويقوم بحركة انقلابية ضده.. وهو في القاهرة.. وان من الأفضل له أن يستقيل لان عارف سيضطر إلى إقالته.. فقدم البكر استقالته أوائل كانون الثاني 1964.
وفي أيلول من العام نفسه أمر عارف باعتقاله بتهمة التآمر لإسقاطه.. ثم أمر بنقله من معسكر التاجي إلى موقع الحرس الجمهوري.. بعد أن شكا من تصرفات مدير الهيئة الحقيقية العقيد بشير الطالب.. وقد أطلق عارف سراحه العام 1965 بعد تدخل سعيد صليبي وعارف عبد الرزاق وعبد الكريم فرحان وطاهر يحيى وصبحي عبد الحميد.

البكر.. وانقلاب تموز 1968:
ـ بعد انقلاب تموز 1968 انفتح الباب على مصراعيه للبكر لتعين الأقارب والأصهار وأبناء العشيرة والبلدة والأصدقاء.. وظهر ولائه الضيق لأبناء منطقته.. وشارك مع غيره من الضباط البعثيين مثل: طاهر يحيى التكريتي ورشيد مصلح التكريتي وحردان التكريتي وسعيد صليبي مع عبد السلام عارف في الانقلاب على حزب البعث في 18 تشرين الثاني 1963 حيث أصبح نائباً لرئيس الجمهورية.
ويضيف عبد الكريم فرحان قائلاً: “لم أشاهده ينفعل أو يغضب.. لكنه لا ينس.. وعندما تحين الفرصة ينتقم بقسوة.. ويهمه الوصول إلى هدفه بصرف النظر عن الوسيلة”.
ـ يتحدث صلاح عمر العلي (القيادي في البعث) عن شخصية البكر خلال حواراته في قناة الجزيرة.. في برنامج (شاهد على العصر) قائلاً: “في أحد الأيام طرح البكر في اجتماع قيادة الحزب فكرة ذهاب أحد المسؤولين يحمل رسائل من رئيس الجمهورية إلى القادة في دول المغرب العربي لشرح وضع العراق ويلتقي الإعلام فاستحسنا الموضوع.. فرشح البكر صالح مهدي عماش لهذه المهمة.. وبعد سفر عماش بيومين أو ثلاثة دعا البكر الى اجتماع استثنائي للقيادة.. وإذا بالبكر يفاجئنا بجو من التمثيل المتقن بأن لديه معلومات قاطعة بأن صالح مهدي عماش يتآمر على الحزب والثورة.. وأنا أطلب من هذا الاجتماع اتخاذ القرار المناسب.. وسرعان ما انقسم المجتمعون الى قسمين.. الأول: يتمثل بطه ياسين رمضان وعزة الدوري وبقدر أقل صدام كان يناور بالموضوع.. وطبعا البكر يطالبون بإعدام عماش.. فيما القسم الثاني اتخذ موقفا مضاداً وطال النقاش.. وأخيراً تم تأجيل الموضوع حتى عودة عماش من سفره.. وتبين إن كل الموضوع كان لتهيئة المناخ لاختيار صدام نائباً للبكر بعد استبعاد عماش.. وهو ما حصل فقد طرح هذا الموضوع في الجلسة التالية وقبل عودة عماش من سفره ونجحوا فيما أرادوا”.
في كانون الثاني 1970 أعلن عن اكتشاف مؤامرة لقلب نظام الحكم فقرر البكر تشكيل محكمة خاصة تكونت من: طه الجزراوي.. وعزة الدوري.. وعلي رضا باوه.. قامت المحكمة شكلياً بمحاكمة المشاركين في المؤامرة وإعدامهم خلال ساعات من القبض عليهم.. وفي واقع الحال مات العديد منهم تحت الضرب والتعذيب.. ولم تكن هذه “المحكمة” تمتلك أية معرفة قانونية أو تتبع مبادئ القانون أو المحاكمات ولم يكن هناك هيئة دفاع أو حتى ادعاء عام ضد المتهمين.
ـ لم يسلم مدحت الحاج سري من الإعدام فقد تم إعدامه بتهمة التجسس.. وقد تعرض مدحت الحاج سري إلى أبشع أنواع التعذيب.. واجبر على تقديم هذا الاعتراف الكاذب تحت التهديد بالاعتداء الجنسي على زوجته.. ولم يكن مدحت الحاج سري الوحيد ممن قدم اعترافاً مماثلاً تحت ظروف مماثلة.. فقد اُستخدمت زيارة روبرت أندرسون وزير المالية الأميركي الأسبق لرشيد مصلح التكريتي لتوجيه تهمة التجسس إليه.. وكان أندرسون يعمل لإحدى الشركات الأميركية (كما هو الحال عند انتهاء خدمة الساسة الأميركيين).. ويحاول التوسط للحصول على امتياز للتنقيب عن الكبريت.. وتحت تعذيب قاس أعترف رشيد مصلح باستلامه رشوة بقيمة مائتي دينار من الزائر الأميركي.. وحتى إن صح الاعتراف فهو في أسوأ الأحوال اعتراف بقبول رشوة لا يمكن أن تصبح مساوية إلى تهمة التجسس الخطيرة أو تستحق الإعدام..

المنصب أولا:
بعد انقلاب 17 تموز 1968 قام البكر باعتقال عبد الكريم فرحان.. الذي تعرض مع طاهر يحيى التكريتي وغيره من ضباط وسياسيي العهد ألعارفي إلى أبشع ألوان التعذيب.. وعندما سنحت لفرحان الفرصة اخبر عائلته بما كان يتعرض له من تعذيب طالباً منها إخبار المسؤولين حيث اعتقد إن القيادة السياسية لم تكن تعرف بما كان يتعرض له السجناء.. بعدها جاء ناظم كزار الذي كان يشرف على التعذيب إلى المعتقل ليشتم المعتقلين ويعرضهم إلى ألوان جديدة من العذاب بسبب الشكوى التي أوصلوها إلى البكر.
في الواقع كان البكر مصمماً على البقاء في السلطة هذه المرة مهما كان الثمن.. فقد قال لطالب شبيب بعد الانقلاب بأنه سيذبح هيثم (ابنه) إذا اقتضى الأمر.. ورفض البكر وساطة احد الوزراء السابقين للإفراج عن طاهر يحيى وبعض وزرائه قائلاً: (إحنا عاضينها ـ أي السلطة ـ بسنونا).

عقدتا البكر:
بعد مدة من براءة البكر من حزب البعث وموت عبد السلام عارف ومجيْ عبد الرحمن عارف.. الذي منح الحرية النسبية للأحزاب المعارضة.. وجد البكر إن المناخ مناسباً للعمل السياسي.. فأرسل إلى حزبه رسالة توبة وعاد البكر وغيره إلى العمل الحزبي دون صعوبات تنظيمية.. لكن البكر ظل يعيش تحت وطأة البراءة.. وتحت عقدة أخرى حتى يومه الأخير.. وهي تحالفه مع عبد السلام عارف وطاهر يحيى في انقلاب 18 تشرين الثاني 1963 ضد حزب البعث.
يبدو إن صدام كان يعرف نفسيته وعقده.. فاستطاع من خلالها أن يمرر على البكر قرارات خطيرة لم يكن البكر مستعدا للتورط في بعضها لولا تلك العقدتان (تشرين.. والبراءة).. ففي تصفية العسكريين المشكوك بولائهم لصدام.. كان الأخير يذكره بتحالفه في 18 تشرين!! كذلك إخضاع البكر لقرارات المنظمة الحزبية وقبول صيغ لم يكن صدام يقبلها لو طلبت منه.. وعندما أصبح رئيساً كانت التوبة الحزبية أمام البكر دائماً.

البكر .. أول من أساء للمؤسسة العسكرية:
رغم احترام البكر الظاهري للمؤسسة العسكرية.. إلا انه سحق بأقدامه القوانين العسكرية والأنظمة.. فقد منح للبعثيين المدنيين رتبا عسكرية العام 1963.. ووافق مع غيره من قادة البعث على ترفيع عبد السلام عارف من رتبة (عقيد) الى (مشير).. وصالح عماش من مقدم الى (فريق).. وحردان التكريتي من (مقدم) الى زعيم (عميد).. واحتسب لنفسه ولبقية ضباط الانقلاب فترة الإحالة على التقاعد في عهد عبد الكريم قاسم خدمة لغرض التقاعد والترفيع.. وبهذا حصل هو ورشيد مصلح وطاهر يحيى وغيرهم من ضباط الانقلاب على رتبتين أو ثلاثة أعلى.
ـ وبعد انقلاب 1968 وافق على ترفيع إبراهيم عبد الرحمن داود من رتبة (مقدم) الى (فريق).. وحردان التكريتي الى رتبة (فريق).. وعماش الى رتبة(فريق أول).. مع احتساب فترة التقاعد في العهد ألعارفي خدمة لغرض التقاعد.
ـ وشملت هذه القرارات كل الضباط البعثيين.. وقام البكر بترفيع حماد شهاب التكريتي من رتبة عميد الى (فريق).. ومنح رتبة (فريق أول) للرائد سعدون غيدان.. كما منح رتبة (نقيب) لسائقه العريف.. الذي اخذ يترفع مع بقية الضباط.
ـ وفي العام 1976 منح صدام حسين رتبة (فريق أول).
ـ لكن البكر نفسه بدا بعد الانقلاب متعففا عن منح الرتب لنفسه.. وخدع الناس عندما ظهر برتبة (عميد)..مع انه رفّع نفسه العام 1963 وهو يشغل منصب رئيس الوزراء المدني الى (رتبة لواء).. لكن هذه الخديعة لم تستمر طويلا.. فلم يمض شهران على الانقلاب حتى منح نفسه رتبة (المشير) بعد تسميتها بـ (المهيب).. وكان سبب هذه التسمية الجديدة النكات التي كانت تطلق على عبد السلام عارف مثل :(المشير الفطير).

خفايا استقالة احمد حسن البكر:
كان يومي 10 و 11 تموز العام 1979 محل استفهام في دائرة المحيطين بالرئيس البكر.. فقد قيل: انه اعتزل الحكم.. فعقد الأمين العام المساعد منيف الرزاز اجتماعاً للقيادتين القومية والقطرية في العراق في منزله حاول فيه تقريب وجهات النظر.. غاب عنه الكثيرون.. ولم يتم التوصل إلى تفاهمات.. ثم عقد اجتماع أخر في غياب البكر وصدام ترأس الجلسة منيف الرزاز الذي طرح على الحضور وجهة نظر السيد النائب وقال لهم: “عليكم إن تكونوا بمستوى المسؤولية ولابد من تدارك الأمر قبل إن يحدث شرخ عميق.. ابحثوا عن صيغة كفيلة بوحدة القيادة لان هذه المرحلة هي منعطف كبير وخطير”.. أما القيادة فقد انقسمت إلى فريقين:
الأول: برز فيه محمد عايش: حيث طلب عقد اجتماع لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية للحزب يحضره الرئيس احمد حسن البكر ونائبه صدام حسين وجميع الأعضاء.. انطلاقا من أنظمة الحزب.. تُناقش المشكلة فيه من جميع جوانبها بغية الوصول إلى حل لها.
الثاني: الأقل عدداً كانت له وجهة نظر أخرى.. والغريب أنهم كانوا من اشد المناصرين للرئيس البكر وفي مقدمتهم طه ياسين رمضان الجزراوي إضافة إلى عزت إبراهيم الدوري.. كان رأيهم: (إذا كان الرئيس مصرا على الاستقالة.. فيجب العمل على إقناع نائبه صدام حسين بتولي الرئاسة مؤقتاً لحين الانتهاء من الاحتفالات بذكرى الثورة المجيدة والدعوة إلى عقد مؤتمر قطري موسع لحسم هذه المشكلة).
كانت تفاصيل ما يجري في الاجتماع تصل إلى السيد النائب (أي صدام) حرفياً.. الذي أدرك خطورة طروحات الفريق الأول واعتبرهم حجر عثرة في طريق طموحاته.. في نفس الوقت أدرك إن الفريق الثاني سيحقق طموحه الشخصي الأمر الذي دفعه إلى اصدر سلسلة من الأوامر السرية بتتبع كل مناصر للفريق الأول بطريقة (سري وعلى الفور).. وتحركت أجنحة المخابرات والأمن تجمع المعلومات التي كانت ناقصة في أضابيرها السرية.. الجناح الأول هو جهاز المخابرات بقيادة برزان إبراهيم الحسن الأخ غير شقيق لصدام حسن.. والثاني وزارة الداخلية بقيادة سعدون شاكر.
ولم يجد منيف الرزاز غير طارق عزيز وحسن علي العامري لتبني فكرة الحل الأخير أو الفرصة الأخيرة لإقناع الفريق الأول بتأييد الفريق الثاني.. لكن (كان إصرار الفريق الأول لا يتزحزح) وفشلت جهود الفرصة الأخيرة.. وقبل الاجتماع الأول الحاسم كان لابد من الالتجاء إلى السيناريو الآخر الذي كان بالانتظار..
كان الحرس الخاص عند الأبواب ينتظر الأوامر المحددة سلفا والجميع يعرف دوره وصدرت الأوامر.. حاول منيف الرزاز تلافي ما يحصل لكنه تعرض للضرب والإهانة الشديدة.. وارشد ياسين المرافق الشخصي للسيد النائب استمر في مجالسه الخاصة يردد وهو يضحك بسخرية.. انه ضرب منيف الرزاز لكمة أنسته كل تأريخ الحزب.. وطلب منه التوجه إلى منزله.. وان لا يفتح فمه إطلاقا.. وكما هي العادة.. توفيً الأمين المساعد بعد فترة زمنية قصيرة.. وقيل بسبب القهر.

البكر.. سرقات بالقانون:
ـ يقول حسن العلوي: إن البكر كان نزيها.. لكن العلوي لم يقل كيف يحق لمجلس قيادة الثورة منح أعضائه ورئيسه البكر ألف دونم من الأراضي الزراعية لكل واحد منهم.
ـ وبعد أن تبرع البكر ببيته في منطقة علي الصالح كمتحف لحزب البعث.. قام ببناء بيت فاره له.. ولصدام حسين على نفقة الدولة بكلفة قاربت المليون دولار للبيت الواحد.
ـ كان البكر يقوم بزيارات مناطق أبو غريب الزراعية ووقعت عينه على قطعة أرض.. فقرر مصادرتها.. وأرسل لصاحبها مبلغا لا يتناسب مع ثمن المزرعة.
ـ في عهد البكر تقرر أن يمنح حزب البعث نسبة مئوية من واردات النفط.
ـ تم فتح سباق الخيل.. الذي منعته ثورة 14 تموز.
ـ وتم تشجيع بيوت الدعارة كي تصبح اوكاراً للتجسس على أعداء النظام بل حتى أعضائه.

بيان الاستقالة:
في عصر السادس عشر من تموز اقُتحمت منـزله الواقع في منطقة (أُم العظام) المطل على نهر دجلة بجانب الجسر المعلّق كرادة مريم.. وحدات عسكرية من قوات المغاوير الخاصة يقودها برزان التكريتي والعميد الركن طارق حمد العبد الله المرافق الأقدم للرئيس للبكر.. وأُجبر البكر على ارتداء ملابسه.. واقتيد الرئيس إلى مبنى المجلس الوطني حيث اصطحبه صدام وبرزان إلى دار الإذاعة والتلفزيون.. التي كانت قد جرى تجهيزها لكي يعلن البكر خطاب التنحي.
ظهر الرئيس البكر من على شاشة تلفزيون بغداد.. وهو زائغ النظرات يتلفت نحو اليمين واليسار ويحاول السيطرة على أعصابه.. يغمره خوف شديد بالكاد كانت الكلمات تخرج من فمه.. وتلعثم عدة مرات في نطق الحروف حتى ملامح وجهه تغيرت.. واضطر أكثر من مرة إلى بلع ريقه.

وفاته:
شهد العام 1982 شهد توالي الهزائم العسكرية مع إيران.. وانتشرت إشاعة تقول: إن البكر قد يعود إلى السلطة.. وبهذا الصدد يذكر القيادي في البعث تايه عبد الكريم: بأن صدام انطلق يشعر بأن الأمور في غير صالح العراق في الحرب.. وقال صدام: (أخاف أروح أني.. ديروا بالكم تنتخبون البكر.. فالبكر ليس له دور في الثورة.. وتحدث صدام بشكل غير لائق وقاس بحق البكر.. ولم تمض مدة طويلة حتى توفى البكر)!!.. ففي الرابع من تشرين الأول العام 1982 توفي البكر.. وقيل إنه تم زرقة حقنة أكثر من نسبة السكر فمات البكر في الحال.

أحدث المقالات

أحدث المقالات