تعرفت على سيادة رئيس جمهورية العراق الدكتور برهم صالح في مطلع التسعينات في لندن عن طريق صديقٍ مشترك وكان لقاء تعارف تمثلت فيه حوارات قصيرة ومجاملات التعارف المعتادة. ومع ذلك فقد ترك ذلك اللقاء القصير معه في نفسي انطباعاً جميلاً واثراً من آثار الاعجاب. فقد وجدت الرجل واسع الاطلاع والثقافة متمكناً وواضحاً في طرحه من الافكار التي دارت في حديثنا الذي تنقلنا فيه بين السياسة والاقتصاد والهموم العراقية التي كانت تقلقنا بعد مأساة مغامرة النظام السابق في الكويت.
ومرت على ذلك اللقاء بضعة شهورسريعة فاستفسرت من الصديق المشترك عن سبب غياب الدكتور صالح عن المشهد العراقي في لندن فاعلمني صديقي بان الدكتور صالح كان قدغادرالى الولايات المتحدة الامريكية ممثلاً لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني في واشنطن. وتشاء الصدف ان تنتدبني حركة الوفاق الوطني العراقي في مهمة اعلامية في الولايات المتحدة حيث كان مكان تواجدي لا يبعد كثيراً عن واشنطن . وهكذا تكررت اللقاءات بيننا فتعززت معرفتي بالدكتور برهم صالح من خلال انخراطنا معاً في نشاط مشترك كان الغرض منه التواصل مع الجالية العراقية الكبيرة في الولايات المتحدة والدعوة المباشرة للتغيير الديمقراطي في العراق وانهاء نظام القمع والمغامرات العسكرية التي وضعت العراق آنذاك على حافة الهاوية. وعلى نهج ذلك النشاط تم عقد ندوات واجتماعات مكثفة، ومنها ندوة موسعة في جامعة واشنطن كان لها اثر فاعل في تعريف المجتمع الامريكي الاكاديمي بتوجهات القوى التي كانت تتصدى للنظام. ثم جاءت ندوة لوس انجلس التي حضرها وساهم فيها عدد غفير من الجالية العراقية ووجوه مهمة من اعضاء السلك الدبلوماسي الامريكي في تلك الحقبة.
استرجع تلك الذكريات وانا اتطلع الى الدكتور برهم صالح وهو امام مهامه الصعبة الراهنة. ومن نافلة القول ان نذكران الموقع الذي يتبوأه الرئيس صالح اليوم جاء توافقاً مع”الكوته” المخصصة لشعب الكرد في نهج المحاصصة الراهن في العراق. ولكن من الانصاف ايضاً ان نذكر ان للشعب الكردي خصوصيته في هذه المعادلة التي يتحكم باطرافها الباقية تجمعات طائفية لا تولي مصلحة العراق اهتماماً يذكر. الشعب الكردي شعب عريق له حضارة لها تاريخ ولغة وفن وادب، عشت بين ظهرانيه ردحاً من الزمن عندما توفرت له الحماية الدولية No Fly Zone”” فلم يستأثر بما وفره له المجتمع الدولي من امان نتيجة للقسوة التي تعرض لها على يد النظام السابق فوفرها الكرد لكل العراقيين المطاردين من النظام انذاك وكنت ممن استضافهم الشعب الكردي في هذا السياق، فادهشني الكرد وانا اقيم بين ظهرانيهم ما لمسته من سعة كرمهم ونبل اخلاقهم وما يتحلون به من مشاعر انسانية متواضعة. تذوقت مائدتهم وعشقت موسيقاهم ولبست زيهم التقليدي ورقصت دبكتهم وما زلت احن الى اجوائهم الجميلة. ومع هذا فقد حرمت المصالح الامبراطورية الغالبة في الحرب الكونية الثانية هذا الشعب المكافح من حقوقه القومية المشروعة فوزعته على اربع دول متباينة تتوائم احياناً وتتقاطع في احيان اخرى والشعب الكردي يدفع الثمن.
وعندما ناخذ خصوصية الشعب الكردي بنظر الاعتبار فلا شك بان سيادة الدكتور برهم صالح يدرك جيداً كما يدرك ابناء الشعب العراقي بكل انتماءاته بان المحاصصة على المنافع الشخصية والفئوية هي التي ادت الى الفساد المالي والاداري وجمدت نبض الحباة في العراق على مدى عقد ونيف، وحرمت شعبه من حقه في العيش الكريم المتناسب مع عمقه الحضاري وثروات بلاده.
وعندمى تصدى الدكتور صالح بموقفه الشجاع في بداية اشتداد الازمة الراهنة لمرشح الكانتونات النفعية وهدد باستقالته في حالة فرض من ارادوا فرضه عليه، كبر الرئيس في عيون شعب العراق بكل طوائفه وقومياته، وخاصة قطاعات شبابه المنتفضين في ساحات الاعتصام. وادرك الشعب العراقي ان محصلة التناقضات القائمة وما رافقتها من السلبيات المعروفة لم تبخل عليه برجل قادرعلى اتخاذ القرار المناسب عند استحقاق القرار. لذا فان الشعب العراقي اليوم يرنوا مرة اخرى الى الدكتور صالح والى موقف تاريخي آخر يلغي به نهج المحاصصة من قمة الهرم ويطبق المادة 81 اولاً من الدستور العراقي الراهن والتي تنص على: “يقوم رئيس الجمهورية، مقام رئيس الوزراء، عند خلو المنصب لاي سبب كان.” ومن خلال موقعه الدستوري هذا يقدم على حل مجلس النواب الذي فقد ثقة الشعب يه قبل ولادته ويمهد لانتخابات جديدة باشراف دولي يحقق ارادة شعبية حقيقية لا مجال فيه لشراء المقاعد ولا لمهزلة ايلاع الحرائق في صناديق الاقتراع.
بهذا الاجراء سيُخرج السيد برهم صالح العراق من متاهة الازمة الراهنة التي يتجاذبها المتحاصصون دون اهتمام ودون شعور بالمسؤلية. لا شك ان الاجراء سيحتاج الى شجاعة الموقف وسلطة القرار، وعهدي بالدكتور برهم صالح، كما عرفته يمتلك الشجاعة لتنفيذ قرار توفره له سلطة الدستور.