بدأت الحبال الممسكة بكرسي الرئاسة تتقطع الواحدة تلوَ الأخرى ولم يتبق منها إلا القليل, ومنذ بدايات الهبوط (نكسة نيسان),تعيش “كتلة دولة القانون” حالة من عدم الثبات في الرؤية والممارسة .
مقابلة “دراماتيكية” للسيد المالكي قبل أيام , لكنها جاءت بجديد, رغم كون ما ذُكِر يعد هروباً إلى الأمام وتنصل واضح من المسؤولية, بيد أن الرئيس عرض صفقة مهمة ضمن حديثه المتناقض مع ما يجري في الواقع, حيث قال” لم ندعم العصائب ولا أي ميليشيا أخرى” !!
هناك أمور تصبح متواترة بفعل الشياع, والشياع لا يكون بالإشاعة, إنما هناك قرائن تثبت حصول الشيء لدرجة يتحقق معها اليقين .. لم يكن أحدا يتوقع أن ينكر الرئيس دعمه المباشر (لعصائب الحق ) أو على الأقل (لا يعدهم مليشيا خارجة عن القانون) . الدعم أكتسب الدرجة القطعية في الشارع العراقي, والكثير منهم يحملون هويات خاصة مزودة من مكتب رئيس الوزراء, أضافة إلى تراخيص حمل السلاح والوجاهة التي يتمتع بها افرادهم في كل دوائر الدولة . الغريب أن أنكار السيد المالكي للدعم يثبت العكس , فذكره لتفاصيل (الهويات والسلاح ) ليس من باب المصادفة ولكنها غلطة الشاطر !!
يبدو أن الرئيس لم يعد يعوّل كثيراً على الجمهور الذي أدار له الظهر, والرسالة التي تتضح من خلال كلام السيد المالكي, لم تكن موجهة للشعب أطلاقاً , فلا يهم إن صدّق أم لا, إنما هي لأطراف (خارج وداخل ) العراق , تلك هي الأطراف المؤثرة في تداعيات المشهد العراقي .
أن المالكي فهم المعطيات الجديدة في المنطقة العربية والتي تبدلت فيها القواعد عن قبل عام . هناك مؤشرات كثيرة تتضح من خلالها الآلية الجديدة للسياسة الأمريكية في المنطقة, لذا أبدى “السيد المالكي “مرونة وأستعداد كبير للدخول ضمن المشروع الجديد بضرب حليف مهم تماشياً مع سياسة الأعتدال التي يريد الركون إليها, الورقة التي طرحت كثمن الوصول لولاية ثالثة, قُدمت بوضوح لم يفهمه الكثير !!
العصائب لم يتقاطعوا مع الحكومة , لكن المالكي جعلهم ملف المساومة المؤدي لكرسي الرئاسة, سيما أن الطريق لا زالت طويلة والرئيس قادر على المناورة .. قد يكون هو الرهان الأخير, بيد أنه رهان خاسر, فلا (الفيتو ) الكردي سيرفع بسهولة كما حصل سابقاً, ولا القوى السنية الرئيسية (كتلة النجيفي ) مستعدة للمغامرة بجولة جديدة مع الرئيس, فضلاً عن فقدان الأفضلية العددية على مستوى الجمهور الشيعي .